استمع إلى الملخص
- **قصص إنسانية مؤثرة**: نقل الصحفيون قصصاً إنسانية مثل فقدان الرجل السوري لأولاده في الزلزال، وبتر ساق الطفلة عهد بسيسو في غزة، وبيع الطفلة الأفغانية للزواج، وحرمان الطفلة الإيرانية من العلاج.
- **تحديات وصعوبات التغطية**: الصحفيون واجهوا تحديات مثل صعوبة الحصول على المعلومات في غزة، التهديدات الأمنية في بودابست، وصعوبة التحكم بالعواطف أثناء مقابلة الضحايا في لبنان، مما أظهر التزامهم بنقل الحقيقة.
أكملت صحيفة "العربي الجديد" عشر سنوات من عمرها، والعودة بالذاكرة إلى الوراء تعني الوقوف عند كثير من القضايا والقصص والأحداث التي واكبها مراسلو قسم المجتمع. نستعرض معكم بعضها بكلماتهم.
سورية ــ عبسى سميسم
رغم أمنيتي أن يكون الحدث الأكثر تأثيراً خلال تغطيتي الشأن السوري طوال السنوات العشر الماضية من عمر الصحيفة الورقية سعيداً وإيجابياً، فإن معظم تغطياتنا كانت ترصد مآسي السوريين جرّاء تبعات الحرب من دمار ونزوح وتهجير وإخفاء قسري. لكن الحدث الأكثر تأثيراً بالنسبة إلي لا يتعلق بتبعات الحرب، بل بالزلزال الذي كان أشبه بيوم القيامة.
تضمنت إحدى المواد قصة رجل يحمد ربه لأن الزلزال لم يقض على جميع أولاده، فبقي ثلاثة من أصل ستة على قيد الحياة، وآخر يشكر بيته الوفي الذي انهار بعد خروجه وعائلته منه. تغطية مآسي الناس المنهكة بسبب الصراعات والكوارث تشعرك بأن الصحافة ليست مجرد "كار"، بل هي مهنة من لحم ودم وأحاسيس.
غزة ــ علاء الحلو
أغطي منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، القصص الإنسانية وتبعات هذا العدوان على الفلسطينيين. وما زلت أواصل التغطية رغم تهجيري عشر مرات مع زوجتي نور وطفلتيّ ناي وبيان وابتعادي عن عائلتي. التغطية قاسية وصعبة، ويأمل الناس أن تعود حياتهم إلى طبيعتها كي يعيدوا إعمار بيوتهم بعد هذه الحرب المجنونة. ورغم الصعاب الجمة في العمل، سواء للحصول على المعلومات أو صعوبة تأمين الإنترنت، فإنني أواصل التغطية من أجل إيصال صوت الناس ومعاناتهم وآمالهم وطموحاتهم، في وقت تسعى فيه بعض وسائل الإعلام إلى حجب هذه الصورة.
تونس ــ وليد التليلي
كانت مهمّتي إلى الجنوب الإيطالي من أكثر المهمّات تأثيراً في مسيرتي الصحافية الطويلة. كان قرار متابعة أحوال المهاجرين السرّيين (عام 2018) حساساً للغاية بحكم تحول القضية إلى قضية رأي عام دولي. أرادت "العربي الجديد" أن تكون لها روايتها الخاصة المبنية على المتابعة الميدانية والمشاهدات المباشرة، وليس رؤية وكالات الأنباء.
لكنها كانت أيضاً رحلة إنسانية عميقة، لأنها تكشف الحقيقة العارية. حقيقة شبان يبحثون عن الأمل عبر المجازفة بالموت غرقاً. في جزيرة لامبيدوزا، التقيت شباباً في عمر الزهور، حكوا لي تفاصيلاً مختلفة تبريرات السياسة وكذب الأرقام، فالشباب، العربي والأفريقي، يبحث عن حلم فشلنا في تحقيقه، أو حتى التبشير بإمكانية تحقيقه، فراح يبحث عنه في جزيرة الأوهام.
الجزائر ــ عثمان لحياني
لم تكن حرائق منطقة القبائل شرقي الجزائر في صيف عام 2021 القصّة في حد ذاتها، كون الحرائق يمكن أن تحدُث في أية منطقة، بل تغطية تلك الظروف التي تشبه الحرب. مشاهد تجمع بين الألم والأمل، بين الحزن الذي كان يطبع وجوه السكان، والفخر الكبير بمشاهد التضامن غير المسبوق من قبل أفراد هبوا من كل الولايات لإغاثة إخوانهم، والمساهمة في مقاومة الموت والنار وتكريس الحق في الحياة.
