مراهقون يسقطون في فخّ عصابات مارسيليا: مدينة فرنسية على خطى المكسيك

05 ابريل 2023
تُعَدّ مرسيليا ممراً أساسياً لحركة تهريب الحشيشة العالمية (كريستوف سيمون/ فرانس برس)
+ الخط -

"مطلوب عنصر مراقبة شاب، يتمتع بقدرة على تذكّر الأشخاص، ويُستحسن أن يجيد ركوب الدراجات، والتعامل باحترام مع الزبائن. دوام العمل من العاشرة صباحاً إلى العاشرة ليلاً (بما يتناسب مع ساعات البيع). بدل الأتعاب 100 يورو في اليوم".

هذا النص نموذج لإعلانات تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، تهدف إلى تجنيد عناصر "موسميين" في شبكات ترويج المخدرات في مدينة مرسيليا الفرنسية، ويقع في فخ إغراءاتها مراهقون، سرعان ما يتورطون في دوامة العنف، فيدفع كثر منهم حياتهم ثمناً لذلك.

وفي هذه المدينة الساحلية الواقعة على البحر الأبيض المتوسط، والتي تُعَدّ ممراً أساسياً لحركة تهريب الحشيشة العالمية، قُتِل نحو 30 شاباً عام 2022 في أنشطة متصلة بالاتجار المخدرات، وبلغ عدد الضحايا حتى الآن خلال السنة الجارية نحو 15، من بينهم ثلاثة قضوا الاثنين.

يشهد مجمع لا باتيرنيل السكني الشعبي في مرسيليا صراعاً دامياً في الوقت الراهن يطاول مزيداً من القاصرين

والعرض كان مغرياً بالنسبة إلى زكاري (اسم مستعار) مثلاً، ولم يستطع ابن التاسعة عشرة مقاومته، إذ جذبه سراب المال السهل، فانتقل من المنطقة الباريسية إلى مرسيليا بعد رسوبه في امتحانات الثانوية العامة لكي يتولى مهمة الوقوف في إحدى نقاط بيع المخدرات البالغ عددها 130 في المدينة. وشرح الشاب للمحكمة أن "الأجر أكبر" في مرسيليا.

بدأ مروّجو المخدرات في المدينة منذ سنوات يستعينون باليافعين الذين يأتون من مناطق فرنسية أخرى، إذ غالباً ما يكون هؤلاء الشباب مطواعين وتسهُل التضحية بهم أكثر من غيرهم.

وأوضح رئيس محكمة مرسيليا أوليفييه لوران أن كثراً من هؤلاء يجدون أنفسهم "في شبه عبودية، إذ يصبحون بمثابة مخطوفين أو حتى يتعرضون للتعذيب".

الصورة
مراهقون يروجون المخدرات في مرسيليا (فرانس برس)
مروّجو المخدرات في مرسيليا منذ سنوات يستعينون باليافعين الغرباء لسهولة تطويعهم  (فرانس برس)

ولاحظ الأستاذ الجامعي جان باتيست بيرييه أن مستوى أعمال العنف المرتبطة بتجارة المخدرات في ثاني كبرى المدن الفرنسية معادل لما هي عليه الحال في مدينة أنتويرب البلجيكية وروتردام الهولندية، وهو ما يثير قلق القضاة من خطر سيناريو يشبه الوضع في المكسيك.

ولاحظ محقق في الشرطة القضائية أن التجار باتوا يجدون صعوبة في "تجنيد عدد كافٍ من عناصر المراقبة من أحياء مرسيليا الشعبية، لأن أبناءها يعتبرون أن ما يتقاضونه قليل نسبةً إلى خطر الموت المحدق بهم، وهذا ما يدفعهم إلى تجنيد عناصر من أماكن أخرى".

وترى شبكات المخدرات أن العناصر الذين تجنّدهم من خارجها "لا يستطيعون إعطاء معلومات عن الشبكة" إذا قُبض عليهم، على ما توضح نائبة رئيس قسم الاستراتيجيات في مكتب مكافحة المخدرات تيفاني بينكتان. 

80 ألف يورو في اليوم

وتدرّ بعض نقاط بيع المخدرات ما يصل إلى 80 ألف يورو في اليوم على الشبكات المروّجة. وتُعدّ فرنسا واحدة من الدول المستهلكة للحشيشة في أوروبا، وكذلك للكوكايين.

ويشهد مجمع لا باتيرنيل السكني الشعبي في مرسيليا صراعاً دامياً في الوقت الراهن يطاول مزيداً من القاصرين، إذ قُتل فيه عنصر مراقبة في السابعة عشرة في فبراير/ شباط الفائت، فيما قضى شاب آخر يبلغ 16 عاماً بإطلاق النار عليه في مطلع أبريل/ نيسان.

40 في المائة من القاصرين المحالين على محاكم مرسيليا بتهمة الاتجار بالمخدرات هم من خارج المدينة

وتدلّ الأسهم الإرشادية بين المباني الصغيرة الملونة والمتداعية إلى نقطة البيع "يودا"، حيث عُلّقت أسعار مختلف أنواع المواد المخدّرة على الجدران. وهذه الأزقة الضيّقة تشكّل متاهة مماثلة تتيح لمروّجي المخدرات الهرب في حال حضرت الشرطة.

