مرضى السرطان في السودان يواجهون الحرب والموت في صمت

26 يونيو 2024
مرضى السرطان يتلقون العلاج في مستشفى القضارف للأورام، 1 مايو 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- مرضى السرطان في السودان يواجهون رحلة شاقة للعلاج بسبب الحرب التي دمرت البنية التحتية الصحية، مما أجبرهم على السفر 1000 كم للوصول إلى مستشفى مروي، المركز الوحيد للعلاج بالأشعة.
- تكاليف السفر الباهظة وإغلاق مراكز الأورام الرئيسية في الخرطوم وود مدني تركت المرضى بلا خيارات قريبة للعلاج، مما يزيد من معاناتهم المالية والجسدية.
- الأزمة الإنسانية تفاقمت بتدمير 70% من المرافق الصحية، مع تحذيرات من انهيار نظام الرعاية الصحية وتعرض حياة أكثر من 40 ألف مريض سرطاني للخطر بسبب محدودية الوصول إلى العلاجات الضرورية.

في رحلة من المعاناة يضطر مرضى السرطان في السودان النازحون إلى ولاية قضارف (في الشرق)، إلى السفر مسافة 1000 كيلومتر  للوصول إلى مستشفى مروي (في الشمال)، الوحيد الذي يقدم خدمات العلاج بالأشعة لمرضى السرطان في السودان، بعدما مزقت الحرب الدائرة البلاد ودمرت بناه التحتية ومرافقه، معاناة يصفها محمد الجنيد (65 عاما)، بالصعبة، حيث لجأ مع زوجته المصابة بالسرطان هربا من الحرب إلى القضارف، وقال: "حتى لو وصلنا إلى مروي، سيتعين علينا أن ننتظر دورنا لتلقي هذه الرعاية".

مرضى السرطان في السودان.. رحلة معاناة

وفي ولاية قضارف حيث نزحت آلاف الأسر هربا من الحرب، يصطف مرضى السرطان في انتظار دورهم داخل مركز "الشرق" لعلاج الأورام الوحيد المخصص لذلك في القضارف، والذي لا يتوافر فيه علاج بالأشعة، لذلك يلجأ المرضى إلى مستشفى مروي في الشمال الذي يبعد حوالي ألف كيلومتر عن القضارف.

الصورة
مرضى السرطان يتلقون العلاج في مستشفى القضارف للأورام، 1 مايو 2024 (فرانس برس)
الحرب تعرض حياة أكثر من 40 ألف مريض سوداني بالسرطان للخطر، 1 مايو 2024 (فرانس برس)

كانت زوجة الجنيد تتلقى علاجها في مستشفى ود مدني بولاية الجزيرة في وسط السودان قبل إغلاقه بسبب اندلاع المعارك، ما دفع أسرتها للفرار إلى القضارف. ويوضح الجنيد قائلا "اليوم يرى الأطباء أنها تحتاج مجددا إلى الخضوع للعلاج الإشعاعي، وهو في مروي فقط". وبسبب طول الرحلة بين الولايتين وكثرة الحواجز الأمنية، طلب السائق الذي وافق على اصطحاب الجنيد وزوجته إلى مروي مبلغ أربعة آلاف دولار، وهو ما لم يقدر الجنيد على دفعه فألغيت الرحلة كحال الآلاف من مرضى السرطان في السودان.

وعلى سرير في مركز القضارف حيث يتقاسم المرضى الغرف بسبب الازدحام، تقول المعلمة السودانية فتحية محمد "عاد المرض (السرطان)، واضطررت إلى استئناف العلاج". كانت محمد تتلقى علاجها أيضا مثل زوجة الجنيد بمستشفى ود مدني قبل النزوح إلى ولاية القضارف. مضيفة بحسرة "هنا لا يوجد علاج إشعاعي .. إنه متوافر في مروي لكنه يكلف مليارات الجنيهات السودانية". وتحتاج المعلمة السودانية إلى علاج بالأشعة بشكل دوري وهو ما يعد "مكلفا للغاية"، وخصوصا أنها لم تتقاض سوى رواتب ثلاثة أشهر فقط من العام المنصرم بسبب اندلاع الحرب، بحسب ما تقول.