واكبت "العربي الجديد" في تغطيتها كيف ساعد مواطنون عاديون المتضررين في تجاوز المحنة، فالكارثة كانت كبيرة لناحية عدد الضحايا والخسائر المادية والغطاء النباتي والغابي الذي التهمته النيران. الكتابة عن هذه المأساة أمر غير عادي. إذ أظهرت قدرة الجزائريين على التنظيم الذاتي في الظروف الحرجة.
المغرب ــ عادل نجدي
مثلت قصة الطفل المغربي ريان أورام، الذي ظلّ خمس ليال يصارع الظلام والخوف والموت في بئر مهملة في قرية غران في منطقة تمروت التابعة لمحافظة شفشاون (شمال)، في فبراير/ شباط 2022، لحظة فارقة في حياتي، إنسانياً ومهنياً، وباتت من الأمور التي لن تمحى من الذاكرة. خلال تغطيتي للمأساة، اختبرت حالة عاطفية استثنائية ألغت كل المسافات والحواجز، فالصحافي إنسان قبل كل شيء. وكانت لحظات إخراجه من البئر عصيبة، ومن بين الأصعب خلال مسيرتي المهنية. فبعدما سادت أجواء من الترقب والأمل بقرب إنقاذه، عم الحزن والصدمة بعد إعلان خبر وفاته. فكانت الكتابة عن نهاية رحلة قصيرة وحزينة أمراً مؤلماً وصعباً. كانت تغطية مأساة الطفل ريان امتحاناً لنا كصحافيين مغاربة لم يعتادوا تغطية مثل هذه الفواجع والمآسي، واختبرنا كيفية التعاطي معها.
العراق ــ عثمان المختار
يصف عالم الاجتماع العراقي الراحل، علي الوردي، العراقيون بأنهم عاطفيون، طيبون، يُساعدون من يعرفون ومن لا يعرفون، يُظهرون مشاعرهم بسرعة، ويعيشون على أمل أن يكون الغد أفضل.
كانت مشاهد عودة سكان مدينة الموصل (شمال) إلى مدينتهم وهم يحاولون طي صفحة حرب مدمرة، مصدر أملٍ لجميع العراقيين، وخصوصاً الصحافيين الذين عايشوا أحداث الحرب. كنت مثل غيري من الصحافيين أنتظر أن أرى مظاهر الفرح والاحتفال من المدينة المنكوبة، حيث كان المئات يستعدّون للاحتفال بمنطقة الغابات في عيد الربيع 2019، بعد أشهر قليلة من العودة إلى المدينة. لكن غرقت العبّارة التي كانت تنقلهم بين ضفتي نهر دجلة ليبتلع النهر أكثر من 200 موصلي بينهم نساء وأطفال. استمرّ البحث عن الجثث أياماً، وكان رد فعل العراقيين بقدر الفاجعة وقهرها، فكان المتطوعون من المدن القريبة أسرع وصولاً من الحكومة إلى مكان الحادث. وبقدر ما كان الحزن يعتلي الوجوه خلال تغطيتنا لهذا اليوم، كان ثمة أمل كبير بأن أهل العراق لا يزالون بخير.
بريطانيا ــ كاتيا يوسف
لم أتوقّع أن أفشل في كبح دموعي عندما اتصلت بهديل لمقابلتها وسؤالها عن فقدانها شقيقتها وبناتها في حرب غزة. اعتقدت أنني اعتدت سماع مثل هذه الأخبار، لكن فاتني أنّ ملامسة الوجع الإنساني عن قرب مؤلم حتى النخاع. لم أكن مستعدّة لهذا الألم. لطالما كانت القصص الإنسانية الرابط الأقوى بمهنة الصحافة. من خلال هذه القصة، أدركت أنّني لست مسؤولة عن نقل الحقائق فحسب، بل إنني قادرة على المساهمة في تكريم هؤلاء الذين فقدناهم من خلال نقل قصصهم.
