لا تعطي الانطلاقة السريعة للعام الدراسي وتزامن توقيتها في أنحاء مدن اليمن الانطباع بتعافي عملية التعليم في بلد لا يزال يعاني من ويلات حرب مستمرة منذ 6 سنوات. فيروس كورونا ليس مصدر التهديد الوحيد لملايين الطلاب الراغبين في الالتحاق بالمدارس، فأزمات مستفحلة عدة تلقي بدلوها في عملية التعليم، على رأسها تحريف السلطات الحوثية المنهج الدراسي بهدف نشر أفكار "قتالية" دخيلة على المجتمع.
وكانت السلطات افتتحت العام الدراسي في عدن وصنعاء منتصف أغسطس/ آب الجاري، وذلك في موعد مبكر خشية مواجهة موجة ثالثة من فيروس كورونا قد تقضي على آمال حوالى 6 ملايين طالب.
ويكشف مصدر في وزارة التربية بصنعاء لـ"العربي الجديد" أن أكثر من مليونين ونصف مليون طالب توجهوا إلى المدارس في 4 مدن، هي العاصمة صنعاء وإب والحديدة وذمار، علماً أن المناطق الخاضعة للحوثيين في الشمال والغرب تضم الكتلة الطلابية الأكبر في عموم اليمن. في المقابل، لم تكشف الحكومة المعترف بها دولياً التي دشنت العام الدراسي الجديد في محافظة حضرموت (شرق) وليس عدن، إجمالي عدد الطلاب في المدن الخاضعة لسيطرتها. لكن مدير مكتب التربية في حضرموت، جمال عبدون، تحدث عن انتظام أكثر من 250 ألف طالب في أول يوم بالعام الجديد.
بعيداً عن الأرقام، تبدو العملية التعليمية في اليمن هذا العام مكبلة بتعقيدات تضاف إلى تلك التي تظهر على السطح مطلع كل عام دراسي، خصوصاً على صعيد تحركات نقابات المعلمين التي تطالب بدفع الأجور وتحسينها وتلوّح بإضرابات حتى مع مطلع العام. وأهم هذه التعقيدات ضعف المنهج الدراسي وتحريفه، ووجود نقص حاد في كوادر المعلمين في المدارس الخاضعة لنفوذ حكومتي صنعاء وعدن معاً. والحقيقة أن التعديلات الأحادية التي أدرجتها جماعة الحوثيين على مناهج مدارسها تحوّلت إلى همّ يؤرق أولياء الأمور في صنعاء، ويجعلهم يخافون على أطفالهم من مخاطرها.
دعم كويتي وعقائد إيرانية
في عدن ومدن الجنوب، استفادت الحكومة اليمنية من دعم تجاوزت قيمته مليون دولار قدمته الكويت لتزويد مطابع الكتب المدرسية بمحافظتي عدن وحضرموت، بأجهزة حديثة ومتطورة. يؤكد المدير التنفيذي لمؤسسة المطابع المدرسية الحكومية، محمد عمر باسليم، أن الدعم الكويتي يضمن حصول التلاميذ على الكتب في المحافظات المحررة بأسعار متدنية. أما في مناطق الحوثيين فلم تعلن أي دولة أو منظمة دولية مساهمتها في طباعة الكتب المدرسية، من أجل تفادي انعكاسات الإضافات التي أدرجتها الجماعة على المنهج خلال العامين الماضيين. وفيما يظهر الغلاف الرئيسي لكتاب التربية الوطنية الخاص بالمنهج الدراسي للحوثيين صورة أحد قادتهم يسقط في معركة على الحدود مع السعودية، يتهم مسؤولون تربويون السلطات الحوثية بمحاولة تزوير التاريخ من خلال تمجيد مقاتليها وتقديمهم باعتبارهم رموزاً وطنية، وكذلك عبر غرس ثقافة القتال لدى جيل كامل من الطلاب. وليس ذلك التحريف الأول للمنهج المدرسي الخاص بمدراس الحوثيين، إذ يقول مسؤولون في نقابة المعلمين باليمن، إن "سلطات الجماعة أجرت تعديلات طافحة بالمذهبية تضمنت إبراز الأفكار الحوثية والعقائد الدينية للسلطة الحاكمة في إيران".
