لم يُعرف بعد عدد المواليد الجدد الذين أبصروا النور في قطاع غزة، في خلال العدوان الإسرائيلي الأخير. لكنّ محمد الضيف واحد منهم وقد بلغ يومه الرابع.
في مدينة غزة، وتحديداً في إحدى المدارس التابعة لوكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) والتي تحوّلت إلى مركز إيواء للنازحين على خلفية العدوان الأخير على القطاع المحاصر، فرح هؤلاء أخيراً بولادة محمد الضيف. أتى ذلك في أوضاع حرجة وصعبة، لا سيّما أنّ والدته عانت قبل عملية الوضع بأيام وسط القصف المكثّف. وقد أطلقت عائلة الصفدي على مولودها الجديد اسم محمد الضيف، تيمّناً بالقائد العام لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة "حماس". والأخير صار يُعَدّ رمزاً للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، إلى جانب الشعبية التي اكتسبها على خلفية عدم الكشف عن وجهه. وقد برز دوره في إدارة كتائب القسام والمقاومة الفلسطينية في هذا العدوان، من خلال الدفاع عن حيّ الشيخ جرّاح في مدينة القدس المحتلة وفرض حظر تجوّل في مدن إسرائيلية، في حين لا يعلم الاحتلال مكان وجوده.
وفجر يوم الخميس في العشرين من مايو/ أيار الجاري، في غرفة صفّ في مدرسة ذكور الرمال الإعدادية "أ" الواقعة في شارع الشفاء في حيّ النصر بمدينة غزة، علت زغاريد النساء، إذ رُزق أدهم الصفدي وزوجته أنسام الصفدي بمولود جديد، وقرّروا تسميته محمد الضيف، لينضمّ إلى إخوته الثلاثة الآخرين هيام (ثمانية أعوام) ورهف (ستة أعوام) ورمضان (أربعة أعوام).
تجدر الإشارة إلى أنّ 60 مدرسة تابعة لوكالة أونروا في قطاع غزة استقبلت نحو 60 ألف نازح من مناطق مختلفة في القطاع، في خلال العدوان الإسرائيلي الذي استمر 11 يوماً، بحسب ما تفيد بيانات الوكالة الأممية في غزة. وأفراد عائلة الصفدي التي تقيم في منطقة الأميركية إلى شمال منطقة العطاطرة في شمال قطاع غزة، كانوا من هؤلاء النازحين. فالمنطقة التي يسكنون فيها تعرّضت منذ اليوم الأول من العدوان إلى قصف إسرائيلي، وفي اليوم الثاني اضطرت إلى النزوح نظراً إلى شدّة القصف مع إطلاق القنابل المضيئة الحارقة. يقول أدهم لـ"العربي الجديد": "كانت زوجتي أنسام، وهي زوجتي الثانية، تعاني آلاماً شديدة فشعرتُ بقلق شديد من وقوع مكروه لها، لا سيّما أنّنا نازحون. وهذا أحد الأسباب التي دفعتني إلى النزوج بسرعة وعدم المخاطرة بالبقاء في المنزل. أردت إنقاذ الجنين وكذلك إخوته". ويلفت أدهم إلى أنّ "زوجتي كانت خائفة من الولادة، وفي كلّ ليلة كانت تتألم وتشعر بأنّها سوف تلد. لكنّها كانت تخفي ذلك عنّي وعن والدتي وتكابر. لكنّها، مساء الأربعاء 19 مايو، راحت تصرخ ونحن في غرفتة العائلة في مركز الإيواء، وأخبرتني بأنّها غير قادرة على الحركة وأنّ الألم شديد وتشعر بالطلق. فاتصلت سريعاً بالإسعاف".
ولأنّ عائلة الصفدي لا تستفيد من أيّ تأمين صحي، تكفلت وكالة أونروا بعملية الوضع في مستشفى العودة في منطقة تلّ الزعتر شمالي غزة. وفي اليوم التالي، عادت أنسام مع صغيرها لتحمل البهجة إلى جميع اللاجئين في المدرسة، وصارت تستقبل المهنئين في غرفة الصف التي كانت قد خُصّصت للعائلة.
لا يخفي أدهم شعوره بالضيق لأنّ الصغير قضى أيامه الأولى في مركز إيواء بدلاً من منزل العائلة، لكنّه يؤكد أنّ ولادته مثّلت "بهجة بالنسبة إليّ، على الرغم ممّا نعيشه من آلام. وقد خفّف حضوره عن كثيرين في مركز الإيواء، فيما توافد الأطفال لرؤيته وفرحوا بذلك". يضيف أدهم أنّ "زوجتي كانت تشعر بألم في بطنها مع كل جولة قصف إسرائيلي، هذا ما قالته لي بعد الولادة. وفيما كان المقاومون والمرابطون في الميدان، كانت هي من جهتها تقاوم الآلام والظروف الصعبة حتى تحافظ على جنينها". ويتابع "أطلقت عليه اسم محمد الضيف حتى يعلم حينما يكبر معاناة ولادته وكيف جاء إلى الدنيا، بالإضافة إلى تعلّم الدفاع عن حقه وعن الحق الفلسطيني وكذلك القدس".
وأدهم الذي يعمل سائقاً عمومياً، كان قد تحضّر لولادة صغيره قبل أيام من العدوان الإسرائيلي الأخير، فأحضر له الملابس الخاصة. لكنّ أنسام لم تحمل معها عند إخلاء المنزل إلا بعض الملابس الضرورية. وقد تركت العائلة معظم مقنياتها في المنزل، بعد أن أخلته سريعاً عقب انقطاع الكهرباء عن المنطقة واشتداد القصف وإطلاق القنابل المضيئة. من جهتها، كانت الجدة هيام الصفدي ترافق زوجة ابنها في أثناء الولادة. وقد حاولت إحضار بعض الحاجيات الضرورية للطفل، لكنّها لم تجد أياً من المحال المخصصة لبيع ملابس المواليد الجدد وقد فتحت أبوابها، كذلك الأمر بالنسبة إلى عدد من الصيدليات، نظراً إلى شدّة القصف الأسرائيلي. وتقول الجدة لـ"العربي الجديد" إنّ "حفيدي محمد الضيف لم يولد في ظروف أسوأ من غيره. فكثيرات هنّ النساء اللواتي أنجبنَ في خلال العدوان الرابع، وقبلهنّ كنّا في انتفاضة أولى ثمّ ثانية وكنّا نلد. هكذا هنّ الأمهات الفلسطينيات".
يُذكر أنّ عائلة الصفدي عادت إلى منزلها بعد يوم واحد من اتفاق وقف اطلاق النار بين فصائل المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، على الرغم من تعرّض منزلها إلى أضرار جزئية. بالنسبة إلى أدهم، من الأفضل العودة إلى المنزل والاستقرار فيه مع العائلة، وألا يعيش محمد الضيف في داخل مركز إيواء مدة أطول.