يشهد التعليم الرسمي في لبنان فوضى عارمة تهدد العام الدراسي الحالي الذي يتخبّط بين الانطلاق والتأجيل، بعدما بات محاصراً بشتّى الأزمات الاقتصادية والمعيشية، وأكثرها تأثيراً ارتفاع أسعار المحروقات الذي يوجه ضربة قاسية للقطاع على صعيد النقل وتلبية احتياجات التشغيل والكهرباء والتدفئة في فصل الشتاء.
وفتحت المدارس الخاصة الشهر الماضي صفوفها، وباشرت التدريس وسط ترقّب حذر للتطورات التي قد ترفع كلفة النقل والأقساط المدرسية. لكن العام الدراسي لم يبدأ بحسب موعده الطبيعي في المدارس الرسمية، في انتظار تنفيذ قرارات حكومية تلبي مطالب الجسم التعليمي والهيئات التربوية.
يقول رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي نزيه جباوي لـ"العربي الجديد": "تواجه تحديات اقتصادية ومالية ومعيشية وصحية كثيرة العام الدراسي في لبنان، مع ترقب حلول الحكومة لتأمين وصول الأساتذة إلى المدارس، وتوفير الدعم المطلوب للأهالي الذين لم يعودوا يستطيعون تأمين تكاليف النقل المطلوبة لأبنائهم في ظل الارتفاع الكبير في أسعار المحروقات والغلاء الفاحش. ويعني ذلك أن قرار العودة إلى التدريس مرتبط بالخطوات التنفيذية التي سيقرّها المعنيون".
يضيف: "عقدنا سلسلة اجتماعات مع المسؤولين، آخرها مع رئيس الوزراء نجيب ميقاتي الذي تحلى بالإيجابية في موضوع الرواتب المتدنية للمعلمين التي طالبنا بربطها بالقدرة الشرائية المطلوبة، وطرحنا أن يخضع احتساب قيمتها لمبلغ 3900 ليرة (29 سنتاً) في مقابل الدولار الواحد المحدد في منصة المصرف المركزي، وزيادة بدل النقل بحسب ارتفاع أسعار المحروقات. كما تطرقنا إلى موضوع المنح الشهرية واستمرارها لجميع موظفي القطاع العام".
وأعقب ذلك مناقشة "لجنة معالجة تداعيات الأزمة المالية على سير المرافق العامة"، برئاسة ميقاتي، المعادلات المالية وعقود التلزيم والقوانين التي تسمح بتأمين خدمة المرافق العامة واستمرار الأعمال وإنجازها بطريقة متوازنة وعادلة تراعي ما هو مهمّ وعاجل. واتفق المجتمعون على تكليف وزير العمل مصطفى بيرم تفعيل لجنة المؤشر التي تقوم بتصحيح أجور القطاع الخاص الذي يضم حوالى 800 ألف عامل، في حين قدّم وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية دراسة مالية للقطاع العام رُفعت إلى وزارة المال لتحديد التكاليف اللازمة في أسرع وقت.
كذلك، قدّم وزير المال يوسف الخليل نتيجة الدراسة التي كلّفته بها "لجنة معالجة تداعيات الأزمة المالية على سير المرافق العامة" في اجتماع سابق، وعرض فيها للإجراءات التي تستجيب لمتطلبات الأزمة المعيشية الطارئة، وبينها رفع بدل النقل اليومي للعمال، وإقرار سلفة شهرية كمساعدة اجتماعية للعاملين في الإدارات والمؤسسات العامة والمستشفيات الحكومية والمدارس ضمن مشروع متكامل وعلمي يتفادى، بحسب قوله، أي تسرّع أو شعبوية. وستعلن قيمة هذه المساعدات والبدلات في الجلسة التالية لمجلس الوزراء.
الحكومة مفتاح "العودة السليمة"
ويعتبر جباوي أن انطلاق العام الدراسي يتوقف على هذه القرارات، مشدداً على ضرورة مواصلة تقديم المنح الشهرية الاجتماعية، وتعديل بدلات النقل بما يتناسب مع أسعار المحروقات، خصوصاً البنزين، وزيادة قيمة ساعات التدريس في التعاقد الرسمي والمهني، ودعم المؤسسات الضامنة في مقدمها تعاونية موظفي الدولة التي لم تعد قادرة على توفير الطبابة والاستشفاء، علماً أن معدل التأمين الصحي المطلوب لدخول المستشفى بات يعادل رواتب أكثر من أربعة أشهر.
ويقول: "نحن حريصون على أن يبدأ العام الدراسي في شكل طبيعي وبلا عوائق، ونأمل بتذليل كل العقبات"، مشيراً إلى أن "العام الدراسي خفّض من 35 إلى 18 أسبوعاً، وأن لا خوف عليه أو على إجراء الامتحانات الرسمية، لكن المطلوب الاستعجال في تأمين متطلبات العودة السليمة من دون أن ننسى ضرورة دعم المدارس على الأطراف على صعيد التدفئة، وكذلك كل المدارس لتأمين المازوت اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية. ونأمل بتطبيق ما سمعناه عن احتمال إعطاء المؤسسات التربوية محروقات مدعومة، وتوفير دعم للصناديق يتراوح بين 5 و20 ألف دولار، حسب حجم كل مؤسسة تربوية. ونطالب بعدم التأخر في التنفيذ".
