مرضى عراقيون ضحايا الاستغلال الطبي في الخارج

20 مايو 2021
خدمات متدنية في مستشفيات العراق (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -

يعاني العراق من تراجع مستمر في خدماته الطبية، ما يضطر عراقيين للسفر إلى الخارج من أجل تلقي العلاج، فيقعون ضحايا للسماسرة، ويُعتبر القطاع الصحي العراقي، من بين الأسوأ عالمياً، فقد احتل مرتبة متدنية في مؤشر نظام الرعاية الصحية الصادر نهاية إبريل/ نيسان عن مجلة "CEO World الأميركية.

ويُعتبر مؤشر الرعاية الصحية تحليلاً إحصائياً للجودة الشاملة لنظام الرعاية الصحية، ويستند إلى تقييم 89 دولة بناءً على 5 متغيرات صحية مختلفة، هي: البنية التحتية للرعاية الصحية، ومستوى اختصاصيي الرعاية الصحية (من أطباء وممرضين وغيرهم من العاملين الصحيين)، والتكلفة، وتوافر الأدوية الجيدة، والاستعداد الحكومي لدعم القطاع الطبي.
كما يأخذ المؤشر في الاعتبار عوامل أخرى بما في ذلك العوامل البيئية، وجودة المياه، والسمنة لدى الشعوب، ونظام الصرف الصحي، كما يأخذ بعين الاعتبار استعداد الحكومات إلى فرض قوانين على شراء التبغ.
يقول مسؤول عراقي في وزارة الصحة، فضّل عدم الكشف عن اسمه، إن "المستشفيات الحكومية تحتضر بسبب الفساد والمحاصصة الطائفية والحزبية. وتبدو مستشفيات العراق منهكة، فهي تفتقر لأبسط شروط النظافة فضلاً عن افتقارها إلى الأدوية، كذلك إلى الأطباء المتخصصين، الذين هاجرعددٌ كبيرٌ منهم إلى خارج البلاد، أو انتقلوا للعمل في المستشفيات الخاصة".
وتُعتبر الهند وإيران وتركيا، من أبرز الدول التي يتلقى فيها العراقيون العلاج خارج بلدهم، ويضطرون لإنفاق أموال طائلة بهدف الحصول على خدمات طبية. وبحسب المسؤول في وزارة الصحة، فإنّ "العراقيين يقعون فريسة النصب والاحتيال وسوء المعاملة في البلدان التي يقصدونها". يضيف: "السفارات العراقية في تلك الدول تواصل تلقي الشكاوى بشأن هضم حقوق مواطنيها أو التلاعب بمبالغ علاجهم، لكن بالعادة لا تفعل الكثير لهم". وأكد المسؤول أنّ "العراقيين ينفقون ما لا يقل عن 5 ملايين دولار شهرياً بهدف تلقي العلاج في الخارج، في اختصاصات يفترض تواجد خدماتها في العراق، كأمراض الكلى والقلب والشرايين وعلاج الأورام وغيرها، التي كان العراق يتميز بها قبل الغزو الأميركي عام 2003". 
ونتيجة تردي النظام الاستشفائي في العراق، يضطر عراقيون للسفر خارج البلاد لتلقي العلاج، مما يجعلهم فريسة سهلة للسماسرة والمترجمين في البلدان التي يقصدونها.
تلك المعاناة عاشها فريد عاشور، الذي أجرى عملية جراحية استأصل فيها إحدى كليتيه في إحدى مستشفيات العاصمة بغداد قبل أكثر من ستة أعوام. يقول لـ"العربي الجديد" إنه فوجئ لاحقاً حين راجع مشفى في دولة عربية متقدمة في مجال الطب بأن الكلية التي جرى استئصالها كانت سليمة. يضيف: "كانت العملية التي أجريتها وما زالت مضرباً للمثل بين أقاربي وأصدقائي، وجميعهم اليوم يحذرون من إجراء العمليات في العراق". لكن إجراء العمليات في الخارج بات سلعة للسماسرة يستغلون من خلالها جهل المرضى وذويهم بتفاصيل وتكلفة العمليات الجراحية في مستشفيات البلدان الأخرى.

يتابع فريد: "رافقت شقيقي إلى الهند لإجراء عملية في القلب، وعلى الرغم من أنها تُجرى في مستشفيات العراق ويحظى العديد منها بالنجاح لكن تجربتي كانت درساً بليغاً. كلّفت عملية أخي في الهند نحو أربعين ألف دولار، لكننا علمنا بعد أشهر أن نفس المشفى والكادر الطبي يجريان العملية ذاتها بما قيمته سبعة عشر ألف دولار". يتابع: "كان المكتب الوسيط الذي تبنى كافة إجراءات العملية هو الذي يقف وراء مضاعفة المبلغ".

وتنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي العروضات المقدمة من المستشفيات في الخارج، فضلاً عن عروضات مكاتب السفر، التي تقدم رحلات علاجية بأسعار تنافسية. ولكن تلك الأسعار المعروضة تختلف تماماً عن تلك التي يدفعها المريض لدى وصوله إلى البلدان المقصودة.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

هذه المشكلة واجهها مصطفى الحميري، الذي رافق شقيقه لتلقي العلاج في تركيا. يقول مصطفى إن "شقيقه تواصل مع مستشفى في تركيا لإجراء عملية استئصال ورم سرطاني. وكان من المفترض أن تكون تكلفة العلاج حوالي عشرين ألف دولار، لكن بعد الانتهاء من الرحلة العلاجية تبين أنّ التكلفة تخطت الثلاثين ألف دولار". ليتبين لاحقاً استغلال المترجم عدم إتقان العائلة للغة التركية، فرفع الأسعار مع قسم المحاسبة في المستشفى، بحسب مصطفى. 
ولا يقتصر الأمر على ميسوري الحال، بل يضطر فقراء عراقيون للسفر من أجل تلقي العلاج، وهم فوق مصيبتهم يتعرضون للاستغلال بدورهم. استدان العامل في أحد المخابز الشعبية في مدينة ذي قار جنوبي العراق، مهيمن الشويلي، مبلغ ألف وخمسمائة دولار من أحد أقاربه لإجراء عملية جراحية لطفله في إيران قبل نحو عام، لكنه اضطر بعد الانتهاء من العملية إلى الاستدانة من جديد لتغطية بقية نفقات العلاج. يقول الشويلي: "نصحني جميع معارفي بأن أعالج ابني الوحيد خارج العراق، وإلا سأفقده، خصوصاً أنه يعاني من مرض نادر في أمعائه، فأُجبرت على السفر إلى إيران ليتلقى العلاج المناسب، نظراً إلى انخفاض أسعار العمليات في إيران مقارنةً بباقي الدول". واتهم الشويلي الوسيط الذي تكفل بالترجمة بين المستشفى وبينه واهتم بكافة الإجراءات المتعلقة بالنقل والإقامة، باستغلاله، إذ أخبره الوسيط بعد انتهاء العملية أن المستشفى طلبت مضاعفة المبلغ بسبب تطور الحالة الصحية لطفله أثناء إجراء العملية. يقول الشويلي عما حدث معه: "لم أستطع فعل شيء واضطررت لتأمين المبلغ، فالأهم بالنسبة لي تماثل طفلي للشفاء، ولهذا قررت الاستدانة من جديد".

المساهمون