مدارس وبيوت مدمرة... أنقاض خانيونس ملجأ للمهجرين

30 مايو 2024
يعيش في مبنى مدمر جزئياً (بشار طالب/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الغزيون يواجهون نزوحًا جماعيًا بسبب العمليات العسكرية، مع تجاوز عدد المهجرين المليون، واضطرارهم للبحث عن مأوى في المدارس والبيوت المدمرة، خاصة في خانيونس ورفح.
- سارة عقل وآخرون يعانون من ظروف مأساوية بعد فقدان المأوى، حيث يعيشون في مدرسة مدمرة بخانيونس مع نقص حاد في المياه، الطعام، والمرافق الصحية.
- الدمار يشمل البنية التحتية الأساسية مثل محطات المياه والمرافق الصحية، مما يؤثر على إنتاج المياه النظيفة ويعكس الوضع الإنساني المتدهور في غزة، بينما تحاول المنظمات الإنسانية تقديم المساعدة.

التهجير المستمر الذي يعيشه الغزيون في ظل استمرار العمليات العسكرية، وآخرها في مدينة رفح، وضيق الخيارات وعدم توافر الخيام، دفع البعض إلى اللجوء إلى المدارس والبيوت المدمرة، وخصوصاً أنقاض خانيونس.

بعد نزوح أكثر من مليون غزي من مدينة رفح جنوبي القطاع، لم يكن أمام البعض إلا محاولة العثور على أماكن لاستقبالهم تحت أية ظروف. ولم يتمكن كثيرون من الحصول على خيام جراء قلة المساعدات المقدمة، وخصوصاً خلال الأيام الأخيرة، ما اضطر البعض إلى مشاركة عائلات أخرى خيامها، فيما وجد آخرون أنفسهم مضطرين إلى الذهاب إلى أي مكان، وإن كانت بيوتاً مدمرة، ومهما كان حجم الدمار فيها. 
ويقيم غزيون في مدارس في مدينة خانيونس تعرضت لتدمير وحرق من قبل الاحتلال الإسرائيلي، عقب العملية العسكرية في خانيونس، التي استمرت أكثر من شهرين، علماً أنه انسحب من المدينة في بداية إبريل/ نيسان الماضي. كذلك استقر البعض في منازل مدمرة وأخرى من دون سقف. وفي المدارس المطلة على شارع السوق في منطقة البلد وسط مدينة خانيونس، أحرق الاحتلال الإسرائيلي عدداً كبيراً من المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي كان قد نزح إليها عشرات آلاف الغزيين من مختلف المناطق والمدارس. الدمار الكبير غيّر ملامح المناطق بالكامل. مع ذلك، عاد مهجرون إليها، على الرغم من الدمار.
سارة عقل الخمسينية، هُجِّرت من مدينة غزة مرات عدة، وفقدت نجلها الأصغر محمد وهو في الـ 20 من عمره، وتلقت نبأ استشهاده وهي في رحلة نزوح من مدينة غزة إلى مخيم النصيرات وسط القطاع. لكن خلال النزوح الأخير من مدينة رفح، أي قبل حوالى عشرة أيام، توجهت إلى إحدى المدارس في مدينة خانيونس، بسبب عدم توافر الخيام ولا المال أو أي مكان تلجأ إليه وعائلتها. 
توجهت عقل وعدد من النساء والرجال إلى مدرسة مدمرة ومحترقة حيث الركام في كل مكان، لكنه كان الخيار الوحيد بالنسبة إليهم بعد بحثٍ استمر أياماً. في الوقت الحالي، تعيش بين ركام وأبواب محطمة وزجاج متناثر حاولت إبعاده عن الفصول الدراسية التي باتت مأواها الجديد، بالإضافة إلى آخرين. تقول لـ"العربي الجديد": "نعيش في مدرسة محترقة غالبيتها لا تصلح للسكن. لكن أين سنذهب؟ ليس لدينا منازل في مدينة غزة، كما أن الحيّ الذي كنا نعيش فيه بات مدمراً. لا يوجد مراحيض ولا مياه للشرب أو الاغتسال، ولا طعام وبتنا نعاني بسبب الجوع. في الأيام الأولى، توجه عدد من الرجال إلى الأونروا لإخبار فريقها عن إقامتنا في المدارس من أجل إحضار مساعدات لنا". تضيف: "بحثنا عن خيام أو قطع قماشية أو أي شيء يمكننا من صناعة خيام، لكننا لم نتمكن من الحصول على شيء. كنا في مدرسة في حيّ تل السلطان، لكن أُخرجنا منها لكونها باتت خطرة. ولم تحضر لنا وكالة الغوث الطعام بسبب القصف الإسرائيلي وقلة المساعدات التي كانت تصل إليها. ولاحقاً، توقفت عن خدمة النازحين وتقديم المساعدات في مدينة رفح".

