تركيا ورثت حضارات عدة، تركت لها ثروة كبيرة من الآثار، وبينما تتفاخر البلاد بما تركه الرومان والبيزنطيون ومن كان قبلهم، يغلب الاهتمام بإرث العثمانيين.
في هذا الإطار تعتبر الباحثة، هيلال بوردي، أنّ مجمع المتاحف في مدينة إسطنبول، يختصر المراحل، فهو أول متحف افتتح في عهد الدولة العثمانية، ويضم أكثر من مليون قطعة أثرية من مختلف المناطق والحقب التاريخية. تقول إنّ مجمع المتاحف، الذي أقيم على تلة حمدي بك في إسطنبول، يتألف عملياً من ثلاثة متاحف، هي: متحف الآثار الشرقي القديم، والقصر الخزفي، ومتحف الآثار، وهي تشكل معاً مجمعاً ضخماً، أضيف إليه في زمن مشير المدفعية، أحمد فتحي باشا، ما يعرف باسم متحف الدولة الذي يضمّ الأسلحة العتيقة إلى جانب الآثار.
تروي بوردي أنّ كثرة القطع المعثور عليها وزيادة الآثار في المجمع، هي سبب التوسعة، خصوصاً باتجاه القصر الخزفي المفتوح كجزء من المتحف منذ عام 1880، وهو من أقدم قصور إسطنبول، ويعود إلى العهد السلجوقي في منتصف القرن الخامس عشر، وكان يعرف باسم قصر الصيد، ومن مرتاديه قديماً السلطان محمد الفاتح. تشير إلى أنّ اسم تلة حمدي بك، التي يقع عليها المتحف يعود على الأرجح إلى عثمان حمدي بك، وهو أول مدير للمتحف الخزفي عام 1881، ويعود له الفضل بالتنقيب وجمع كثير من موجوداته الباقية حتى اليوم، فهو من بحث بجبل النمرود، وخرائب ميسيا، ومعبد هيكاتي، ونقل تلك الآثار، بما فيها تابوت ملك صيدا، إلى إسطنبول. وبسبب عمل عثمان حمدي بك وجمعه الآثار، ضاق القصر الخزفي، ما استدعى توسعة المتحف وإنشاء مبنى إسطنبول للآثار الحالي الذي صممه المعماري الفرنسي ألكسندر فالوري عام 1889، وجرى افتتاحه رسمياً عام 1891. وكان متحف الآثار بإسطنبول قد أغلق أبوابه لثماني سنوات، منذ عام 2011 ليعاد افتتاح جزء منه عام 2019، ثم في يونيو/ حزيران الماضي، بعد تجربة فريدة بالترميم جرت أمام الزائرين، وما زالت مستمرة بمرحلتها الثالثة، علماً أنّ المجمع استقبل، خلال الترميم نحو 400 ألف زائر.
مدير المتحف، رحمي عسال، يقول إنّ "عمليات الترميم مستمرة، ومنها ترميم لحد الملك الفارسي ساتراب الذي يعود للقرن الخامس عشر، ونقوش ساتراب". وتأذى لحد ساتراب منذ اكتشافه في تركيا عام 1900، إذ بحسب مصادر تركية، جرى في البداية العمل على ترميمه باستخدام مواد معدنية أضرت به وأدت إلى تقطيع أجزاء من حجارته. ويضم المجمع أيضاً حفريات معروفة باسم مقبرة النساء الباكيات.
من جهته، يفرّق الباحث، شوكت أقصوي بين مجمع المتاحف بإسطنبول وبين مجمع المتاحف بولاية أضنة الذي افتتح عام 2017 وحمل الاسم نفسه، ليكون ربما من أكبر المتاحف بالشرق الأوسط يمتد على مساحة 12.600 متر مربع، ويقع مكان مصنع نسيج قديم "ملّي منسوجات" عمره أكثر من قرن، وسمي متحف أضنة بـ"مجمع" لأنّه بحسب أقصوي، يضمّ متحفاً زراعياً وآخر صناعياً ومتحفاً إثنوغرافيا ومتحفاً للأطفال وآخر للفسيفساء. ويشير إلى أنّ مجمع متاحف أضنة، لا يقل شهرة لجهة مقتنياته، عن مجمع إسطنبول، ففيه قطع أثرية تعود إلى 18 ألف سنة قبل الميلاد، فضلاً عن تماثيل ومجوهرات وأختام ملكية ومصنوعات خزفية، وبعد اكتمال المجمع بأضنة، سيكون أكبر مجمع للمتاحف في تركيا وربما في المنطقة، نظراً للمساحة الهائلة المرشحة للتوسع، وما يحويه من آثار لها علاقة بتاريخ تركيا الاقتصادي المعاصر، بالإضافة إلى تماثيل وقطع من حضارات ممتدة من الحثيّين حتى اليونانيين، وصولاً إلى يومنا هذا.
يعود أقصوي ليذكر أنّ في إسطنبول عشرات المتاحف المسجلة، ذات الأبواب المفتوحة للزائرين، كما مئات القصور والمباني ودور العبادة القديمة، من أهمها متحف توب كابي الذي كان مقراً لحكم البلاد في زمن السلطنة العثمانية، قبل أن يتحول القصر إلى متحف نادر بحسب المختصين، نظراً لمساحته وتصميمه الفريد ومبانيه المتعددة المرصعة بالرخام والحجر والأرابيسك (الزخرفة) الخشبي. ويأتي متحف آيا صوفيا ضمن أهم متاحف إسطنبول، نظراً لطرازه المعماري النادر، كالقبة الضخمة والنقوش والأيقونات المسيحية. ولا يمكن إغفال قصر دولمة بهشة، الذي يتميّز بتصميم أنيق ينطق بالفخامة، ويضم عدداً كبيراً من القاعات والغرف التي نقشت على جدرانها زخارف عثمانية. وهناك أيضاً متحف بانوراما، والمتحف الإسلامي، وقلعة روملي حصار، ومتحف إسطنبول للفن الحديث، ومتحف الطيران، ومتحف إسطنبول البحري، ومتحف أتاتورك، ومتحف الألعاب، ومتحف الثلج، ومتحف الشمع، وصولاً إلى متحف الشوكولاته.