تحوّلت جرائم القتل إلى حدث عادي في مخيّم الهول جنوب شرق محافظة الحسكة السورية. ففي المخيّم الذي يضمّ نحو 62 ألف شخص من أكثر من 57 جنسية، يشكّل اللاجئون العراقيون والنازحون السوريون النسبة الأكبر منهم. ولا يبدو أن هناك حلولاً في الأفق لوضع حدّ لهذه الجرائم. ولا أحد يستجيب للمناشدات لتفكيك المخيم الذي تحوّل إلى سجن كبير، في ظل تجاهل دول كثيرة لقضية إجلاء رعاياها فيه ممن كانوا ينتمون إلى تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".
وأمس، أعربت روسيا والحكومة السورية عن قلقهما إزاء الأوضاع في المخيم، وقالتا إن السلطات الكردية فقدت السيطرة على المخيم الذي يؤوي عشرات الآلاف من عائلات داعش. وقال رئيس مركز إدارة الدفاع الوطني التابع لوزارة الدفاع الروسية، ميخائيل ميزينتسيف، ووزير الإدارة المحلية في الحكومة السورية حسين مخلوف، في بيان مشترك، إن "السلطات الكردية فقدت السيطرة فعلياً على المخيم بالتزامن مع زيادة نفوذ تنظيم داعش". أضاف البيان أنّ الظروف الحالية في المخيم "حرجة"، في إشارة إلى أن قاطنيه في الدرجة الأولى أطفال ويواجهون خطر التشدد.
من جهته، يقول سمير حسن، الذي يعمل في إحدى المنظّمات الإنسانية في المخيم، في حديث إلى "العربي الجديد"، إن "الطريقة الأمثل لوضع حدّ لهذه الجرائم هي من خلال إجلاء رعايا الدول الأجنبية من المخيم، والتخفيف من الكثافة السكانية فيه، وإعادة تأهيل قاطنيه، وكلّها أمور شبه مستحيلة في الوقت الحالي"، لافتاً إلى تحوّل المخيّم إلى كانتونات تتحكم فيها جهات مختلفة. يضيف أن "المخيم بؤرة خطيرة ويقع في بيئة منعزلة تغيب عنها مقومات الحياة. وهو كان قد شيّد لاستقبال لاجئين عراقيّين فقط، لكنه يضم اليوم نحو 62 ألف شخص، فيما تقدم خدمات التعليم والطبابة، ويتابع الناس حياتهم فيتزوجون وينجبون الأطفال، علماً أنه غير مؤهل لاستقبال هذا العدد الكبير، خصوصاً في ما يتعلق بالبنى التحتية". ويتابع: "من البديهي أن تكون هناك جرائم قتل وانتشار للمخدرات وغيرهما من ظواهر التفكك الاجتماعي".
خلال العام الماضي، شهد المخيّم العديد من الجرائم، استخدمت في عدد منها الأسلحة البيضاء والقضبان المعدنية. وتختلف التفسيرات المتعلقة بدوافع هذه الجرائم. من جهتها، تؤكد قوات سورية الديمقراطية "قسد" التي تطوق قواتها المخيم، أن تنظيم "داعش" وخلايا تابعة له تقف خلف هذه الجرائم، علماً أنّ أصابع الاتهام توجه في الوقت نفسه إلى قوات الأمن التابعة لها والمسؤولة عن ضبط المخيم، في ما يخصّ تهريب السلاح لمرتكبي الجرائم فيه لقاء المال.
أسباب الجرائم
إلى ذلك، يوضح مصدر مطّلع على الوضع في المخيم لـ "العربي الجديد"، أن "بعض الجرائم في المخيم ترتبط ارتباطاً مباشراً بداعش. كما أنّ هذا النوع من الجرائم يقف خلفه عناصر من خلايا التنظيم ينصبون أنفسهم قضاة يحقّ لهم الاقتصاص من أي فرد كان يعمل مع التنظيم أو حتى انتمى إليه سابقاً وما زال في المخيم. وهذه الجرائم ترتكب بذريعة خرق أحد المنتمين السابقين للقواعد التي فرضها التنظيم، ويسمى المسؤول عن متابعتها جهاز الحسبة. فبعد أن يعلم التنظيم أن أحد المنتمين إليه ممن يقيمون في المخيم يحاول العودة لحياته الطبيعية خارج التنظيم والتعاون مع إدارة المخيم، يقتل من قبل خلايا تابعة له".