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

وتوافد عدد من العائلات إلى مكان وجود عقل، بعضهم كان يقيم في أحياء غزة الشرقية، وراحوا يدل بعضهم البعض على أماكن النزوح والمساعدات حتى يبقوا مجتمعين كما كانوا في أحيائهم. كذلك قدمت عائلات أخرى بعد تشديد العمليات العسكرية والمجازر الإسرائيلية على أحياء وسط مدينة رفح وغربها، وباتت المدرسة تضم المئات.
وصلت عائلة محمد السلطان (35 عاماً)، صباح أمس الخميس، إلى مدرسة توجد فيها عقل ومئات المهجرين. صعد إلى أحد الفصول في الطابق الثاني، وقد فضّل المدرسة على منزل مدمر وآيل إلى السقوط كان ينوي البقاء فيه على مقربة من مخيم خانيونس في قلب المدينة. عمد إلى إخراج جميع الحطام والركام من الفصل، ووضع فرشة مهترئة حملها معه من مدينة رفح. 
يقول السلطان إنه بسبب ظروف الطقس والحر الشديد، فضّل المدرسة على الرغم من تحطم الأبواب والنوافذ ووجود رائحة حريق، على البقاء في العراء من دون سقف، وقد اختبر الأمر حين عاش وأسرته ثلاث ليال في العراء بعد مجزرة رفح الأخيرة في مخيم البركسات. كان في حيّ تل السلطان الذي تعرّض لقصف شديد وخرج وعائلته سيراً على الأقدام وسط القصف. يقول في حديثه لـ"العربي الجديد": "وجدنا مكاناً وبقينا فيه، لكننا جائعون ولا نملك المال أو الطعام أو المياه. حاولت البحث عن مرحاض فلم أجد. أردت الاستحمام فلجأت إلى مكان في المدرسة واستحممت بزجاجة مياه مالحة. صار عددنا في هذه المدرسة ومدارس أخرى بالمئات، وتزداد أوضاعنا الإنسانية تدهوراً".

وجدت في هذا المبنى المدمر مأوى لها (محمد أ. ناتيل/ الأناضول)
وجدت في هذا المبنى المدمر مأوى لها (محمد أ. ناتيل/ الأناضول)

شقيق السلطان الأكبر عماد جلس في أحد البيوت المدمرة الذي يضم عائلات، علماً أن بعض غرفه باتت من دون سقف. يبيت المهجرون في البيت ليلاً فيما يقضون نهارهم في الشوارع باحثين عن الظل، إذ يصعب البقاء تحت أشعة الشمس طوال الوقت. يشير عماد إلى أنه ينام وعائلته في الغرفة لأنهم لا يملكون خياراً بديلاً ولم يعثروا على خيام أو مدارس للإيواء.
ويتابع لـ"العربي الجديد": "يضع البعض الأقمشة مكان الأبواب المحطمة، ويختارون غرفة للجلوس فيها، فيما يعيش آخرون في منازل آيلة إلى السقوط. قسم من المنزل الذي أعيش فيه يُعَدّ آيلاً إلى السقوط، بينما الجزء الآخر لا يزال صامداً. أجبرنا الاحتلال على النزوح مراراً، وإلى أماكن يستحيل العيش فيها، وكأننا قطيع من الأغنام". يضيف: "جميعنا نعيش بأقل من وجبة في اليوم. وكلما توجهنا إلى المنظمات طلباً للمساعدات، يخبروننا أن المتاح هو ما نحصل عليه. لا يوجد مياه للاغتسال ولا مراحيض ولا أية مقومات للحياة. شقيقي الموجود في المنطقة الشمالية، التي نزح إليها من مخيم جباليا، يعيش ظروفاً مماثلة تماماً".  

