مخدرات السودان... حملات الشرطة في التوقيت الخاطئ

17 يونيو 2021
صادرت الشرطة أطناناً من مادة الحشيش (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -

أعاد مقتل أكثر من 12 شرطياً سودانياً، مؤخراً، إلى الواجهة قضية زرع القنب الهندي الذي يتم استخدامه في تصنيع المخدرات في أطراف نائية من ولاية جنوب دارفور (غرب) التي توفر سنوياً، حسب إحصاءات غير رسمية، محاصيل للمخدرات تغطي مساحة 34 ألف كيلومتر مربع من الأراضي. وأردي الشرطيون وبينهم ضابط برتبة ملازم منتصف مايو/ أيار الماضي، خلال مواجهات اندلعت إثر مكمن نصبه لدوريتهم أفراد ينتمون إلى عصابات متخصصة بزرع شتل إنتاج المخدرات وتهريبها بمنطقة الردوم بولاية جنوب دارفور. واستهدف أفراد العصابات سيارات تابعة لعناصر الإدارة العامة لمكافحة المخدرات خلال تنفيذ عناصرها حملة لمطاردتهم.
ومنطقة الردوم التي تبعد مسافة 460 كيلومتراً عن مدينة نيالا، مركز ولاية جنوب دارفور، إحدى المحميات الطبيعية أقصى غرب البلاد، وهي محاذية لدولتي أفريقيا الوسطى وجنوب السودان، وتتمتع بإمكانات زراعية وسياحية هائلة، وتنتج أراضيها محاصيل مثل حبوب الدخن والكركديه والسمسم والفول واللوبياء، إضافة إلى أنواع مختلفة من الفاكهة، كما تضم نحو 20 ألف رأس ماشية، ما يجعل تربية الحيوانات نشاطاً أساسياً لأهالي هذه المنطقة.
لكن هذه الإمكانات لم تمنع انتشار نشاط زرع شتل إنتاج المخدرات في السنوات الماضية، وتحديداً في فصل الخريف الذي يستمر 9 أشهر، وتُحصد في أكتوبر/ تشرين الأول، ونوفمبر/ تشرين الثاني. ويموّل غالباً تجار وعصابات تستغل شبان المنطقة في الأعمال الزراعية، عملية إنتاج المخدرات التي يوفرون لها أيضاً الأدوات الزراعية ومصادر التمويل والمؤن. ويجري توزيع معظم كميات المخدرات المنتجة داخل السودان، في حين تُصدّر بعضها إلى دول قريبة مثل جنوب السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى. كما تنتشر في المنطقة عملية بيع الأسلحة وشرائها لاستخدامها في صدّ الهجمات التي تشنها الشرطة على الأماكن الزراعية والعاملين فيها والموزعين.
وطوال سنوات دأبت الشرطة على تحريك عناصر من إدارة مكافحة المخدرات، مدعومة من جنود الجيش وعناصر في أجهزة أمنية أخرى وقوات الدعم السريع لـ "تنظيف" المنطقة، وإبادة وحرق المحاصيل المزروعة التي تصل في العام الواحد إلى 335 ألف طن من القنب الهندي.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وتتواصل عمليات الشرطة أكثر من شهرين وسط أدغال وأحراش منطقة الردوم التي تتميز بصعوبة تحرك البشر والسيارات والآليات العسكرية فيها، خاصة في فصل الخريف. وغالباً ما تدخل القوات الحكومية في مواجهات عسكرية مباشرة مع عناصر عصابات المخدرات، ما أسفر عن عشرات القتلى خلال السنوات الماضية. ورغم أن هذه العمليات حققت نجاحات نسبية، لكنها لم تقضِ حتى الآن على ظاهرة انتشار زراعة محاصيل المخدرات، في حين تؤكد الشرطة عزمها مواصلة مهماتها، حسب ما جاء على لسان المدير العام للشرطة الفريق أول خالد مهدي إبراهيم، بعد مقتل الشرطيين في جنوب دارفور. وتعهد بـ"تكثيف الحملات ضد عصابات وتجار ومروجي المخدرات والقضاء على أماكن زرعها وتخزينها، وضرب كل الأوكار".
يقول إلياس إسحق، أحد مواطني منطقة الردوم لـ "العربي الجديد": "تستغل العصابات الفراغات الأمنية في منطقة الردوم، وتوافر العوامل الطبيعية والمناخية لزرع المخدرات، ثم تهريبها إلى باقي أنحاء السودان أو دول مجاورة، مستغلين وعورة الطرق والطقس السيئ في الخريف الذي لا يسمح بوصول أجهزة الأمن إلى المنطقة، علماً أن مافيا المخدرات تستخدم الدواب في إنجاز عمليات الزرع، قبل أن تهربها إلى الخارج".

