يعيش أكثر من 300 ألف لاجئ سوري اليوم في مخيماتٍ عشوائية مكتظة، الأمر الذي يجعلهم عرضة لتفشّي الأمراض المنقولة عبر المياه بشكل كبير. وفي حال عدم التدخّل العاجل لتوفير الكهرباء من أجل تشغيل مضخّات المياه وغيرها من المعدات الأساسية، ستتواصل معاناة اللبنانيّين واللاجئين على حد سواء، لناحية محدودية إمدادات المياه، ناهيك عن نوعيتها الرديئة، ما يهدّد صحة الجميع لا سيّما الأطفال.
الواقع السيئ للمياه على مستوى اللاجئين السوريّين والمجتمع المضيف، تكشفه أرقام وإحصاءات كلّ من منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبعثة الهلال الأحمر القطري في لبنان؛ فما يقارب 37 ألف لاجئ في أكثر من 5500 مخيم عشوائي في لبنان لا يحصلون على خدمات المياه والصرف الصحي. كما أنّ 13 في المائة من اللاجئين محرومون من مياهٍ مأمونة و19 في المائة منهم يعتمدون على شبكات المياه العامّة بغض النظر عن جودتها. وتزداد المأساة لدى الحديث عن واقع المياه في مخيّمات اللاجئين شمال البلاد، حيث المياه ملوّثة بغالبيّتها.
في هذا السياق، تقول ممثلة "يونيسف" بالإنابة في لبنان إيتي هيغينز لـ "العربي الجديد" أنّ "أكثر من 300 ألف لاجئ سوري يعيش اليوم في مخيماتٍ عشوائية مكتظة دون المستوى، ما يهدّد بتعرّضهم بشكلٍ كبيرٍ لتفشّي الأمراض المنقولة عبر المياه. لذلك، فإنّ أولوية يونيسف هي تأمين خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الشخصية في المخيمات، استجابة للحاجات المستمرة وكثافة أعداد اللاجئين وسط غياب الخدمات العامّة. كما تهدف إلى تعزيز دور النساء والفتيات في هذا المجال، لا سيّما أنّ نقص المياه ينعكس على نظافتهنّ الشخصية أثناء الدورة الشهرية". وتقول: "عام 2021، تمكّنت يونيسف من ضمان خدمات المياه والصرف الصحي لأكثر من 268 ألف لاجئ سوري بينهم 155 ألف طفل، من أصل 305 آلاف لاجئ يعيشون في أكثر من 5500 مخيم عشوائي، إذ توفّر المنظمة يوميّاً 35 ليتراً للفرد". تضيف: "في أعقاب الأزمة الاقتصادية وجائحة كوفيدـ19 وانعكاسهما الخطير على إمدادات المياه الأساسية في شتّى أنحاء البلاد، بادرت يونيسف إلى دعم مؤسّسات المياه، بهدف الحفاظ على الحد الأدنى من خدمات المياه لكلّ من اللبنانيّين واللاجئين السوريّين". وتوضح: "ساهمنا في إصلاح الأعطال الطارئة وصيانة محطّات الضخ والمعدات الأخرى. كما قمنا بدعم الشركاء ووزارة الطاقة والمياه، ونفّذت يونيسف مشاريع عديدة لدعم البنى التحتية للمياه وضمان الحفاظ على زيادة كمية المياه الصالحة، لما لا يقلّ عن 236 ألف فرد، وخدمات الصرف الصحي لأكثر من 260 ألف فرد (معظمهم من اللبنانيّين)".
وتنبّه هيغينز إلى أنّه "في حال عدم التدخّل العاجل لتوفير الكهرباء من أجل تشغيل مضخّات المياه وغيرها من المعدات الأساسية، ستتواصل معاناة المقيمين في لبنان لناحية محدودية إمدادات المياه ونوعيتها الرديئة، ما يهدّد صحة الجميع من دون استثناء، لا سيّما الأطفال".
تأمين مياه نظيفة
من جهته، يوضح مدير البرامج في بعثة الهلال الأحمر القطري في لبنان إسلام كحيل لـ "العربي الجديد"، أنّهم معنيّون بتأمين "المياه الصالحة للشرب لنحو 90 مخيّماً في بلدة عرسال الحدودية مع سورية، و50 مخيّماً في بلدة سعدنايل (البقاع الأوسط)، عبر محطّتي تكرير المياه التابعة للهلال". ويقول: "تغطيتنا لمياه الشرب في عرسال تعادل 80 في المائة تقريباً، وستشمل كلّ مخيّمات اللاجئين خلال شهر إبريل/ نيسان الجاري. كما أنّنا نلتزم بحصة فرد تعادل 3 ليترات يوميّاً من المياه الصالحة للشرب، كما تنصّ معايير إسفير (Sphere) للاستجابة الإنسانية، ووفق سعة الخزانات وعدد أفراد المخيم وحجم الاستهلاك التقريبي، في حين تتولّى منظمات أخرى عبر شركاء تنفيذيّين تأمين مياه الخدمات، غير أنّ هذه المياه كلسيّة بنسبةٍ عالية. وفي حال استخدامها للشرب، فهي تتسبّب بأمراض ومشاكل كلى وبحص ورمل".