وسط الدمار والركام (بشار طالب/ فرانس برس)
وسط الدمار والركام (بشار طالب/ فرانس برس)

دمّر الاحتلال الإسرائيلي مدينة حمد التي شيدت بدعمٍ قطريّ، وقد خُصصت لإيواء عائلات الشهداء والأرامل واليتامى والعائلات الأشد فقراً في قطاع غزة، بالإضافة إلى ذوي الدخل المحدود. وأخيراً، عاد بعضٌ ممن كانوا يعيشون فيها إليها، وإن كانت منازلهم قد دمرت بالكامل. واجتمعت عائلات في بيوت لم تدمر بعد. 
يقول محمد حفاظ (50 عاماً) لـ"العربي الجديد": "نحن من الذين نزحوا في شهر ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي، ودمر الاحتلال الاسرائيلي المبنى الذي كنا نعيش فيه بالكامل. وعندما نزحنا من مدينة رفح، لم تكن الخيام متوافرة، فتوجهنا إلى حيث كنا نعيش، وكان أحد جيراننا قد فتح منزله المدمر أمام 8 أسر، فيما عمدت عائلتان إلى إزالة الركام من بعض المنازل التي أصبحت تؤوي ما لا يقل عن 45 فرداً. على الرغم من صعوبة الأمر، إلا أنه يبقى أفضل من الخيام. على الأقل، بات لدينا مأوى. في المقابل، فإن الغذاء غير مؤمن".  

يعيش الغزيون في المنطقة الشمالية تهجيراً مستمراً بعدما استهدف الاحتلال الإسرائيلي معظم منازل المهجرين في مخيم جباليا، ووصل البعض إلى مناطق غرب مدينة غزة التي امتلأت المدارس والبيوت المدمرة فيها بالعائلات. تقيم أسرة حازم المصري في أحد المنازل المدمرة، ويقول إنه يعيش في غرفة سفلية للمنزل، أو ما تعرف بـ"غرفة الدرج". يضيف: "جميع المنازل في غزة مدمرة أو ألحقت بها أضرار بالغة. أعيش في منزل لا أعرف أصحابه بعدما عجزت عن إيجاد مكان للإيواء، بسبب امتلاء المدارس. لم يكن أمامي غير الجلوس في غرفة صغيرة مع عشرة من أفراد عائلتي. المهم أن تنتهي الحرب".
وتشير الأونروا إلى أن العائلات النازحة أصلاً بدأت النزوح مرة أخرى بسبب انعدام الأمن وأوامر الإخلاء الإسرائيلية، لافتة إلى أن العدد التقديري للنازحين من رفح بلغ حوالى المليون، مع نزوح 100,000 شخص آخر في شمال غزة. وأُخلي معظم ملاجئ الأونروا في رفح، مع انتقال النازحين إلى خانيونس ودير البلح.
ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، حدث انخفاض كبير في إنتاج المياه النظيفة في جميع أنحاء قطاع غزة، ما أثر بوصول حوالى 500,000 شخص إلى خدمات إمدادات المياه. ويُعزى هذا الانخفاض إلى الأضرار التي لحقت بالعديد من المرافق، بما في ذلك محطات المعالجة والآبار ومحطات الضخ، التي أصبحت غير صالحة للعمل بسبب القصف المستمر، أو نقص الوقود، أو عدم إمكانية الوصول إلى أعمال الصيانة.