لم يكن إيجاد أرض في الريف الشمالي لتشييد مخيّم سهلاً على النّازحين من الرّيف الشرقي لمحافظة إدلب السوريّة، حيث أجبر هؤلاء النازحون على استئجار أرض لبناء "مخيّم الّليث" بمنطقة حربنوش.
يقول مدير المخيّم، حسن عبد اللطيف الحسن، لـ"العربي الجديد"، إن "جمع الإيجار السّنوي يتمُّ بشقّ الأنفس، ولا أحد يدعم النّازحين في التسديد رغم الظروف التي يعيشونها من انعدام فرص العمل وغياب المساعدات. استأجرنا الأرض مجبرين لإنشاء المخيّم بعد نزوحنا، وندفع سنويّاً نحو 5 آلاف دولار قيمة إيجار الأرض عبر تقسيم المبلغ على العائلات. المبلغ كبير، والأوضاع صعبة، فالمخيم يضم نحو 130 عائلة، وحاولنا الحصول على أرض تعود ملكيتها للدولة، أو أرض مشاع عامّ، لكن لم نجد. لا بدائل أمامنا، وليس هناك من يدفع الإيجار عنا".
يضيف الحسن: "المساعدات التي تصل إلى المخيم نادرة، فليس هناك مساعدات شهريّة مستمرة، والمخيّم بشكل عام وضعه سيئ، وقيمة السلة إن وصلت لا تتجاوز 200 ليرة تركية (10 دولارات)، لكننا لا نفكّر في الانتقال إلى مخيّم عام في الوقت الحالي، وندفع الإيجار كلّ سنة، ما يزيد الأعباء على النّاس".
ومن بين المخيّمات التي بناها النّازحون على أرض مستأجرة، "مخيّم التّح" في ريف إدلب الشّمالي، وتقطنه نحو 225 عائلة مهجّرة من بلدة "التّح" التّابعة لمنطقة معرّة النّعمان في ريف إدلب الجنوبي، والتي سيطرت عليها قوّات النّظام السّوري في نهاية عام 2019، قبل اتفاق وقف إطلاق النّار الذي تم التوصل له في الخامس من مارس/ آذار 2020.
يقول مدير "مخيّم التّح" عبد السلام اليوسف، لـ "العربي الجديد": "الأرض التي شيّد عليها المخيّم مستأجرة من الأهالي، وليست ملكاً عامّاً، واستأجرنا الأرض بهدف جمع أهلنا النّازحين من بلدة التح في عام 2019، وبهدف إتاحة مكان لإقامة النّاس، ولا توجد أي جهة تدعمنا في توفير قيمة للإيجار، كما أنّه ليست لدينا أيّ خيارات بديلة للجوء إليها".
ويوضح اليوسف: "الأهالي فقدوا كل ممتلكاتهم خلال خروجهم من البلدة في فترة التّهجير بعد سيطرة النظام عليها، والأوضاع المعيشية في المخيم صعبة، وإيجار الأرض عبء إضافي يتزامن مع انقطاع الدخل، وعدم وجود فرص عمل".
ومعظم المخيّمات التي شيدت على أرض مستأجرة هي لنازحين هجّروا من بلداتهم ومدنهم خلال الحملة العسكرية الأخيرة لقوّات النّظام على منطقة خطوط التّماس الممتدة من الريف الشمالي لمحافظة حماة إلى مناطق الريف الجنوبي لمحافظة إدلب إضافة إلى أجزاء من ريفي حلب الجنوبي والغربي، ويقدّر عدد هؤلاء المهجّرين بنحو 700 ألف نسمة، وقد توقفت الحملة بعد سيطرة قوات النظام على المنطقة، والتوصل لاتفاق بوقف إطلاق النّار.
ولا تتوقف معاناة النازحين في المخيّمات المستأجرة عند إيجار الأرض، فهذه المخيّمات شبه محرومة من المساعدات الإنسانية، وتعاني من التهميش، وقلة فرص العمل تزيد من معاناة النّازحين، وهي تصنف ضمن المخيّمات العشوائيّة، كونها مخيمات شيّدها النّازحون بأنفسهم.
يقول محمد ريان، مدير "مخيم عمر الفاروق" بريف إدلب الشمالي والقريب من مدينة الدانا، لـ"العربي الجديد": "استأجرنا الأرض من أهالي المنطقة لبناء الخيام، ولا توجد جهات تدفع عنا قيمة الإيجار، وإنما يتمّ دفعه عن طريق مكاتب الإيجار أو عن طريق صاحب الأرض بشكل مباشر، وكله عن طريق عقود بوجود شهود. نقوم بجمع المال من أهالي المخيّم عبر تقسيم مبلغ الإيجار على جميع العائلات، وإيجار الأراضي أصبح مرتفعاً، فاليوم إيجار الدونم الواحد 250 دولارا، والخيارات محدودة، وحتى لو توفرت بدائل، فإن الأهالي استوطنوا، ومن الصعب أن يغادروا".
نزح محمد الأحمد من ريف إدلب الجنوبي إلى "مخيم شحشبو"، ويقول لـ "العربي الجديد"، إن "الوضع في المخيم صعب للغاية بسبب غياب المساعدات الإنسانية، كما أن إيجار الأرض مرتفع، فإيجار أرض الخيمتين سنوياً يبلغ 100 دولار. حتّى السلال الغذائيّة لا نحصل عليها، ونعمل لنعيش، فالأطفال يعملون في جمع البلاستيك، والكبار يقضون النّهار في البحث عن فرص لتأمين المعيشة، وفي حال وجدنا فرصة للانتقال سنفعل ذلك".
ويعد نقص الخدمات أحد المشاكل الكثيرة التي يعاني منها سكّان المخيمات المستأجرة في مناطق شمال غربي سورية، يقول حسن المحيميد، المقيم في مخيم شحشبو، لـ "العربي الجديد": "غالبية أرض المخيم مستأجرة، والجزء الأصغر بنى عليه النازحون بيوتاً صغيرة بعد شراء الأرض، وأوضاعنا سيئة للغاية، فلا توجد خدمات سوى المياه، ونعمل لنأكل، وعندما لا نعمل لا نأكل، والسّلة الغذائية تكرر تخفيضها، لكنها تخفف بعض المعاناة، والمخيمات التي تصلها السلال الغذائية تظل محظوظة، وحالياً لا يمكننا الانتقال. ربما ننتقل في حال قررت منظمة ما مساعدتنا في تأمين بديل".