لبنان ــ ريتا الجمّال
تغطية غرق مركب الموت في طرابلس (شمال) عام 2022، الذي كان على متنه نحو 60 شخصاً، كان له تأثيره علي. يومها، أجريت مقابلات مع عائلات الضحايا، وكان معظمهم يقطن في شوارع فقيرة يصعب تصوّر العيش فيها. أذكر أحد الرجال الذي فقد شقيقتيه وأولادهما، والذي بكى تأثراً وقال إنه كان معترضاً على هذه الرحلة. حاولت ضبط مشاعري، خصوصاً أنني سريعة التأثر والبكاء، وعلى الصحافي أن يحاول قدر المستطاع التحكم بعواطفه، علماً أن كثرة التحقيقات الإنسانية تؤثر على صحته النفسية لاحقاً. التقيت أيضاً رجلاً كان أشقاؤه على المركب، وفي لحظة غضب، وجّه سلاحه صوبي، وكأنه رأى صاحب المركب أمامه. عرفت أنه لن يستخدمه، لكنني ارتبكت لأن الخطأ وارد دائماً. وقتها، لم أذكر هذه الحادثة في التقرير، ولم أستغلها رغم أنها كانت مصوّرة، لأن المسألة كانت ستخلق مشكلة له، وأعلم أنه فعلها في لحظة انفعال.
قطر ــ أنور الخطيب
حلّ حسن أبو ظاهر (23 سنة) وأحمد بشير جبر (17 سنة)، اللذيْن يتلقيان العلاج في أحد مستشفيات قطر ضيفين على "العربي الجديد"، ليحكيا قصتهما التي تختصر ربما حكايا آلاف الفلسطينيين الذين استشهدوا أو جرحوا خلال حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة ولا يزال منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. كنت أستجمع قبل حضورهما عبارات المواساة والصمود والعزاء، لعل فيها ما يخفف عن قلبي حسن وأحمد جراحهما، لأفاجأ بقلبيْن قوييْن لا يهزمهما رصاص العدو ولا صواريخه ولا مسيراته التي أفقدتهما أجزاء من جسديهما، والأب والأم والأشقاء. قلبين يرويان قصتهما بعنفوان الأبطال والثقة بالنصر. فشلت زنّانة الاحتلال الإسرائيلي في سلب حسن وأحمد حياتيهما، وفشلت في قتل يقينهما بالانتصار، لكنها أفقدت حسن ساقه ويده وشقيقه، وأفقدت أحمد ساقه ووالده ووالدته وخاله.
السودان ــ عبد الحميد عوض
خلال عام 2014، أقمت لفترة قصيرة في جزيرة توتي الواقعة على ملتقى النيليْن، فتعرفت على الجزيرة التي تغنى الشعراء والفنانون بجمالها وسحرها، وهي جزء من العاصمة الخرطوم، وتقع على مرمى حجر من القصر الرئاسي، لكنها احتفظت بطابع ريفي عوضني عن قريتي التي ولدت وترعرت فيها. أحتفظ حتى الآن بصورة توتي، بيوتها وشوارعها وخيرها، وما زلت أتنسّم عطر حقولها، وأشعر بحضنها الدافئ. قبل أسابيع، جمعتني الحرب مرة أخرى بأهل توتي في مخيم للنازحين بمدينة أم درمان، بعدما أجبروا على مغادرة جزيرتهم السياحية. استمعتُ منهم إلى قصص الانتهاكات التي تعرضوا لها، وكيف تحولت "درة النيل" إلى جزيرة رعب وخوف. بكيت بعد سماع قصصهم وغادرت. أعددتُ تقريراً لـ "العربي الجديد". ربما لم يعكس كل الحقيقة، لأن المأساة تفوق القدرة على الوصف. عذراً توتي وأهلها، وحتماً سيكتب التاريخ ما تبقى من حكايات.
أفغانستان ــ صبغة الله صابر
كثيرة هي القضايا والأحداث التي غطيتها لقسم المجتمع خلال الأعوام العشرة الماضية. لكن الكتابة عن بيع الآباء لبناتهم الصغيرات في أفغانستان كان له تأثير كبير علي. ما زلت أتذكر الطفلة غوتي (الوردة قبل أن تتفتح) التي لم تتجاوز الستة سنوات، والتي وعد والدها رجلاً يبلغ من العمر 32 سنة بالزواج منها بعد خمس سنوات في مقابل نحو ثلاثة آلاف دولار. لم يسمح لي بالتصوير. كنتُ أرى الطفلة الجميلة البريئة تلعب، وقد بدت كالوردة لشدة احمرار وجنتيها. خرجت من المخيم والدموع تنهمر من عيني، علماً أنني أب لابنتين. عندما ذهبت إلى الفراش في تلك الليلة، لم أستطع النوم وكنت أنظر إلى سرير ابنتي عائشة وخديجة وأنا أفكر في غوتي. لن أنسى البراءة والجمال في وجهها، ولن أنسى والدتها وهي تستمع إلى ما يخبرني به زوجها عن الفقر والعوز، ما أجبره على بيع فلذة كبده. هذه ويلات الحرب التي تدمر المجتمع وتكسر الخواطر وتدفن الأحلام.
