مرضى سوريون... تركيا تمنع دخول المرافقين إلى مستشفياتها

01 يوليو 2021
نقل الطفل السوري إلى هاتاي للعلاج (إيردال توركوغلو/ الأناضول)
+ الخط -

"لم يسمح الأتراك لابني بمرافقتي إلى المستشفى، على الرغم من أنّني كنت في حالة طارئة، بعدما فرضت تركيا شروطاً للحد من عدد مرافقي المرضى، وصولاً إلى منع قدومهم بشكل تام خلال فترة تفشي كورونا". هذا ما يقوله محمود عبد الرحمن (53 عاماً) من محافظة إدلب (شماليّ سورية)، لـ "العربي الجديد". يضيف أنّ وضعه الصحي كان صعباً إلى درجة اشتبه فيها الأطباء في إدلب بأنّه يعاني من "مرض خطير". أجرى أطباء المستشفى في هاتاي، على الحدود التركية السورية، الفحوصات والصور اللازمة، وسألوه إن كان يفضل أن ينقل إلى مستشفى آخر، فاختار منطقة مرسين حيث يقطن أقرباء له وقفوا إلى جانبه خلال فترة علاجه التي امتدت 3 أشهر. 
لا تختلف رواية السوري محمد الصادق (63 عاماً) عن عبد الرحمن، وقد أصيب بنوبة قلبية، وقرر الأطباء في مستشفى إدلب نقله إلى تركيا. لكن عند معبر باب الهوى، مُنع من إدخال مرافقه، علماً أنّ الصادق كان بين الحياة والموت، على حد قوله. يضيف أنّه نُقل إلى مستشفى أنطاكيا، وأجريت له عملية قلب مفتوح، وعاد بعد الاستشفاء والعلاج إلى سورية، لافتاً إلى أنّ  "العلاج والمعاملة كانا أكثر من ممتازين ومجاناً". 
من جهته، يقول العامل في المستشفى الميداني في مدينة سرمين في ريف إدلب، محمد الشيخ، لـ "العربي الجديد": "لا يمكن إدخال مرافق مع المريض إلى تركيا هذه الفترة، ولو كان المريض على النقالة"، عازياً الأسباب إلى الضغط على المستشفيات بسبب وباء كورونا. كذلك فإنّ المستشفيات التركية تتكفل بكل احتياحات المرضى. أما السبب الأهم، على حد قوله، فهو أنّ بعض المرضى لا يعودون إلى سورية بعد الشفاء، وأكثر من 60 في المائة من المرافقين لم يعودوا أيضاً، على الرغم من عودة مرضاهم الذين رافقوهم، وذلك استناداً إلى دراسة أجرتها البلاد قبل نحو 3 سنوات.
وحول آلية التحويل إلى المستشفيات التركية، يشرح الشيخ أنّ المريض، بعد إجراء الفحوص في مستشفيات إدلب والتأكد من أنّ حالته حرجة، يُنقل إلى مستشفى إدلب المركزي، ومنه إلى معبر باب الهوى، حيث يوجد مركز طبي "النقطة صفر" لإجراء الفحوص، وبناءً على نتائجها، يحدّد المتخصصون إن كانت حالته حرجة تستوجب الدخول السريع إلى تركيا أو يمكنها الانتظار. يضيف: "إن لم تكن حالة المريض خطرة، يدرج اسمه في قائمة الانتظار"، وإن كان وضعه الصحي حرجاً، وقد تعرض لحادث سير أو إطلاق نار، ويحتاج إلى عملية جراحية عاجلة، يُدخَل فوراً إلى تركيا، ويتولى طبيب تركي نقل المرضى من المعبر إلى مستشفى هاتاي، علماً أنه يُستقبَل نحو عشر حالات يومياً. وفي المستشفى، تُعاد الفحوصات، ويسأل المريض إن كان له أقرباء في ولاية معينة، أو إن كان يريد العلاج في مستشفى محدد لينقل إليه.
وفي ما يتعلق بمنع تركيا إدخال مرافقي المرضى، يوضح الطبيب إبراهيم شحود، الذي يعمل عند الحدود السورية التركية، لـ "العربي الجديد" أنّ المنع جاء على مراحل، خصوصاً بعد تأكد تركيا أنّ معظم مرافقي المرضى لا يعودون إلى سورية بعد شفاء مرضاهم، مستغلين فرصة الدخول المجاني إلى تركيا، وذلك بعد تشديد تركيا إجراءاتها منذ عام 2015. 