ويرى أنّ "واقع المياه في مخيّمات البقاع أفضل نوعاً ما من شمال البلاد"، قائلاً: "يعاني اللاجئون في طرابلس وعكار من مشكلة في مياه الخدمات وتلك الصالحة للشرب، فالمياه ملوّثة بمعظمها الأمر الذي يؤدّي إلى انتشار الأمراض على المدى البعيد". يتابع: "نحن في صدد افتتاح محطة لتكرير المياه في عكار في الفترة المقبلة، غير أنّ الحاجات كبيرة وتستلزم تدخّلات على مستوى دول ومنظمات. ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية، بات الواقع سيّئاً إجمالاً على مستوى المجتمع المضيف واللاجئ. لذلك، نحرص على التنسيق مع البلديات والصليب الأحمر اللبناني ومختلف الشركاء، بهدف توسيع محطاتنا ودعمها، بما يضمن استدامتها واستهدافها للمجتمع المضيف".
ويستند إسلام إلى تقريرٍ حديثٍ لمفوضية الأمم المتحدة، كاشفاً أنّ "13 في المائة من اللاجئين لا يملكون قدرة الوصول إلى أيّ مصدر مياه صالح للشرب، 19 في المائة يعتمدون على شبكات المياه العامّة بغض النظر عن جودتها، و32 في المائة يعتمدون على المياه المعدنية، و62 في المائة يعتمدون إمّا على ينابيع أو شبكات عامّة". ويلفت إلى أنّ "المخيمات العشوائية والتجمّعات السكنية مهملة وغير مشمولة في كثير من خدمات المنظمات".
حفر آبار
وفي السياق، يكشف اللاجئ أحمد عبد الله الطالب أنّ "مياه الشرب التي توفّرها مفوضية الأمم المتحدة في مخيم الطالب في بلدة عرسال غير كافية وتتسبّب برملٍ في الكلى وأمراض لدى الأطفال، كونها كلسيّة بشكلٍ كبير". ويوضح لـ "العربي الجديد" أنّ "المخيم يؤوي نحو 60 شخصاً، بينهم أطفال وأشخاص معوّقون، وهناك خيم تضمّ عائلتين وربما ثلاث عائلات، والحاجات كبيرة للمياه والتدفئة والبطانيات والفرش، لا سيّما أنّ المخيمات الصغيرة لا تحصل إلا على مساعداتٍ قليلة، ناهيك عن أنّ الحفر (الجور) الصحية مكشوفة بالكامل".
بدوره، يشير علي الرفاعي إلى أنّ "اللاجئين في مخيم المصطفى في عرسال بمعظمهم يشترون المياه للشرب والطبخ، إذ إنّ المياه المفلترة التي يوزّعها الهلال الأحمر القطري في عرسال لا تشمل كلّ المخيمات"، لافتاً إلى أنّ "عدداً من اللاجئين يعمد إلى حفر الآبار، وهي بأكثريتها ملوّثة يُضاف إليها الكلور بمعدّلات عالية، لكنّها بالكاد صالحة للغسيل وتؤدّي بالتالي إلى الإصابة بأمراضٍ منقولة عبر المياه".
من جهته، يؤكد شاويش (مسؤول داخلي) مخيم "أنصار البنيان الجديد" في عرسال رضوان رعد، أنّهم لا يعانون أيّ مشكلة في ما يتعلّق بالمياه "كوننا نحصل على مياه مفلترة من الهلال الأحمر القطري، بمعدل 10 ليترات لكل خيمة (7 أشخاص في الخيمة تقريباً). كما أنّنا نحصل على مياه الخدمات من منظمة العمل ضد الجوع بمعدل 26.5 ليتراً لكل فرد. غير أنّ الوضع المعيشي صعب جداً؛ والأزمة تفاقم معاناة اللبناني قبل السوري".
وفي حين يتحدّث رئيس اللجنة الاجتماعية السورية في طرابلس (شمالي البلاد) محمد نحلاوي، عن وضعٍ جيّد ومقبول في أكثر من 200 مخيم في محافظتَي عكار وطرابلس، حيث تحصل هذه المخيمات على مياه شفة نظيفة، يقول، في المقابل، إنّ "اللاجئين في مخيمات أخرى لا تصلهم المياه، فيبادرون بمعظمهم إلى حفر آبارٍ غالبيتها كلسيّة بنسبة عالية وغير صالحة للشرب، لا سيّما أنّ نسبة قليلة منهم قادرة على شراء المياه".
ويشكو أيمن الصالح، أحد لاجئي عكار، من أنّ "المياه غير متوفرة" مشيراً إلى أنّه يضطر وعائلته للاعتماد على مياه الخزان للشرب والطهي. ويقول: "نملأ الخزان من مياه الأمطار، فلا قدرة لنا على شراء المياه المعبّأة التي باتت أسعارها مرتفعة جداً. غير أنّ البعض يلجأ إلى خزانٍ أرضي مجاور مليء بالحشائش والأعشاب والديدان الحمراء، أو حتّى لتعبئة المياه من ساقية الري التي تتداخل فيها مياه الصرف الصحي".