كثف الاحتلال الإسرائيلي القصف الجوي والمدفعي على مخيم البريج ومخيم المغازي في وسط قطاع غزة خلال الأيام الأخيرة، ونفذ أحزمة نارية على مربعات سكنية مكتظة، ما تسبب في مجازر خلفت مئات الشهداء والجرحى، خصوصاً في وسط مخيم البريج وفي شمال وجنوب مخيم المغازي.
كان عدد سكان المخيمين يقارب 90 ألف لاجئ فلسطيني، بحسب إحصائيات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وخلال العدوان الإسرائيلي نزح عشرات الآلاف إلى المخيمين، ليقيموا في منازل اللاجئين، وفي مدارس أونروا، قبل أن تتعرض المنطقة الوسطى من القطاع إلى الحصار الإسرائيلي بعد توغل الاحتلال في شارع صلاح الدين، وقيامه بفصلها عن مناطق الشمال والجنوب.
وكشفت وزارة الصحة في قطاع غزة أن الاحتلال ارتكب نحو 50 مجزرة في مختلف محافظات القطاع خلال الـ48 ساعة الأخيرة، وأن المجازر تركزت على مخيميّ البريج والمغازي، وتجاوز عدد الضحايا فيهما قرابة 250 شهيداً ومئات المصابين الذين وصل بعضهم إلى مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح وإلى مجمع ناصر الطبي في مدينة خانيونس، بينما لا يزال آخرون تحت الأنقاض.
ارتكب الاحتلال نحو 50 مجزرة في غزة خلال الـ48 ساعة الأخيرة
وقال الناطق باسم وزارة الصحة في غزة أشرف القدرة إن "الاحتلال تعمد جمع الغزيين في الأماكن التي كان يدعي أنها آمنة حتى يوقع أعداداً كبيرة من الضحايا، وإحدى المشكلات الأبرز في المجازر التي تعرض لها المخيمان كانت عدم توفر الخدمة الصحية إلا في مستشفى واحد بالمنطقة، وهو مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح، والمستشفى لا يكفي لأعداد المصابين التي ظلت تتوافد عليه بشكل متواتر". واضطر سكان المخيمين إلى النزوح لمخيمات غرب ووسط قطاع غزة، إذ نزح سكان مخيم البريج إلى مخيم النصيرات، وهو أقرب مخيم باتجاه الغرب، والذي كان يشهد اكتظاظاً كبيراً بالنازحين، بينما نزح سكان مخيم المغازي إلى مدينة دير البلح ومخيمها، وهي الأقرب من الجهة الغربية.
دمر قصف الاحتلال منزل أحمد الخطيب (45 سنة)، في وسط مخيم البريج، بعد حزام ناري استهدف الحي بالكامل، وقد شاهد تدمير المنزل بنفسه، إذ كان آخر أفراد العائلة الذين نزحوا من المنطقة، وكاد أن يفقد حياته خلال القصف بسبب انهيار أحد المنازل المطلة على الشارع الرئيسي بالقرب من دوار أبو رصاص. يقول الخطيب لـ"العربي الجديد": "كان عدد سكان المخيم خلال الفترة الأخيرة يقارب 200 ألف نسمة، وغالبيتهم من النازحين من مدينة غزة وشمالي القطاع، وبعضهم ناجون من الإبادة الجماعية في حي الزيتون في بداية الشهر الحالي، وهؤلاء أمرهم الاحتلال الإسرائيلي بالنزوح جنوباً، واستقر بعضهم في مخيم البريج. فوجئنا في نهار 24 ديسمبر/ كانون الأول، بمناشير تسقطها طائرة عسكرية، تطلب من الجميع إخلاء المخيم".
يضيف: "لدي 6 أبناء، وكان مجموع النازحين في منزلي 34 فرداً، من بينهم أقارب من حي الزيتون. نتخوف حالياً من إجبار الاحتلال لنا على المغادرة إلى سيناء. أقبل بالعيش في مخيم من دون مياه أو كهرباء، لكني أرفض التهجير، فأجدادنا هجروا خلال النكبة، ولم يعودوا إلى مناطقهم. وصلنا إلى مخيم النصيرات، وأبحث عن مكان اكثر أمناً لعائلتي في دير البلح". يتابع الخطيب: "هجر الاحتلال الكثير من سكان مخيم البريج منذ أيام العدوان الأولى، خصوصاً سكان الأطراف الذين كانوا يشاهدون المدفعية الإسرائيلية، وتعرضت كثير من المناطق للقصف، وجميع المدارس تحولت إلى مراكز إيواء ممتلئة، وقضينا ليلة على باب أحد منازل مخيم النصيرات، ولا نعرف مصيرنا حالياً، فقد تم قصف المنطقة التي نزحنا إليها في مخيم النصيرات، وكنا طوال الليل نكرر نطق الشهادتين".
