- أسماء التيجاني تقود جمعية "شهد أطلس" بالدار البيضاء، مستلهمة من تاريخ عائلتها في تربية النحل، تعمل على تطوير إنتاج وتسويق العسل، مؤمنة بأهمية النحل في الحفاظ على التوازن البيئي.
- يواجه سعيد وأسماء تحديات مثل الظروف المناخية القاسية، آفة الفاروا، والعسل المغشوش، مشاركين في معارض لتوسيع تأثيرهما وتحقيق الاستدامة والنجاح العالمي مع الحفاظ على البيئة وتعزيز الوعي بأهمية النحل.
يعكف النحّال المغربي سعيد البطوي من داخل منحله في قرية تنمليل التابعة لولاية أغادير بجهة سوس ماسة، على مراقبة خلايا النحل وتوفير الظل الوارف والمياه لها، بالإضافة إلى تغيير الملكات كبيرات السن، ووضع صناديق التهوئة لتخفيض درجة الحرارة. يبدو دائم اليقظة والتأهب، يحرّكه شغفه بهذه المهنة وسعيه الدائم لإيجاد آليات مناسبة للتعامل مع التحديات المناخية، ويتطلع إلى جني أجود أنواع الذهب الحلو.
يضع قفازه ويُحكم تثبيت قناعه الواقي ويتحقق من فعالية البخاخ، ثم يفتح خلية النحل، يلهمه نظام عملها ونشاطها وتناغمها داخل مملكتها، فلا يتوانى عن تفقدها بانتظام مثل طبيب ماهر يزيل الحشائش والنباتات الموجودة داخل المنحل تفادياً لوقوع الحرائق، ويرتحل به إلى المراعي كثيرة العشب والشجر والزهر والنبات وجريان الماء. يقول سعيد لـ "العربي الجديد": "النحل يعني لي الحياة والتوازن البيئي وهو أيضاً مصدر عيشي، ويكفي شرفاً أن الله أوحى إليه حين ذكره في الآية 68 من سورة النحل". يضيف أن "تربية النحل مهمة لي، فهي أكبر من عمل روتيني لإنتاج العسل وتسويقه بمقابل مادي، أو علم من العلوم الزراعية المهمة كما تعلمت في الدورات التكوينية، بل إن أهميته تكمن في الحفاظ على التنوع البيولوجي، والمساهمة في تعزيز الأمن الغذائي، ما يعني أننا أمام منظومة متكاملة محكمة الهيكلة والبناء الاجتماعي".
بدأ سعيد تربية النحل عام 2005، واكتسب الخبرات الميدانية التي ساعدته على افتتاح مشروعه الخاص كما يوضح لـ "العربي الجديد". وعام 2012، رأت التعاونية الفلاحية تنمليل لتربية النحل وإنتاج العسل النور، لتضفي مزيداً من التنظيم والهيكلة على عمله، وقد بدأ بـ 32 خليّة نحل، وصار لديه 350 اليوم.
وعلى بعد أكثر من 500 كيلومتر، وتحديداً داخل مقر جمعية "شهد أطلس" بمدينة الدار البيضاء، تنهمك أسماء التيجاني في مناقشة سبل تطوير إنتاج العسل وتسويقه، وتنصت لمقترحات فريقها وتسجل الملاحظات دفعاً بالمشروع إلى الأمام.
تُشبّه أسماء المرأة المغربية بالنحلة الشغالة نظراً إلى المهام المنوطة بها، ولا تتوقف عن البحث والسؤال منذ أن اختارت أن تخوض غمار تربية النحل وإنتاج العسل وتسويقه، بعدما مهّد لها والدها وجدّها الطريق. تقول لـ "العربي الجديد": "كان جدي نحّالاً، وكثيراً ما أثار اهتمامي عمله المحفوف بالمخاطر، وكان أبي تاجر عسل يعرف جيده من رديئه، ووسط هذا الجو فتحت عيني محبّة للنحل ومملكته".
تضيف أسماء، وهي خريجة التنظيم الإداري والموارد البشرية ورئيسة الجمعية: "كان إصراري على دخول مجال تربية النحل مستمداً من قناعتي بأنه من دون نحل لا وجود للحياة على كوكب الأرض، لأهميته الكبيرة في تلقيح النباتات، ودوره في السلسلة الغذائية، ودعم الحياة البرية، بالإضافة إلى مساهمته في الشريان الاقتصادي".
وبين الظروف المناخية الصعبة وتداعيات الوضع الراهن في المغرب، يعتمد سعيد على تربية النحل وإنتاج العسل وبيعه باعتباره مصدراً أساسياً لرزقه، ولا يخفي أن هذه المهنة ليست سهلة ولا متاحة للجميع، بل تتطلب قدراً كبيراً من الصبر والمثابرة والخبرة لسبر أغوار النحل الأصفر الصحراوي، وتذوق أجود أنواع العسل.