الأردن ــ أنور الزيادات
قد لا تكون الفاجعة الكبرى التي أصابت الأردنيين ولا الحدث الأهم في البلاد، لكن سقوط بناية كبيرة بوسط العاصمة عمّان، في ما أطلق عليه فاجعة اللويبدة، ووفاة عشرات المواطنين، والتي واكبتُ جزءاً كبيراً من تفاصيلها، تبقى في الذاكرة. 85 ساعة من محاولات الإنقاذ في كارثة أججت المشاعر، وبقيت محفورة في ذاكرة من كُتب لهم عمر جديد، وخرجوا من تحت الركام ليرووا حكاياتهم، وقصص من فُجعوا بفقدانهم.
جعلتني هذه الحادثة أكثر قرباً من القضايا الاجتماعية، وإحساساً بمعاناة الناس، واهتماماً بالتفاصيل التي قد تعني الكثير في اللحظة الفاصلة ما بين الحياة والموت. ففي هذه الأوقات، يعبر الناس عما في قلوبهم وتظهر مشاعرهم الإنسانية من دون زيف.
ليبيا ــ أسامة علي
عندما ضربت العاصفة دانيال مدينة درنة وضواحيها في سبتمبر/ أيلول 2023، كنت أغطّي تفاصيل أحداثها اليومية، مقاوماً الألم الذي سببته هذه الفاجعة لي لأتمكن من نقل صورة الحدث وشهادات المنكوبين وجهود المتطوعين من كل حدب وصوب للإغاثة إلى العالم. أذكر أن الأمل كان يتضاءل يوماً بعد يوم في احتمال العثور على ناجين. كان عمّال الإنقاذ يعثرون على جثث وأشلاء. شكل هذا الحدث محطة فارقة في عملي رغم الألم الكبير، وأدركت أهمية مهنتي صحافياً بشكل أكبر، وشاركت كوني صحافياً وإنساناً في إنقاذ ودعم الآخرين.
روسيا ــ رامي القليوبي
كان مونديال عام 2018 بلا منازع أحد أبرز الفعاليات الدولية التي أقيمت في روسيا منذ التحاقي بـ "العربي الجديد". وبعيداً عن المباريات، رصدْنا قصص المشجعين الأفارقة الذين حضروا إلى روسيا بهدف الهجرة السرية إلى أوروبا، لكنهم اصطدموا بواقع مرير، ووجدوا أنفسهم بلا مال أو مأوى، وواجهوا جميع أنواع التمييز، ولم يبق أمامهم من خيار سوى العودة إلى أوطانهم من دون أن تتحقق أحلامهم بغد مشرق. كانت المقابلات معهم قبيل توجههم إلى مطار دوموديدوفو في ضواحي موسكو لإجلائهم تجربة صحافية وإنسانية فريدة من نوعها، في ظل تسليط الضوء على الجانب الخفي للأحداث الرياضية العالمية، والأوضاع المزرية التي يعيشها المهاجرون السرّيون.
إيران ــ صابر غل عنبري
تعجّ الساحة الإيرانية كالعادة بحوادث وقصص مجتمعية، منها ما هو حزين ومؤلم، ومنها ما هو مفرح. القصة التي تركت أثراً في نفسي وما زلت أعيش هذا التأثير، هي قصة الطفلة المريضة فاطمة المصابة بانحلال البشرة الفقاعي، إذ حرمتها العقوبات الأميركية، هي وأكثر من ألف مصاب بهذا المرض، من ضمادات تنفرد في صنعها شركة سويدية. التقيت فاطمة التي كانت تبكي من شدة النزيف والألم بعدما فاقمت التقرحات تردي صحتها بسبب عدم وجود هذه الضمادات في إيران. كانت فاطمة الجالسة إلى جانب والدتها، تنظر إلي بعينين حزينتين تترقبان نشر قصتها خارج إيران، لعلّه يكون لها صدى يفرج عنها كربها. كانت تسأل: "هل يمكن أن تصل الضمادات بعد نشر قصتي؟".
