محكمة: بلجيكا ارتكبت جريمة ضد الإنسانية باختطاف أطفال في الكونغو

02 ديسمبر 2024
امرأة انتُزعت من والدتها في الكونغو تستعيد ذكريات في صورة، بلجيكا، ديسمبر 2024 (إكس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أصدرت محكمة الاستئناف في بروكسل حكماً يدين بلجيكا بارتكاب "جريمة ضد الإنسانية" خلال استعمارها للكونغو، بفصل الأطفال الخلاسيين عن أمهاتهم الكونغوليات، وأمرت بتعويض خمس نساء تعرضن لهذا الفصل القسري بمبلغ 50 ألف يورو لكل منهن.
- الوثائق أظهرت أن الأطفال كانوا يُنتزعون بالعنف أو التهديد، مما أدى إلى فقدان النساء لعلاقتهن بأمهاتهن وتراثهن الثقافي.
- في 2019، اعتذرت بلجيكا عن اختطاف آلاف الأطفال الخلاسيين واعترفت بدورها في سياسة الفصل العنصري.

قضت محكمة الاستئناف في بروكسل، اليوم الاثنين، بأنّ الدولة البلجيكية ارتكبت "جريمة ضدّ الإنسانية" في خلال استعمارها الكونغو في القرن الماضي، وذلك على خلفيّة مسؤوليتها عن عمليات اختطاف منهجي طاولت أطفالاً من أصول عرقية مختلفة، أوروبية وأفريقية، من خلال فصلهم عن أمّهاتهم في خلال حقبة استعمار بلجيكا الكونغو. وفي تعليق أوّل على قرار المحكمة، قالت المحامية ميشيل هيرش، متحدّثة باسم فريق الادّعاء، إنّه "نصر" وكذلك "حكم تاريخي".

وقد رفعت هذه الدعوى خمسُ نساء خلاسيّات فُصلنَ قسراً عن أمّهاتهنّ في الكونغو البلجيكية (تأسست في عام 1908 واستقلّت في عام 1960) قبل بلوغهنّ سنّ السابعة، وأودعنَ في ملاجئ كما كانت الحال بالنسبة إلى كلّ الأطفال الخلاسيّين المولودين لآباء بلجيكيين وأمّهات كونغوليات آنذاك. وقد أظهرت الوثائق التي حصل عليها فريق الادّعاء الخاص بهؤلاء النساء من الأرشيف الاستعماري وقدّمها أمام المحكمة أنّ الأطفال الخلاسيّين كانوا يُنتَزعون من أمّهاتهم ومن قراهم إمّا بالعنف وإمّا بالتهديد وإمّا بالخداع، علماً أنّ عائلاتهم لم تتخلَّ عنهم ولم تنبذهم وهم لم يكونوا أيتاماً ولا لقطاء.

والنساء المدّعيات، المولودات لآباء بلجيكيّين وأمهات كونغوليات، كنّا قد أبصرنَ النور في الكونغو ما بين عامَي 1945 و1950، أي أنّ أعمارهنّ اليوم تتراوح ما بين 74 عاماً و79 عاماً. وهؤلاء المعنيّات اللواتي وقعنَ ضحيّة سياسة الدولة البلجيكية العنصرية آنذاك هنّ سيمون نغالولا، ومونيك بيتو بينغي، وليا تافارس موجينغا، ونويل فيربيكن، وماي-جوزيه لوشي.

الصورة
نساء خلاسيات من الكونغو ربحن دعوى قضائية ضد بلجيكا - ديسمبر 2024 (إكس)
النساء الخلاسيات الخمس اللواتي قاضينَ الدولة البلجيكية التي استعمرت الكونغو - بلجيكا - ديسمبر 2024 (إكس)

ويأتى حكم اليوم بعدما كانت محكمة استئناف بروكسل قد أبطلت حكماً سابقاً يعود إلى عام 2021، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء البلجيكية (بلجا) وهيئة الإذاعة والتلفزيون البلجيكية (إر تيه بيه إف). وقد أكدت المحكمة من خلاله أنّ خطف الأطفال الخلاسيّين في الكونغو، بتنظيم من الدولة البلجيكية وبمساعدة من الكنيسة الكاثوليكية، يرقى إلى جريمة ضدّ الإنسانية. وبيّنت هيئة الإذاعة والتلفزيون البلجيكية أنّ عدد الأطفال الخلاسيّين الذين انتُزعوا قسراً من عائلاتهم، في خلال الحكم الاستعماري البلجيكي، يُقدَّر بنحو 20 ألف طفل.

ووجدت المحكمة أنّ اختطاف هؤلاء النساء عندما كنّا صغيرات أتى في سياق خطة متعمّدة ومنهجية وضعتها الدولة البلجيكية لإبعاد الأطفال المولودين لأمهات سود وآباء بيض عن أسرهم. وأفادت المحكمة، في بيان صحافي، أنّ "اختطافهنّ عمل غير إنساني واضطهادي ويمثّل جريمة ضدّ الإنسانية بموجب مبادئ القانون الدولي". وقد أمرت المحكمة الدولة البلجيكية بدفع تعويضات، قيمتها 50 ألف يورو (نحو 52.5 ألف دولار أميركي)، لكلّ واحدة من هؤلاء النساء الخمس، وذلك عن الأضرار المعنوية التي لحقت بهنّ والتي تشمل فقدانهنّ العلاقة بأمّهاتهنّ وإلحاق الخلل بهوياتهنّ وقطع الروابط مع تراثهنّ الثقافي.

وفي عام 2019، أصدرت بلجيكا أوّل اعتذار رسمي لها عن اختطاف آلاف من الأطفال الخلاسيّين من الكونغو بين عامَي 1959 و1962، وأقرّت بدورها في سياسة الفصل العنصري التي وضعت هؤلاء الأطفال في مدارس ودور أيتام تديرها الكنيسة الكاثوليكية البلجيكية.

وكانت المدّعيات الخمس قد أفدنَ بأنّهنّ، حين كنّ أطفالاً في الكونغو البلجيكية، كان يُنظر إليهم على أنّهنّ "أطفال العار والخطيئة" كما جميع الأطفال الآخرين المولودين لآباء من أعراق مختلطة. وانطلاقاً من هذه النظرة، صدرت أوامر تقضي بانتزاع الأطفال المولودين لآباء بلجيكيّين وأمّهات كونغوليات من عائلاتهم ووضعهم في رعاية المؤسسات الدينية. وسرعان ما أُخفي أثر هؤلاء الصغار، فلم يعد من الممكن لعائلاتهم أن تعثر عليهم، ولا سيّما أنّ أسماءهم تبدّلت ونُقلوا إلى أجزاء أخرى من البلاد. وعندما حصلت الكونغو على الاستقلال، أُغلقت المؤسسات الدينية التي كان يعيش فيها هؤلاء الأطفال المنتزعون من عائلاتهم. وقد أُرسل عدد منهم إلى بلجيكا ليُصار إلى تبنّيهم، فيما تُرك آخرون لمصيرهم.

(العربي الجديد، رويترز، أسوشييتد برس)