تحديات مربّو النحل في المغرب
ويرى أن أكبر تحدّ يواجهه مربّو النحل في المغرب هو موجات الجفاف، وقلة التساقطات المطرية، وسرعة الرياح والأمراض والآفات التي تتربص بمجتمع النحل وتؤدي إلى تكبد النحالين خسائر كبيرة كما حدث عام 2022، بعد انتشار مرض "الفاروا" ( آفة طفيلية خطيرة على النحل). وفي عام 2023، أدت درجات الحرارة الشديدة إلى ذوبان خلايا النحل داخل عدد من المزارع، فضلاً عن مخاطر طائر الوروار، والدبور الأحمر والأصفر، والنمل والحشرات والزواحف.
ووفقاً لأرقام سابقة لوزارة الفلاحة والصيد البحري، فإن قطاع تربية النحل بالمغرب يشكل مصدر دخل إجمالي أو جزئي لأكثر من 36 ألف نحال.
بدورها، تشير أسماء إلى الشروط الضرورية لتربية النحل، وأهمها وجود غطاء نباتي متنوع متعاقب الأزهار حتى يتمكن من جمع الرحيق لإنتاج العسل وحبوب اللقاح، وملاءمة الأحوال المناخية، لأن النحل من الحشرات التي تتأثر بالحر والبرد الشديدين والرياح القوية والجفاف.
ولا تقتصر التحديات التي تواجه النحالين ومن بينهم أسماء وسعيد على الظروف المناخية، بل تصطدم بغياب الجودة والتزوير وضعف المراقبة، فنجد أن العسل المغشوش والمنتجات المشتقة منه تغرق الأسواق والمعارض، خصوصاً في فترات الذروة التي تشهد زيادة الإقبال عليها كما هو الحال في شهر رمضان، في ظل غياب وعي حقيقي من المواطنين بمخاطرها على الصحة العامة، وضعف الرقابة والعمل الجاد على مصادرتها وحماية المستهلك، بحسب تعبير سعيد.
وتشدد أسماء على أهمية ضمان المراقبة والسلامة الصحية للذهب الحلو، مشيرة إلى أن منتجات جمعيتها حظيت بمصادقة المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (أونسا)، ما يعني ضمان السلامة الصحية للمنتجات التي يتم تسويقها، وتحسين القدرة التنافسية، والرفع من مستوى حماية المستهلك.
يزداد حماسها وهي تشرح فوائد عسل الليمون الغني بالمعادن والفعال للصداع النصفي والأرق والإجهاد والشائع جداً في أقنعة التجميل، والتركيبة الرباعية المفيدة للجهاز المناعي، والقوية للاضطرابات الهرمونية والغدة الدرقية والبروستات وفقر الدم الشديد. تقول: "أشارك تجربتي عن أجود أنواع العسل وفوائده الصحية والغذائية والتجميلية، من الليمون والخروب والدغموس والأعشاب، وقد وجدت منتجاتنا صدى واسعاً وبدأت تأخذ طريقها في الانتشار".
عالم النحل وإنتاج العسل ملهم لسعيد وأسماء، بل إنه يمثل لهما طموح الاستمرارية والأمل بمعانقة العالمية. يقول سعيد إنه يطمح إلى توسيع استثماره أكثر مستقبلاً، من خلال تطوير منتج غذاء ملكات النحل وحبوب اللقاح والبروبوليس أو صمغ النحل، كما يحاول البحث عن آفاق أوسع لترسيخ علامته التجارية الخاصة وسمعته الشخصية داخل المعارض المحلية والوطنية، والاستفادة من الدورات التكوينية واللقاءات لزيادة الإنتاج والتعرف على أحدث الحلول والتقنيات في هذا المجال.
وتؤكد أسماء حرصها على المشاركة في المهرجانات والمعارض والفعاليات المختلفة وطنياً ودولياً، للاستفادة من الخبرات، وتوسيع دائرة تسويق العسل ومنتجاته على أكبر مدى، بالإضافة إلى وسائل أخرى للتسويق من خلال مواقع التواصل الاجتماعي واعتماد التجارة الإلكترونية. لكنها لا تنظر إلى هذا الأمر من منطلق مادي صرف، بل يحركها أيضاً هاجس نشر الوعي المجتمعي بفوائد العسل وأهمية النحل.
يذكر أن الأمم المتحدة حددت 20 مايو/ أيار يوماً عالمياً للنحل، لإذكاء الوعي بأهمية الملقحات ولإبراز مساهمتها في التنمية المستدامة والحفاظ على صحة الإنسان وسلامة كوكب الأرض.