تركيا ــ عدنان عبد الرزاق
كان الزلزال المدمر الذي ضرب عشر ولايات جنوبي تركيا، في 6 فبراير/ شباط عام 2023، وما تبعه من مئات الهزات الارتدادية، الحدث الأهم والأكثر إيلاماً خلال تغطيتي للأحداث في تركيا لأسباب عدة. كان الكثير من أقاربي وأهلي يقيمون بصفة لاجئين في الولايات التي ضربها الزلزال، وفقدت بعضهم تحت الأنقاض فيما تضرر كثيرون. استضفت في منزلي بعضاً من أقاربي الناجين، وبقيت متابعاً لتداعيات الحدث لنحو الشهر. حاولتُ أن أكون مهنيّاً قدر الإمكان، على الرغم من صعوبة تحييد الجانب الإنساني خلال الكتابة عن كوارث كهذه. كتبتُ عن ممتلكات من قضى في الزلزال، وتواصلتُ مع أقارب الضحايا وسمعت قصصاً تتعلق بالجشع واللامبالاة. دروس كثيرة أضافتها لي تغطية الزلزال في تركيا ومتابعة مأساة المتضرّرين، وأذكر تصميم كثيرين على العيش ومقاومة المصائب.
الصين ــ علي أبو مريحيل
في ساعة متأخّرة من ليالي الحرب الطويلة على غزة، اتصل بي صديقي طه بسيسو من بلجيكا مرتبكاً عاجزاً، يبحث عن وسيلة لبث مناشدة لإنقاذ أفراد عائلته في مدينة غزة بعد استهدافهم بقذيفة دبابة إسرائيلية. كان جيش الاحتلال يفرض طوقاً أمنياً آنذاك على حي اللبابيدي حيث تمكث عائلته. وبعد عدة محاولات فاشلة للتواصل مع الجهات المعنية، بلغنا في اليوم التالي أن ابنته عهد بسيسو الطالبة الحالمة فقدت ساقها، وقد بترت بأدوات المطبخ بمساعدة عمها الطبيب ومن دون تخدير أو مواد معقمة. وثق والدها ما حدث وأرسل لي مقطع فيديو في اليوم نفسه. شرعت في كتابة قصة عهد وأنا أستمع إلى صرخاتها. كنت أنزف مع كل حرف وأشهق مع كل صرخة عجزاً وقلة حيلة.
الدنمارك ــ ناصر السهلي
خلال رحلات اللجوء إلى أوروبا عام 2015 عبر البلقان، تكدّس مئات آلاف المهاجرين في العاصمة المجرية بودابست، التي رفضت السماح لهم بمواصلة الطريق بالقطار إلى ألمانيا. ولتغطية تفاصيل ما يجري، أقمت في أحد فنادقها من دون أن أعرف أنه "محطة ترانزيت" لتهريب البشر في مقابل المال، من خلال سيارات مرقمة في دول أخرى كالنمسا وألمانيا.
الكاميرا كشفتني، فحوصرت من قبل المهربين الذين يتاجرون بمآسي الناس. قُطع الانترنت عن غرفتي كي أضطرّ للنزول إلى ردهة الاستقبال للعمل. قضيت لياليَ في خيام اللاجئين عند محطة القطارات، واستخدمت الإنترنت من فندق قريب في مقابل مبلغ من المال. كل شيء في ذلك الوقت تحوّل إلى تجارة في المدينة. وهذه التجربة جعلتني أتابع أكثر فأكثر استغلال المهربين للبسطاء.
الولايات المتحدة ــ ابتسام عازم
تركت تغطية الحراك الطلابي لمناصرة غزّة وفلسطين في نيويورك وغيرها من الولايات أثراً عميقاًً في نفسي. كانت بصيص أمل في وقت وزمن ظالم ومظلم. لم يكن غالبيتهم من الفلسطينيين والعرب أو المسلمين فقط، بل من جميع أطياف المجتمع الأميركي. حاصرتهم الشرطة وإدارات الجامعات وفككت المخيمات وفضت اعتصاماتهم، لكنهم كانوا يصرّون على العودة ومواصلة الاحتجاج. لفت انتباهي أثناء إجراء المقابلات مع الكثير منهم الوعي العالي بالتاريخ، وارتباط منظومة وشبكات الاضطهاد العابرة للحدود والموقف الأخلاقي، ورفض سياسات الحكومة الأميركية، ودورها في حرب الإبادة، وتورط المؤسسات الأكاديمية مادياً في نظام الأبارتهايد. كل هذا أّكد فكرة راسخة لدي وهي أن النضالات مشتركة ومرتبطة. كما ذكرتني بحقيقة أن مسار النضال طويل.