- **معاناة النازحين بعد المجزرة**: غادر بعض النازحين المدرسة بعد المجزرة، بينما بقي البعض في الشوارع أو خيام مؤقتة. رغم إبلاغهم الصليب الأحمر ومنظمات إنسانية بوجودهم كمدنيين، استمر الاحتلال في استهدافهم.
- **تدمير بلدة عبسان**: تعرضت بلدة عبسان لتدمير إسرائيلي متعمد، حيث قُصفت المنازل وجُرفت الأراضي الزراعية. جيش الاحتلال يستهدف المدارس لإجبار النازحين على المغادرة، مدعياً أنها مراكز عسكرية.
غادر عدد من النازحين مدرسة عبسان عقب المجزرة إلى منطقة المواصي
غالبية شهداء مجزرة عبسان من الأطفال
بات العديد من النازحين يتجنبون البقاء في المدارس
بينما كان عدد من النازحين يلعبون كرة القدم في ساحة مدرسة العودة الحكومية المعروفة محلياً باسم "مدرسة المتنبي" في بلدة عبسان الكبيرة بالمنطقة الشرقية من مدينة خانيونس، ويتجمع عدد من أفراد عائلاتهم النازحة، من بينهم أطفال ونساء، لتشجيع أبنائهم، قصف الاحتلال الإسرائيلي مدخل المدرسة المزدحم بالنازحين.
وقع القصف قرابة الساعة السادسة والنصف مساء بينما كان غالبية النازحين خارج الفصول الدراسية التي تحولت لملاجئ بسبب الحر الشديد، وغالبية النازحين في المدرسة من سكان المنطقة الشرقية الذين دمرت منازلهم، إضافة إلى نازحين من مناطق قريبة يهددها الاحتلال، لتنضم مدرسة الإيواء إلى المدارس التي استهدفها الاحتلال خلال أشهر العدوان.
وصل عدد شهداء المجزرة الإسرائيلية إلى 30 شهيداً، كما أسفرت عن أكثر من 75 جريحاً، معظمهم من الأطفال والنساء، ومعظم الضحايا من عائلة أبو دقة، وهي من العائلات المعروفة في المنطقة الشرقية من مدينة خانيونس، وغالبيتهم خسروا منازلهم وأراضيهم الزراعية وحيواناتهم في الاجتياح والقصف الإسرائيلي المتكرر.
فضل أفراد العائلة البقاء رفقة عدد من العائلات في المدرسة التي كانت ملاذهم الأخير، وتعاون أفرادها في إنشاء خيام بسيطة تجمعهم نظراً لعدم توفر الخيام، وانعدام الأمان في كثير من المناطق بعد تكرار نزوحهم قبل عودتهم إلى المنطقة الشرقية.
فقد محمد أبو دقة عدداً من أبناء عمومته من الأطفال والنساء، ويؤكد أن طائرات الاستطلاع الإسرائيلية كانت تحوم فوق رؤوسهم بشكل متواصل، وقد أبلغ عدد من أفراد عائلته الصليب الأحمر ومنظمات إنسانية أخرى جيش الاحتلال أن المتواجدين في المدرسة مدنيون، ولا يملكون أماكن بديلة للنزوح حتى لا يتم استهدافهم.
نزوح عقب المجزرة إلى منطقة المواصي
يقول أبو دقة لـ"العربي الجديد": "كانت طائرات الاستطلاع الإسرائيلية تراقب المدرسة بشكل متواصل، وتتابع قيامنا بالأنشطة الترفيهية لمحاولة تناسي الهموم والحر الشديد، لكن القصف حول المكان إلى مقبرة، وخلف العديد من الأطفال مقطعي الأوصال بالقرب من بوابة المدرسة، وحالياً نعيش في رعب متواصل، فالبلدة تبعد عن السلك الفاصل مع الاحتلال قرابة أربعة كيلو مترات فقط، وقرار التواجد بالمدرسة كان محاولة لتفادي أية مخاطر".
يضيف: "نحن عائلة كبيرة تضم مزارعين وعمالا وطلاب جامعات، وعددا كبيرا من الأطفال والنساء، وقد قتل الاحتلال العديد من أفراد العائلة الذين كانوا يتمسكون بأمل البقاء في المدرسة القريبة من منطقتنا، وقد كانت مكاناً مفعماً بالحب والتكاتف الاجتماعي، وكنا نخبز ونعد الطعام فيها معاً. منازلنا مدمرة، لكننا نريد أن نواصل الحياة من أجل أطفالنا، بينما الاحتلال حريص على قتلنا، وبعض الشهداء كانوا ينتظرون الحصول على وجبة العشاء".