كانت الأوضاع المعيشية صعبة في مخيمي البريج والمغازي قبل العدوان
نزح محمد أبو حية (38 سنة)، من منطقة الصفطاوي في شمالي القطاع إلى مدينة غزة، ثم نزح مجدداً إلى مخيم البريج، ثم إلى مخيم النصيرات، وهو يبحث حاليا عن مكان يؤوي عائلته في مدينة دير البلح أو مخيمها بوسط القطاع. يقول أبو حية لـ"العربي الجديد": "فقدنا في مخيم البريج عددا من النازحين من شمالي القطاع الذين نجوا من مجازر الشمال، ليلاحقهم الموت في مجازر الوسط. أصيبت شقيقتي وأبناؤها نهار الاثنين، وأصبحت مشرداً مع عائلتي المكونة من سبعة أفراد من بينهم طفل عمره 3 شهور رزقت به قبل أيام من بداية العدوان، وأعجز عن تأمين أي شيء له".
يضيف: "غادر عدد من النازحين مراكز الإيواء التابعة لوكالة أونروا حتى لا يتعرضوا للاعتقال أو الإهانة كما فعل الاحتلال مع نازحين إلى المدارس في مناطق شمالي القطاع، لكن مصير الجميع مجهول حالياً، بينما يجري اعتقال أعداد كبيرة من النازحين وإخضاعهم للتعذيب للحصول على أي معلومات حول المقاومة".
أغار الاحتلال على مخيم المغازي في 25 ديسمبر، ووصل عدد الشهداء حتى صباح أمس الثلاثاء، إلى 80 شهيداً، وتواصل طواقم الدفاع المدني محاولات الوصول إلى مزيد من الضحايا وانتشال الجثامين من تحت الأنقاض. نجا أحمد جودة (34 سنة)، من المجزرة، وأصيب عدد من أفراد عائلته، وقد سار حافياً حتى وصل إلى شارع صلاح الدين، ثم انتظر وصول أفراد عائلته في أحد المحال التجارية الفارغة.
يقول جودة لـ"العربي الجديد": "المنطقة الشرقية لمخيم المغازي باتت فارغة، كان بيتي في المخيم يضم أكثر من 100 فرد، غالبيتهم من أقاربي النازحين من مدينة غزة، و10 منهم مصابون، وأحدهم إصابته خطيرة. لا يريد الاحتلال أن تستقبل المخيمات النازحين، فخطته هي تهجيرهم من القطاع. ابني عمره 5 سنوات، وعندما وجدني حافياً سألني عن السبب، فكدت أبكي عندما نظرت إلى شكلي أمام طفلي، في حين يفترض أنني الشخص القوي الذي يعتمد هو عليه".
وكانت الأوضاع الإنسانية داخل مخيمي البريج والمغازي صعبة نتيجة العدوان الإسرائيلي، فالبنية التحتية متردية، والاكتظاظ كبير، ما يجعل استقبال المزيد من النازحين يحول الأزمات إلى كارثة، لكن 14 مدرسة تتبع لوكالة أونروا داخل المخيمين استقبلت النازحين، وشهد المخيمان عدداً من المجازر الإسرائيلية خلال أيام العدوان.
وعانى سكان المخيمين من نقص كبير في المواد الغذائية خلال الأسابيع الأولى من الشهر الحالي، وساهمت وكالة أونروا بإدخال بعض المساعدات التي وصلت لاحقاً إلى المناطق الوسطى في القطاع، لكن كثيرين لم يحصلوا على أي من تلك المساعدات التي وصلت قبل أيام قليلة من قصف الاحتلال الأخير. بعد وصول آلاف النازحين إلى مخيم النصيرات ومخيم دير البلح، ألقت طائرات الاحتلال مناشير جديدة، صباح الثلاثاء، تحذر من البقاء فيهما، وتطالب بمغادرة أحياء البدر والروضة والنزهة في دير البلح، والساحل الشمالي لمدينة الزهراء، ومناطق أخرى من جنوب وادي غزة، وعشرات البلوكات في مخيم البريج، ومناطق جنوب غربي مخيم النصيرات، حيث اعتبر الاحتلال أن المناطق المذكورة هي "مناطق قتال خطيرة"، وأن عليهم الإخلاء الفوري إلى مدينة دير البلح، أو حي تل السلطان عبر شارع البحر.
نزح عبد المعين أبو العنين من منزله في حي تل الهوى في مدينة غزة إلى مخيم النصيرات، ثم إلى مخيم دير البلح، حيث استقبل سكان أحد المنازل زوجته وبناته، في حين يبيت الرجال في الشارع. استشهد شقيق أبو العنين وزوجته وأبناؤه الثلاثة في قصف على حي النصر، غربي مدينة غزة، خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وقد نزح إلى عدة منازل في المخيمين.
يقول أبو العنين لـ"العربي الجديد": "الاحتلال يستخدم سياسة قتل المدنيين حتى يخلي مناطق قطاع غزة ويسهل احتلال المناطق. استقبلني سكان مخيم البريج، وأنا من بين النازحين الذين تكرر نزوحهم عدة مرات، والعديد من النازحين الذين كانوا معنا لا نعرف مصيرهم، ونعتقد أن بعضهم استشهدوا ولا تزال جثامينهم تحت الركام في مدرسة الأونروا بمخيم البريج، والتي غادرها عدد كبير من النازحين، فعلم الأمم المتحدة بلا قيمة عند الاحتلال ولا يمكنه أن يحمي قطة".