يضيف: "أما النوع الثاني من الجرائم، فسببها السماسرة والمسؤولون عن عمليات التهريب إلى خارج المخيم، وضحاياه هم الهاربون والنساء بالدرجة الأولى. وتحدث جريمة القتل بعد اتفاق بين السمسار والجهة التي يريد تهريبها إلى خارج المخيم، فيخلّ السمسار بالاتفاق ويحصل على المال ويتجاهل تنفيذ ما تم الاتفاق عليه. وفي حال إلالحاح على طلب المال الذي تم دفعه للمهرب، يقوم المهرب أحياناً بقتل بعض طالبي التهريب وخصوصاً النساء".
وبحسب المصدر نفسه، فإنّ "النوع الثالث من الجرائم أساسه خلافات عائلية. ففي المخيم الكثير من الأرامل وقد حدثت زيجات بين جنسيات مختلفة، وبين عائلات ذات طابع عشائري أو قبلي. وفي حال وقوع خلاف عائلي لا يمكن احتواؤه، تحدث جرائم قتل غالباً. وعادة ما تستخدم الأسلحة البيضاء في جرائم القتل العادية، أو ما يتاح من أدوات حادة. كما أن بعض الجرائم تستخدم فيها أسلحة تشير إلى ارتباط التنظيم فيها، إذ غالباً ما يكون هناك مجال لإدخال الأسلحة إلى المخيم عبر تهريبها، لا سيما أن المال متوفر خصوصاً لدى عائلات تنظيم داعش. وتصل إلى هؤلاء حوالات مالية بشكل منتظم".
من جهة أُخرى، فإنّ واقع الحال في المخيّم يساعد على ارتكاب الجرائم باعتبار أن الخيم متقاربة بعضها من بعض بشكل كبير. ويقدّر عدد قاطني المخيم بنحو 62 ألف شخص، وبالتالي فإن ضبط الأمن ليس بالأمر السهل. كما أن الأمن المسؤول عن المخيم يتوزع على الأطراف وفي بعض القطاعات.
ومع تحوّل المخيّم إلى سجن كبير، وعزل قاطنيه عن العالم الخارجي، وفشل محاولات هرب بعض المقيمين فيه، بات القتل بمثابة ردّة فعل في سبيل نيل الحرية والخروج من المخيم. هكذا تُبرّر جهات مقيمة في المخيم الجرائم، خصوصاً تلك التي ترى أن كل شيء مباح في سبيل الخروج من المخيم، وبالتالي يجب معاقبة من يحاول منع خروجها.
ويقول إعلامي من داخل مخيم الهول، رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، إن "جرائم القتل التي تحدث في المخيم ليست بسبب الفقر"، مؤكداً أن "المساعدات الشهرية متوفرة بشكل دوري". ويلفت إلى أن "السبب الرئيسي هو تعامل المقتولين مع عناصر أمن المخيم". يضيف: "هناك من يتعامل مع الاستخبارات التابعة لقوات سورية الديمقراطية، ويتسبب بأذى لقاطني المخيم من خلال الإبلاغ عمن يريد الهرب من النساء والرجال ويشي بهم. أما شراء السلاح، فيكون من عناصر أمن المخيم. وفي حال عدم توفر المال لشراء السلاح، هناك الكثير من الوسائل للقتل".
ويؤكّد الإعلامي نفسه أنّ "المتعاونين مع عناصر قسد يتلقون تهديدات واضحة للتراجع عن التعامل معها. لكن من يصرّ على التعامل مع استخباراتها يكون مصيره القتل. كما أن من يحاول الفرار يسعى إلى نيل حريته لا أكثر، وهؤلاء الذين يُقتلون يقفون في وجه حرية من يرغب في الخروج". يضيف أنّ "المخيّم عبارة عن مدينة كبيرة تحوّلت إلى سجن كبير مغلق على العالم الخارجي ومفتوح على بعضه من الداخل وبلا حدود. لذلك، كلّ شيء مباح بين المساجين فيه في سبيل الحصول على الحرية"، مشيراً إلى أن "عمليات القتل قد تستمر في حال لم يتم إيجاد حلّ جذري".