ولوحظ أن نحو 40 في المائة من القاصرين المحالين على محاكم مرسيليا بتهمة الاتجار بالمخدرات هم من خارج المدينة، ويأتي معظمهم من باريس وضواحيها، إضافة إلى مناطق أخرى.

وسرعان ما يقع كثر من هؤلاء بين فكّي كمّاشة، إذ تتهمهم الشبكات بعدم إعطاء التنبيه في الوقت المناسب، أو بعدم عدّ الأوراق النقدية بالسرعة الكافية، أو يكون عليهم دين.

الصورة
محكمة الاحداث في مرسيليا (كريستوف سيمون / فرانس برس)
محكمة الأحداث في مرسيليا (كريستوف سيمون/ فرانس برس)

وأوضح المحامي فالنتان لوريه أن هؤلاء الشباب الذين "باتوا يتقاضون أجوراً أدنى من تلك التي كانوا يحصلون عليها، ويلقون معاملة أكثر سوءاً من ذي قبل، يعاودون ارتكاب الجرائم، إذ تصادر الشرطة منهم عندما توقفهم ما يحملونه من نقود ومواد، فتطلب منهم الشبكة التي يعملون لحسابها تعويضها عما فاتها".

ولاحظت قائدة الشرطة في منطقة بوش دو رون (التي تتبع لها مرسيليا) فريدريك كامييري أن هؤلاء الشبّان لا يلبثون أن يدركوا أن مرسيليا "ليست مدينة الذهب الموعودة، بل هي عنف وأعمال تعذيب وبربرية وديون وهمية، وهي تحت رحمة الشبكات".

ومنذ بدء بروز هذه الظاهرة عام 2019، تعرّض مراهق يبلغ 16 عاماً كان هرب من منزله في شارتر (وسط فرنسا) للتعذيب حرقاً بشعلة لأنه باع بعض المواد المخدرة من دون إذن الشبكة. وحُكم في نوفمبر/ تشرين الثاني الفائت بالسجن عشر سنوات على أحد معذّبيه الذي كان قاصراً وقتها.

في 2020، تعرّض مراهقون جُندوا من خلال الشبكات الاجتماعية للضرب والتعذيب والاعتقال لدى وصولهم بهدف إخضاعهم ليس إلّا

ورأت القاضية المختصة بالأحداث أن بعض الحالات أقرب إلى الاتجار بالبشر.

وفي 2020، تعرّض مراهقون جُندوا من خلال الشبكات الاجتماعية للضرب والتعذيب والاعتقال لدى وصولهم بهدف إخضاعهم ليس إلّا.

وأفاد مصدر قضائي بأن أحدهم، وكان يبلغ 15 عاماً، تعرّض للاغتصاب من تاجر مخدرات، وتم ابتزازه بعد ذلك بشريط جنسي لكي يلوذ بالصمت ولا يفشي بأي معلومات، وهو أمر شائع.

وغالباً ما يعود هؤلاء المراهقون إلى أهلهم، أو يلجأون إلى الشرطة أو إلي أيّ كان. في ديسمبر/ كانون الأول مثلاً، استقل أحدهم حافلة طالباً من الركاب المساعدة لأنه سيتعرض للخطف. وفي يناير/ كانون الثاني، لجأ شاب آخر إلى سطح مبنى شعبي وطلب المساعدة، على ما روى مصدر في الشرطة.

الصورة
لورانس بيلون ، قاضي محكمة الأحداث (كريستوف سيمون/ فرانس برس)
لورانس بيلون، قاضي محكمة الأحداث (كريستوف سيمون/ فرانس برس)

مرسيليا على خطى المكسيك؟

ومع أن مرسيليا لا تزال تحتل المرتبة الأولى في ما يتعلق بتجنيد العناصر الموسميين في تجارة المخدرات، بحسب المدعية العامة، انتشرت الظاهرة في ليل (شمال فرنسا) وفي مدن صغيرة أخرى.

وأشار المحامي لوريه إلى أن التجار باتوا يجندون أيضاً مهاجرين يكونون قاصرين أحياناً، بينهم جزائريون ونيجيريون، يعتقد بعضهم في البداية أنهم سيعملون مياومين في ورش بناء.

وتواجه الشرطة صعوبة في مكافحة عمليات التجنيد التي يستخدم فيها التجار كل الأدوات المتاحة، من الشبكات الاجتماعية إلى الأساليب التقليدية (الكلام الشفهي، والملصقات في محطات الحافلات، وسوى ذلك).

وتخشى المدعية العامة "تدهوراً للوضع يتحوّل انزلاقاً نحو نموذج بعض البلدان في أميركا الجنوبية، نحو السيناريو المكسيكي"، مع أن عدد الوفيات لا يُقارن.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وقالت القاضية لورانس بيلّون "الوضع يذكّرني أحياناً بصورة البرازيل" لجهة الهوة الشاسعة "بين الأحياء الجميلة وتلك التي تعاني الفقر المدقع والعنف المفرط".

أما زكاري فنجا من الورطة. فقد أوقف بعد ثلاثة أيام فقط في مرسيليا، وحُكم عليه بالإقامة الجبرية في منزل والدته.

وقال محاميه ماتيو كريف: "لقد أوقف بعد وقت قصير من تورطه، وكان سجله لا يزال نظيفاً، وراعى الحكم الاعتبارات التربوية، فنجا من صدمة السجن".

(فرانس برس)

المساهمون