ويتحدث جباوي عن أن "نزوح التلاميذ لم يعد يحصل من المدارس الخاصة إلى الرسمية، بل العكس أحياناً، باعتبار أن بدل وتكاليف النقل باتت تفوق الأقساط المدرسية، ما يدفع الأهالي إلى اختيار مدرسة قريبة من مكان سكنهم وإقامتهم تسمح بوصول أولادهم إليها سيراً على الأقدام".
وكان وزير التربية السابق طارق المجذوب أعلن بدء العام الدراسي 2021 – 2022 في 7 سبتمبر/ أيلول الماضي. وأكد أن الدوام إلزامي بدءاً من هذا التاريخ لجميع أفراد الهيئة التعليمية في ملاك الدولة، علماً أن الجسم التعليمي التربوي الرسمي نفذ إضرابات أكدت أن "لا عام دراسياً قبل بت المطالب".
الأساتذة المتعاقدون والإجحاف
من جهتها، ترفع رئيسة لجنة الأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي نسرين شاهين الصرخة لتأكيد الحقوق الشرعية لهؤلاء الأساتذة، خصوصاً أن نسبة 70 في المائة من الكادر التعليمي الرسمي هم متعاقدون لا يستفيدون من الضمان ومن بدلات النقل أو الأجور الشهرية، ولا يتمتعون بأدنى مقومات الصمود والعيش، في وقت أصبحت كلفة النقل تفوق ما يتقاضونه في ظل الارتفاع الكبير في سعر البنزين.
وتقول: "أصدرنا في 9 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري بياناً لإعلان تجميد المقاطعة بهدف إعطاء وزير التربية الجديد عباس الحلبي فرصة تطبيق الحلول التي تحدث عنها، وبينها تقديم مبلغ 90 دولاراً شهرياً للأساتذة في الملاك وأولئك الخاضعين لنظام التعاقد والذين يستعان بهم، كمساعدة من دول مانحة، مع رفع أجر الساعة الواحدة للمتعاقدين من 20 ألف ليرة (دولار واحد) إلى 36 ألف ليرة لبنانية (1.8 دولار)، علماً أن بعض الأساتذة المتعاقدين لا يعملون إلا ساعتين، ما يعني أنهم يحصلون على نحو دولارين يومياً حالياً، في حين لا يتقاضون بدل نقل ولا يستفيدون من الضمان، كما لا يتقاضون أجراً شهرياً. من هنا طالبنا بإلحاقنا بتدابير غلاء المعيشة وبدل النقل والتقاضي الشهري التي يحصل عليها المتعاقدون في الدوائر الرسمية للدولة، أو حتى المتعاقدون الإداريون في وزارة التربية، ونعتبر أن عدم فعل ذلك إجحاف وسرقة لحقوق الأساتذة المتعاقدين".
تضيف: "مبلغ 90 دولاراً الذي سيعطى بالليرة وفق سعر الصرف في السوق الموازية سيحصل عليه بالكامل أساتذة الملاك الذين يشكلون نسبة 30 في المائة، في حين لن يحصل الأساتذة المتعاقدون الذين يشكلون نسبة 70 في المائة من عدد الأساتذة على هذا المبلغ بالكامل، بل استناداً إلى العقد المبرم، وعدد الساعات التي يدرّسونها. ويبقى ذلك غير عادل وغير كافٍ حتى في حال رفع أجر ساعة المتعاقدين. ويجب ألا ننسى أن خفض العام الدراسي إلى 18 أسبوعاً يعني أن الخسارة باتت أكبر للأساتذة المتعاقدين، خصوصاً أن 4 من هذه الأسابيع مخصصة للامتحانات ومثلها للدعم التي لا يكون لهؤلاء الأساتذة دور فيها. ونحن نطالب بعقد عمل كامل تنفيذاً لقانون أقرّه مجلس النواب، ولم ينفذ حتى الآن".
وتوضح شاهين أن "لجنة الأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي جمّدت الإضراب فترة شهر، علماً أن بعض المدارس الرسمية فتحت أبوابها في 11 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري لأعمال التسجيل وغيرها. لكن هناك أزمة في غالبية هذه المدارس الرسمية التي تعاني من نقص في عدد الأساتذة وشغور بعدما انتقل قسم منهم إلى القطاع الخاص وهاجر آخرون، في حين فضّل بعضهم البقاء في المنزل بسبب غلاء النقل الذي بات يفوق الأجور والرواتب. كذلك لا كهرباء في بعض المدارس، ما يكرّس حال الإحباط التام، في وقت ينتظر المعنيون كالعادة بدء العام الدراسي للتفتيش عن حلول".
وتبدي شاهين تخوفها من نوايا تدمير المدارس الرسمية لصالح تلك الخاصة، "إذ أقرّ المسؤولون موازنة 500 مليار ليرة (250 مليون دولار) للمدارس سيذهب منها 150 مليار ليرة (75 مليون دولار) فقط للمدارس الرسمية، علماً أن المدارس الخاصة زادت الأقساط وبدلات النقل الشهرية إضافة إلى باقي التكاليف الباهظة، أما الدولة فمسؤولة عن تقوية المدارس الرسمية في ظل الظروف الاقتصادية المعيشية الخطرة".