تمكن من زيارة ابنه حيث يعالج في مستشفى في هاتاي (سيم جينسو/ الأناضول)
تمكن من زيارة ابنه حيث يعالج في مستشفى في هاتاي (سيم جينسو/ الأناضول)

وعما إذا كانت حالات بعض المرضى تستوجب وجود أحد من أهلهم إلى جانبهم، خصوصاً إذا كانوا أطفالاً، يقول شحود إنّ "المنع ليس مطلقاً، وخصوصاً بالنسبة إلى الأطفال". يضيف: "تتولى منظمتان متخصصتان في ولاية هاتاي التركية الاهتمام بالمرضى السوريين، سواء لناحية تأمين احتياجاتهم أو التنسيق والتواصل مع ذويهم. ويمكن تقديم طلب للوالي أو القائمقام إن كانت حالة المريض حرجة وتتطلب وجود مرافق، وعادة ما تمنح الموافقة".
وحول عدد المستشفيات في المناطق المحررة، شمال غربي سورية وتخصصاتها، يقول إنّه ضمن محافظة إدلب 46 مستشفى و38 مركزاً طبياً متخصصاً و65 مركز رعاية صحية أولية، وأكثر من 70 عيادة متنقلة، ونحو 220 سيارة إسعاف وإخلاء، وتقدم هذه المنشآت والسيارات نحو 500 ألف خدمة طبية مجانية شهرية للأهالي في المحافظة. وهناك مستشفيات متطورة مثل مستشفى مدينة حارم غربي إدلب، الذي يضم متخصصين في جراحة العظام والجراحة العامة، ومختبراً للتحاليل الطبية، وقسماً للتصوير الشعاعي، وقسماً للولادة الطبيعية، وعيادات للأمراض الداخلية وأمراض القلب والعظام. ويعدّ مستشفى النسائية والأطفال في أعزاز متطوراً، إلا أنّه وغيره من المستشفيات والمراكز الطبية لا يلبي احتياجات أربعة ملايين و178 ألفاً و480 شخصاً، بحسب إحصاء للأمم المتحدة، خصوصاً أنّ المنطقة ساخنة ولا يتوقف فيها قصف النظام السوري وروسيا، ما يعني سقوط مصابين والحاجة إلى إجراء إسعافات وعمليات جراحية مستمرة. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويكشف مسؤول في الإغاثة من إدلب، طلب عدم ذكر اسمه، أنّ بعض المتنفذين من الفصائل كانوا يتقاضون نحو 5 آلاف دولار لإدراج اسم ضمن مرافقي المرضى. وخلال عامين، شهد المعبر استغلالاً وفوضى. من جهته، يقول المسؤول عن متابعة المرضى السوريين في تركيا، أبو محمد، القاطن في مدينة الريحانية التركية: "كان يدخل مع المريض مرافق وأحياناً أكثر. لكن بعد عام 2017، اختلف الأمر بسبب بقاء معظم المرافقين في تركيا، كاشفاً أنّه بعد التحقيق، تبين أنّ بعض السوريين كانوا يدفعون أموالاً لذوي المريض ليدخلوا معه بناءً على أنّهم أقارب له، ليبقوا في تركيا". بعد تلك الفترة، بحسب أبو محمد، جرى التشدد في مطابقة الأوراق والصور وحصر المرافقين بحالات محددة وللأطفال دون سنّ الثامنة. وخلال فترة تفشي كورونا، أغلق المعبر لأشهر بوجه جميع المرضى، بمن فيهم ذوو الحالات الخطرة، قبل معاودة السماح للمرضى بالدخول. 