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

وأشار إسحق إلى أن "الحملة السنوية لشرطة مكافحة المخدرات تُنفَّذ للأسف بعد انتهاء فصل الخريف وتهريب غالب المحصول، فلا يعثر رجالها إلا على عدد قليل من المزارع التي يحرقونها، علماً أن العصابات تملك سلاحاً يوازي ذلك الموجود في حوزة الشرطة، كما أن لديها جواسيس يجمعون لها معلومات عن تحركات الجهات الأمنية".
واقترح إسحق طريقة يراها ذات جدوى كبيرة في مطاردة العصابات والحد من زراعة المخدرات، وتتمثل في إغلاق الحدود بطريقة محكمة بين السودان ودولتي أفريقيا الوسطى وجنوب السودان خلال أشهر التصدير. كما طالب بالاهتمام بتحسين البنية التحتية والخدمات في المنطقة، ما يساعد بطريقة أو بأخرى في الحدّ من ظاهرة زرع المخدرات".      
من جهته، يعزو الصحافي السوداني آدم مهدي المقيم بولاية جنوب دارفور اتساع ظاهرة زرع القنب الهندي بمنطقة الردوم إلى جملة أسباب، منها خصوبة التربة وكثرة الأمطار وطول المساحات الزراعية، وعدم انتشار المؤسسات الحكومية والأمنية في المنطقة التي "تفتقر إلى أبسط الخدمات من مؤسسات صحية وتعليمية وطرق معبدة واتصالات".
ويقول مهدى لـ "العربي الجديد": "الحملات السنوية التي تنفذها الشرطة لم تعد مجديةً لأن عناصرها يحضرون بعد إنجاز العمليات الزراعية وانتهاء موسم الحصاد. وأنا أستغرب عدم تطبيق القانون الذي يمنع زرع المخدرات أو تعاطيها أو الاتجار بها، خاصة أن ما يزرع في أراضي منطقة الردوم يُنتج بين 80 و90 في المائة من المخدرات التي تستخدم سنوياً في السودان".

دورية للشرطة في جنوب دارفور (جيم واتسون/ فرانس برس)
دورية للشرطة في جنوب دارفور (جيم واتسون/ فرانس برس)

ويتابع: "تكتفي السلطات المركزية وتلك المحلية التابعة للولايات بهذه الحملة، وتتجاهل توعية المواطنين، وضرورة تقديم مشاريع بديلة لهم لمنع تحوّل ظاهرة المخدرات إلى ثقافة محلية، لذا يتمثل الحل النهائي في خلق بدائل وتطوير الزراعة المحلية كي تصبع أكثر نفعاً للسكان، وربط المنطقة بشبكة طرق، وتكثيف وجود الشرطة والأمن".

أما الشرطي عمر عثمان فيلمّح إلى ضعف الإمكانات التي تملكها شرطة مكافحة المخدرات لتنفيذ حملاتها في مناطق الزرع، مشيراً إلى الحاجة الماسة إلى زيادة عدد الطائرات المسيّرة لمراقبة المنطقة في شكل دائم. واعتبر عثمان في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "قضية المخدرات لم تعد مجرد قضية داخلية، بل عالمية تحتم تعاون السودان مع المنظمات الإقليمية والدولية والدول والحكومات. وإذا كانت العزلة الدولية التي استمرت 30 سنة خلال سنوات حكم النظام السابق حرمت السودان من التعاون الدولي، فبعد رحيل النظام وانفتاح البلاد على العالم، يجب إعادة النقاش والتفاوض مع المنظمات الدولية والأمم المتحدة من أجل مدّ السودان بالوسائل المتطورة المستخدمة في مكافحة المخدرات. ونشدد على إضافة توفير حلول غير أمنية في منطقة الردوم، بينها مشاريع بديلة للمزارعين، والاهتمام بتنمية المنطقة اقتصادياً".  

المساهمون