محمد غسان نويرة: تونسي يستخرج الأرجوان الملكي من الصدف

27 يناير 2022
يقوم بتجارب جديدة (العربي الجديد)
+ الخط -

محمد غسان نويرة، أحد المغرمين بالتاريخ القديم، وقد اهتم بالصدف، وخصوصاً تلك التي يستخرج منها الأرجوان الملكي (صباغ أحمر أرجواني)، الذي يعد من أقدم الصبغات في التاريخ وقد اكتشفها الكنعانيون منذ نحو أربعة آلاف سنة، واشتهرت بها المدن الفينيقية على الساحل اللبناني، لتتطور هذه الصناعة في منطقة البحر الأبيض المتوسط. لاحقاً، ورثت قرطاج التونسية هذه الصناعة وعملت على تطويرها على امتداد الساحل وضفتي البحر الأبيض المتوسط، بحسب نويرة. ويشير إلى أنه لا يستخدم صباغ الأرجوان الملكي غير الملوك وأصحاب النفوذ والمال، إذ كان رمزاً للثراء. ويتجاوز سعر الصباغ المركز منه أكثر بـ15 مرة من قيمة الذهب. لذلك، كانت الصبغات تدرّ أرباحاً كثيرة على المدن الفينيقية كما القرطاجية لاحقاً عند سواحل البحر الأبيض المتوسط. 
أحب نويرة استخراج الصباغ الأرجواني من صدف البحر منذ عام 1994. في ذلك الوقت، لم يكن يتجاوز الرابعة عشرة من العمر. في المدرسة، كان يدرس عن اقتصاد القرطاجيين والكنعانيين والمواد التي كانوا يستخرجونها ويبيعونها على سواحل البحر الأبيض المتوسط، فعرف أنهم اشتهروا بصناعة الأرجوان الملكي من صدف البحر الذي يسمى الموريكس. ويوجد ثلاثة أنواع منها لاستخراج الألوان، وكل نوع ينتج لوناً معيّناً.

محمد غسان نويرة (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

ويقول إنّ الأمر كان غريباً بالنسبة إليه. فكيف لشيء بتلك القيمة أن يستخرج من صدف البحر؟ وفي عام 2007، وجد صدفة موريكس مكسورة يخرج منها اللون الأرجواني على أحد الشواطئ. ومنذ ذلك الوقت، بدأ يستخرج الأرجوان الملكي الذي اندثرت صناعته منذ 600 سنة. يضيف: "هذا العمل شاق ويحتاج إلى الكثير من الوقت والصبر، خصوصاً أنّ النصوص التاريخية القديمة لا تقدم شرحاً عن كيفية استخراج الأرجوان الملكي. حاولت استكشاف الأمر بمفردي على الرغم من أن العملية معقدة. وبدأت أتعلم مراحل استخراج الألوان. استغرق الأمر نحو سنتين إلى أن تمكن من استخراج أول صبغة مركزة عام 2009، بالإضافة إلى استخراج ألوان مركبة من أنواع عدة من الصدف وخلطها، ثم صبغها على الصوف والحرير ومختلف أنواع المنسوجات". 

في غرفة صغيرة في فسحة المنزل، قد يستمر عمل نويرة أكثر من 24 ساعة. وتكون البداية بالحصول على كميات من الصدف، وخصوصاً في فصلي الصيف والربيع، ثم يغسلها وينظفها جيداً. ثم يكسر الجزء العلوي من الصدفة لاستخراج الغدة المسؤولة عن اللون. وكل غدة تُخرج نقطة أو نقطتين من سائل لا لون له في البداية. لكن بعد تعرّضه للشمس والهواء، يبدأ اللون في التكون من السائل الذي يتحول إلى الأخضر ثم الأصفر ثم الأزرق فالأرجواني. في ما بعد يقوم بتجفيف تلك الغدة بالملح وتخميرها مرة أخرى على مدى مراحل عدة  لتعود إلى اللون الذي يريده ليصبغ به. 

محمد غسان نويرة (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

ويقول: "أصعب مرحلة في استخراج الأرجوان الملكي هي استخراج الألوان المركزة من الغدة وتنظيفها من الشوائب ليبقى اللون المركز فقط لصباغة الحرير أو الصوف وغيرهما من المنسوجات. ويشير إلى أن صبغة الأرجوان الملكي تتأثر بشكل كبير بالهواء والشمس، ما يعني أنّ الخطأ في أيّ مرحلة من المراحل قد يفشل عمل أسبوع أو أسبوعين. لذلك، يتطلب العمل الكثير من الصبر لاستخراج لون يمكن تثبيته على القماش أو الصوف أو الحرير. 
وتعد الصبغة المركزة للأرجوان الملكي أغلى صبغة في العالم. ويمكن أن يصل سعر الغرام الواحد إلى 3000 دولار إذ يتطلب ما بين 80 إلى 90 كيلوغراماً من الأصداف لاستخراح غرام فقط من الصبغة. لذلك، تحتاج الصبغة المركزة الكثير من الوقت والجهد. 

محمد غسان نويرة (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

من جهة أخرى، يشير إلى أنّه في السابق، كان نويرة يستخرج من الصدف ألواناً للرسم،علماً أنّ صناعتها تتطلب خلطها بالكلس وغيره لاستخراج مادة لزجة ملونة لرسم اللوحات. وتحتفظ اليونان بلوحات استخدمت اللون الأرجواني ويعود عمرها إلى أكثر من  3700 سنة، ما يشير إلى أنّه يدوم. وهذا ما جعل ثمن الأرجوان الملكي باهظاً جداً في العالم القديم. 

في الوقت الحالي، يتلقى نويرة بعض العروض من الخارج لتجربة صباغة بعض أنواع الأقمشة بالأرجوان الملكي للاطلاع على شكل القطعة ومقارنتها بتلك التي تُصبغ بألوان أخرى عادية. كما يقوم بتجارب ليكتشف المواد التي يمكن صباغتها بتلك الألوان المركزة.

محمد غسان نويرة (العربي الجديد)
(العربي الجديد)
المساهمون