وصلت إلى مستشفى في هاتاي لرؤية ابنها المريض (سيم جينسو/ الأناضول)
وصلت إلى مستشفى في هاتاي لرؤية ابنها المريض (سيم جينسو/ الأناضول)

إلى ذلك، يقول مصدر تركي مسؤول طلب عدم ذكر اسمه، إنّ "تركيا فتحت، وما زالت، مستشفياتها لجميع الحالات الصحية التي لا يمكن معالجتها في سورية. لكن تبين لنا أن معظم مرافقي المرضى بقوا في تركيا. كذلك فإن بعض المرضى لم يعودوا إلى سورية بعد شفائهم". يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد" أنّه "لا يوجد منع تام، بل نسمح بدخول مرافقين مع الأطفال. وإن لم يكن للطفل أهل، نتكفل بعلاجه ومصاريفه حتى عودته إلى المعبر. لكن القرار اتُّخذ منذ عام 2018، بعدما تأكدنا من استغلال بعض الحالات الطبية والإنسانية، ودخول أعداد كبيرة بشكل غير مشروع، على أنهم مرافقون للمرضى".
وحول مساعدة المريض وخدمته، يؤكد المسؤول أنّ المستشفيات التركية تقوم بكل ما يلزم، ولا تكلف المريض السوري أي أعباء مالية أو تجعله يحتاج أي خدمة، سواء أكانت تنظيفاً أم إطعاماً أم استشفاءً. ويشير إلى أنه لا يمكن المرافق المكوث في المستشفى، وقد يتكبد عناء الإقامة في تركيا، وخصوصاً خلال فترة تفشي وباء كورونا.
أما مسؤول العلاقات الإعلامية في المعبر، مازن علوش، فيوضح لـ "العربي الجديد" أن "السلطات تسمح بدخول مرافقين للأطفال المرضى دون سن الثماني سنوات (الأهل). وما عدا ذلك، يُمنَع دخول المرافقين أياً كانت حالتهم الصحية، حتى لو كان المريض على النقالة". ويصل عدد الحالات اليومية غير الحرجة إلى نحو 20. وعن العلاج في تركيا، يقول: "لدينا "منظومة تتابع الحالات المرضية، وهي جهة وسيطة بين المستشفى وأهل المريض، تتولى التواصل والاطمئنان. كذلك توجد 7 خطوط هاتفية تعمل على مدار الساعة للرد على أهل المرضى وطمأنتهم عن مرضاهم أو وصلهم بالمستشفيات التركية. ويتكفل المعبر بالمصاريف خلال دخول المريض إلى تركيا، ثم لدى تسليمه لأهله معافىً".

ومنذ مطلع العام الجاري حتى مطلع يونيو/ حزيران الماضي، دخلت 959 حالة طارئة، بينها 729 طفلاً (منهم 640 حديثو الولادة يحتاجون إلى البقاء في الحاضنات)، و157 رجلاً و73 امرأة، موضحاً أن 35 من بين هؤلاء كانوا قد تعرضوا لحوادث سير خطرة، و19 تعرضوا لإصابات من جراء الحرب. وعن الحالات "الباردة" يوضح علوش أنّها بلغت خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري، 1575 مريضاً، بينهم 709 رجال و462 امرأة و404 أطفال، وقد دخل مع الأطفال 351 مرافقاً. ويشير إلى تولي نقل المتوفين لدفنهم في سورية، والتكفل بتسليم جثمان المتوفى لذويه، وقد أُدخل خلال الأشهر الماضية من العام الجاري 814 جنازة من تركيا (381 عائدة لأطفال).
وفي ما يتعلق بمساعي مسؤولي المعبر مع الجانب التركي للسماح بدخول مرافقين، أقله للحالات الحرجة، يقول علوش: "لم تتوقف مطالباتنا خلال الاجتماعات الدورية، لكنّ أزمة كورونا عرقلت المسألة، وأوقف الجانب التركي لنحو شهرين دخول أيّ مريض من سورية إلى أراضيهم. بعدها، سمحوا بإدخال 5 مرضى يومياً، ثم 10 مرضى، واليوم 20 مريضاً، وقد وعدنا بزيادة العدد إلى 30، من الحالات غير الحرجة". ويؤكد علوش أنّه في عام 2017، عمدت السلطات إلى التدقيق في أسماء الداخلين مع المرضى والعائدين منهم، ليتبين أنّ كثيرين لم يعودوا إلى بلادهم، بمن فيهم المرضى، نافياً بشدة أي تواطؤ من المعبر وصحة ما يقال عن تلقي مسؤولي المعبر أموالاً لإدخال مرافقين من غير ذوي المريض.

المساهمون