9 جرائم في 10 أيام
شهد المخيّم تسع جرائم قتل خلال الفترة الممتدة ما بين 1 و10 مارس/ آذار الجاري، والضحايا هم العراقي يونس كاظم حسين (23 عاماً) الذي قتل بأربعة أعيرة نارية في الصدر والبطن في القسم الأول من المخيم، والعراقي بشار وليد خالد (40 عاماً) وقتل بثلاثة أعيرة نارية في القسم الثالث من المخيم، والعراقي علي أحمد علي جاسم (18 عاماً) وقتل بعدة أعيرة نارية في الرأس والصدر والبطن في القسم الأول من المخيم، والعراقية مريم أحمد مكحول وقتلت بعدة أعيرة نارية في الرأس والصدر في القسم الأول من المخيم، ونازحة سورية تبلغ من العمر 20 عاماً قتلت بواسطة مسدس كاتم للصوت في خيمتها في القسم الخامس من المخيم، والعراقي نمر رباح ياسين (16 عاماً) قُتل بعدة أعيرة نارية في الرأس والكتف في القسم الأول من المخيم، والعراقي سيف عبد عاجل (21 عاماً) وقُتل بعيار ناري في القسم الثاني من المخيم. أما العراقيان هيثم عبد السلام (26 عاماً) وخضرعبد السلام (24 عاماً) فقُتلا في العاشر من مارس/ آذار في القسم الأول من المخيم، بعد استهدافهما بعدة أعيرة نارية، ليبلغ عدد جرائم القتل في مخيم الهول منذ مطلع العام الحالي وحتى العاشر من الشهر الجاري 37 جريمة قتل.
وطاولت الجرائم أحد العاملين في منظمة "أطباء بلا حدود" في الخيمة التي يقطنها. ووقعت الجريمة ليلة 24 فبراير/ شباط الماضي. وبعد ثلاثة أيام، توفيت طفلة هي ابنة موظف آخر، في حريقٍ شبّ خلال حفل زفاف في المخيم. كما أصيب ثلاثة موظفين آخرين في الحادثة نفسها، بحسب تقرير صادر عن المنظّمة.
تجدر الإشارة إلى أن مخيم الهول أنشئ على المشارف الجنوبية للبلدة التي أخذ اسمه منها بإشراف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في عام 1991، بالتنسيق مع النظام السوري في محافظة الحسكة، ووفّر يومها ملاذاً لأكثر من 15 ألف لاجئ من العراق بمن فيهم فلسطينيون طردوا من الكويت إبان حرب الخليج في عام 1991. وأعيد فتحه بعد الغزو الأميركي للعراق كواحد من ثلاثة مخيمات على الحدود السورية - العراقية، وارتبط اسم المخيم بمعاناة آلاف العراقيين الفارين من الموصل وتكريت والشرقاط.
وفي أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2015، وبعد التقدم الذي أحرزته "قسد" عقب معركة الحسكة ضد تنظيم داعش، شنت تلك القوات هجوماً على بلدة الهول لتسيطر عليها في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، وسيطرت معها على المخيم الذي حوله تنظيم داعش في نهاية عام 2012 إلى سكن للعائلات الأجنبية. وأعادت "قسد" فتح المخيم المهجور منذ عام 2007 بشكل رسمي في 21 أبريل/ نيسان 2016 بعد توسع رقعة معاركها ضد داعش، ووصول دفعات كبيرة من النازحين إلى مناطق سيطرتها. وبلغ عدد القاطنين في المخيم وفق آخر الإحصاءات الصادرة عن الإدارة الذاتية، 62287 شخصاً، منهم 30706 لاجئين عراقيين و22616 نازحاً سورياً، و8965 من عائلات تنظيم داعش التي تضمّ نساءً وأطفالاً.