يبلغ المسؤول الإعلامي لنقابة المعلمين يحيى اليناعي "العربي الجديد" أن السلطات الحوثية عطّلت فور سيطرتها على صنعاء نهاية عام 2014 عمل اللجنة العليا للمناهج، واستبدلتها بمجموعة من الأكاديميين الموالين لها، والذين شرعوا في تغيير المناهج الدراسية للمرحلتين التأسيسية والثانوية. ويوضح اليناعي أن مسحاً كاملاً لمناهج المرحلتين التأسيسية والثانوية التي جرى تغييرها منذ عام 2016 أظهر إدراج 187 تغييراً في العام الدراسي 2020-2021، في مقابل 234 تغييراً في الأعوام السابقة. من هنا يتهم اليناعي إيران "بدعم الحوثيين في توسيع حركة التشيّع عبر التعليم، والعمل لتجهيز طلاب كجنود ووقود لمعارك المستقبل، بعد توظيف التعليم لتعزيز نشر العقائد الإيرانية في اليمن". وتبدو الحكومة اليمنية عاجزة عن تدارك سلبيات الوضع، إذ اكتفت بالتنديد بخطوات الحوثيين ومحاولتهم "تجهيل" المجتمع و"سلب إرادته" عبر تدريس مناهج تعليمية محرّفة بهدف غسل عقول أطفال اليمن وتزوير التاريخ.
أجور زهيدة
يصف وزير الإعلام والثقافة في الحكومة اليمنية معمر الإرياني، تصرفات السلطات الحوثية بأنها "عبثية وتهدف إلى تزييف وعي الأجيال القادمة وتعبئتهم بأفكار طائفية تهدد السلم الأهلي والنسيج الاجتماعي، وصولاً إلى نسف فرص الحوار وإرساء السلام والتعايش بين اليمنيين". ويطالب بموقف دولي من "الممارسات الخطيرة والنهج الرامي إلى تحويل فصول ومقاعد الدراسة إلى مصائد لمسخ عقول الأطفال واستدراجهم وتجنيدهم في جبهات القتال".
على صعيد آخر، أضيفت إلى مشكلة عدم توظيف السلطات معلمين جدد منذ أن اجتاح الحوثيون العاصمة صنعاء نهاية عام 2014، تجميد دفع السلطات الحوثية رواتب موظفي الدولة، ما فرض حال عجز كبير في كوادر التعليم، مع انتقال أساتذة كثيرين لمزاولة مهن أخرى أو نزوحهم إلى مدن أخرى أو حتى مغادرة البلاد.
وقد اعتمدت السلطات الحوثية طوال السنوات الماضية في شكل أساسي على متطوعين ذوي خبرة قليلة بهدف تغطية العجز في كوادر المعلمين، ومنحتهم أجوراً زهيدة دفعتها كل عدة أشهر. وأعلنت خلال العام الجاري أنها ستصرف مبلغاً منتظماً شهرياً تعادل قيمته 50 دولاراً فقط، كحافز للمعلمين في مناطق نفوذها.
لكن الإجراء الحوثي لا يعالج حقيقية مشكلة انقطاع رواتب المعلمين منذ 5 أعوام. ويشرح أحمد البعداني، وهو معلم في منطقة الحوبان الخاضعة لسلطة الحوثيين شرقي تعز لـ"العربي الجديد" أن "السلطات الحوثية تملك موارد ضخمة تستطيع استخدامها في تغطية رواتب المعلمين كاملة بلا حاجة إلى استقدام خريجي ثانويات أو طلاب جامعيين لا يملكون خبرة كافية للتدريس".