 

الصورة
مرضى السرطان في السودان يتلقون العلاج في مستشفى القضارف للأورام، 1 مايو 2024 (فرانس برس)
مرضى السرطان يتلقون العلاج في مستشفى القضارف للأورام، 1 مايو 2024 (فرانس برس)

وتضاعفت مشقة حصول مرضى السرطان في السودان على العلاج اللازم بسبب الحرب، حيث أغلق مركزا الأورام الكبيران في الخرطوم وفي ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة الجنوبية. ومنذ ذلك الحين يكتظ مركز القضارف بمرضى السرطان على الرغم من سعته الضئيلة. ويضم المركز 27 سريرًا فقط، بينما "يحتاج إلى 60 سريرًا على الأقل"، وفق ما يقول مديره معتصم مرسي، موضحا أنه خلال "العام الماضي استقبلنا نحو 900 مريض جديد"، مقارنة بحوالى "300 أو 400 مريض" في الأعوام الماضية. وفي الربع الأول فقط من العام 2024، استقبل المركز 366 مريضا. إلا أن مرسي أكد أن الأدوية لا تزال متوافرة "إلى حد كبير"، على الرغم من "بعض النقص" المسجل من قبل بدء الحرب.

وفي مروي، يقول أحد الأطباء وقد طلب عدم ذكر اسمه: "يعمل لدينا جهازان للعلاج الإشعاعي على مدار 24 ساعة يوميًا"، مضيفا "إذا تعطل أحد الأجهزة ويتطلب الصيانة، يتسبب ذلك في تكدس المرضى الذين يأتون من جميع أنحاء السودان".

 

الصورة
مرضى السرطان يتلقون العلاج في مستشفى القضارف للأورام، 1 مايو 2024 (فرانس برس)
ارتفاع تكاليف علاج مرضى السرطان في السودان، 1 مايو 2024 (فرانس برس)

وفي أواخر مايو/أيار حذرت منظمة الصحة العالمية من أن "نظام الرعاية الصحية في السودان ينهار، خصوصا في المناطق التي يصعب الوصول إليها"، مضيفة "تدمر المرافق الصحية وتتعرض للنهب وتعاني من نقص حاد في الموظفين والأدوية واللقاحات والمعدات والإمدادات".

وفي أكتوبر/تشرين الأول حذر مقال نشره أطباء سودانيون في مجلة "إيكانسر" البريطانية من تدهور وضع مرضى السرطان في السودان، مشيرا إلى أن "محدودية الوصول إلى خدمات علاج الأورام خلال الحرب الحالية تعرض حياة أكثر من 40 ألف مريض سوداني بالسرطان للخطر"، مشيرا إلى أن "التكاليف المرتبطة بالعلاج الإشعاعي والنقل والسكن تجعلها غير متاحة للكثير من المرضى، ما يجبرهم على مواجهة الموت في المستقبل من دون رعاية كافية". وبحسب المقال، فقد عطّلت الحرب "سلاسل التوريد وتوفير المسكنات"، الأمر الذي يدفع المرضى إلى "تحمل الألم الشديد".

ويشهد السودان منذ 15 إبريل/نيسان من العام الماضي حربا عنيفة بين القوات المسلحة النظامية بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، أعقبتها أزمة إنسانية عميقة، حيث دمرت الحرب إلى حد كبير البنية التحتية وخرج 70% من المرافق الصحية في البلاد عن الخدمة، بحسب إحصاءات الأمم المتحدة، وقال المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية كريستيان ليندميير "20 إلى 30% من المرافق الصحية في البلاد لا تزال في الخدمة .. وتعمل بالحد الأدنى"، مشيرا إلى أن الإمدادات الطبية "لا تلبي سوى 25% من الاحتياجات".

 

(فرانس برس، العربي الجديد)