ويعتبر أن "ما أعلنته وزارة التربية في صنعاء مجرد ذر رماد في العيون. فكيف سيلبي المعلم كل مستلزمات أسرته بمبلغ 50 دولاراً لا يكفي لاستئجار منزل يضم غرفتين في ظل الغلاء الفاحش". وينخرط البعداني على غرار مئات من المعلمين بمهن خاصة بعيدة عن التعليم بهدف تأمين لقمة العيش، في وقت جذبت مدارس خاصة مجموعة واسعة من المعلمين القادمين من المدارس الحكومية، رغم أنها لا تقدم أيضاً أجوراً جيدة مقارنة بالرسوم التي تجنيها من الطلاب.
المدارس الخاصة
ورفعت المدارس الخاصة هذا العام قيمة الرسوم الدراسية بنسبة 40 في المائة بسبب الانهيار القياسي للعملة المحلية في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية إلى أكثر من ألف ريال مقابل الدولار الواحد. وشمل ذلك أيضاً المدارس في مناطق نفوذ الحوثيين رغم استقرار أسعار الصرف فيها. لكن وزارة التربية التابعة للجماعة أعلنت منتصف أغسطس/ آب الجاري أن المدارس الخاصة يجب أن تعيد كل فلس زيادة دفعه أولياء الأمور هذا العام. وتوعد نائب وزير التربية الحوثي، قاسم الحمران، المدارس الخاصة بإجراءات صارمة تصل إلى الإغلاق التام أو دفع غرامات. وأشار إلى أن الرفع الجنوني في الرسوم "لا يعد أمراً عفوياً، بل يؤكد وجود مشاريع مشبوهة لا علاقة لها بمصلحة البلد إطلاقاً".
ورغم تأكيدهم أن النفقات ارتفعت في صنعاء أيضاً، لكن مالكي المدارس الأهلية لن يستطيعوا تحدي السلطات الحوثية، علماً أن عشرات من المدارس الأهلية الجديدة التي نشأت خلال الأعوام الماضية تملكها شخصيات حوثية أو مقربة من الجماعة شرعت في الاستثمار بقطاع التعليم. وتفرض المدارس الأهلية في صنعاء رسوماً تناهز 500 دولار كحد أدنى، وهو رقم مقارب للرسوم في المناطق الخاضعة لنفوذ الحكومة المعترف بها. لكن المدارس النموذجية وخصوصاً ذات الأقسام الإنكليزية تصل فيها الرسوم إلى ما يعادل ألف دولار.
وبعيداً عن الأزمات الاقتصادية، تقف النقابات التعليمية ودعوات الإضراب المتكررة التي تدعو لها مع مطلع كل عام دراسي، كعقبة رئيسية تهدد الدراسة خصوصاً في المناطق الخاضعة للحكومة. وبالتزامن مع انطلاق الدراسة منتصف أغسطس الجاري، دعت نقابة المعلمين الجنوبيين، إلى إضراب شامل لمعلمي ومعلمات المدارس الحكومية في مختلف المراحل بالمحافظات الجنوبية، جراء عدم إيجاد الحكومة أية حلول لمطالب المعلمين، وصرف مستحقاتهم التي يطالبون بها، ولوحت بخطوات تصعيدية، ما لم تجد الحكومة حلولاً مرضية للمعلمين.
وعلى الرغم من تأكيد النقابة أن الإضراب "لن يُرفع" إلا أن أولياء أمور في عدن أكدوا لـ"العربي الجديد" أن غالبية المدارس الحكومية فتحت أبوابها أمام الطلاب في أول أسبوع دراسي، بعد اتفاق بين أولياء الأمور والمعلمين على ضرورة أن تمضي العملية التعليمية قدماً ولا تتوقف تحت أي مسمى، وهو ما أدى إلى فشل دعوات الإضراب.