يتابع أبو دقة: "عندما تم تهديد المنطقة الشرقية قبل قرابة أسبوع من المجزرة، بحثنا عن أماكن للنزوح، وبعض العائلات نامت بالشوارع بضعة أيام، ثم لم يجدوا فائدة من التوجه إلى ما يسمى (المنطقة الإنسانية)، فعادوا إلى البلدة راضين بقدرهم، فالموت يطاردنا أينما نكون، ونحن الآن خارج المدرسة، ولا نعرف إلى أين نذهب".
وغادر عدد من النازحين المدرسة عقب المجزرة الإسرائيلية، واتجه بعضهم إلى منطقة المواصي، وآخرون واصلوا المشي حتى وصلوا إلى مناطق خيام شاركوا المتواجدين فيها الليلة الأولى بعد المجزرة، على أمل إيجاد مكان للإقامة لاحقاً، لأن بقاءهم في المنطقة الشرقية لا يوفر لهم الأمان. من بين هؤلاء محمد أبو طعيمة، والذي بات مع أسرته المكونة من عشرة أفراد في الشارع بالقرب من مخيم خانيونس للاجئين، بعد الإرهاق الشديد الذي تعرضوا له أثناء هربهم، ورحلة البحث عن مكان للنزوح.
ويتواجد الكثير من سكان المنطقة الشرقية لخانيونس داخل مدارس أخرى غير التي تعرضت للقصف، ويقول أبو طعيمة لـ"العربي الحديد": "عجزت عن تأمين خيمة أو مسكن مؤقت داخل إحدى المدارس التي تتبع وكالة (أونروا) أو المدارس الحكومية في المناطق التي يدعي الاحتلال أنها آمنة، والعديد من الناس سئموا من النزوح المتكرر، ومعظمهم فقدوا شهداء أثناء النزوح المتكرر إلى غرب مدينة خانيونس، وهو ما دفعهم لقرار البقاء في مناطقهم بعد أن أرهقهم تكرار التنقل، ونظراً لأنه لا فائدة من النزوح مجدداً، توجه عدد كبير منا لسؤال وكالة أونروا وغيرها من المؤسسات الإنسانية إن كان يتوفر لديها خيام، كبيرة أو صغيرة، وبعد إلحاح، تلقينا إجابات مفادها أنهم ينتظرون تحسن الأوضاع ودخول المساعدات، ولا يملكون فعل شيء حالياً".
يضيف: "بقاؤنا في المدرسة بالقرب من منازلنا المدمرة لم يشفع لنا. كنا نريد البقاء بالقرب من أراضينا ومنازلنا، لكن بعد المجزرة بات نساؤنا وأطفالنا يخشون البقاء، ويخافون من تكرار المجازر. جيش الاحتلال لن يتورع عن قتلنا في أي مكان، سواء كان مدرسة أو مسجدا أو ملجأ، وهم لا يهتمون بعلم أونروا أو الأمم المتحدة، والهروب وحده يمكن أن يحمينا".
وتعتبر بلدة عبسان من بين البلدات الكبرى بالمنطقة الشرقية من مدينة خانيونس، وتبلغ مساحتها نحو 19 ألف كيلومتر، ويعود تاريخ بنائها إلى أكثر من ألف عام، واستمدت اسمها من أول القبائل العربية التي سكنت المنطقة، وكانوا من بني عبس، وتؤكد بلدية عبسان أنها من بين أبرز البلدات المنتجة للمحاصيل الموسمية في قطاع غزة، وفيها أراضٍ زراعية كانت تمد أسواق القطاع بالكثير من الفواكه والخضروات والحبوب، وتعتمد الزراعة في البلدة على مياه الأمطار ومياه الآبار الجوفية.
وتعرضت القرية لتدمير إسرائيلي متعمد منذ بداية العدوان، وجرى قصف الكثير من منازلها، وارتكاب عدد من المجازر فيها، وتجريف مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية فيها، خصوصاً الحدودية منها، والتي تم ضمها إلى المنطقة العازلة. ويكرر جيش الاحتلال استهداف المدارس ضمن سياسة جديدة لإجبار النازحين على المغادرة، سواء من المتواجدين داخل ما يطلق عليه المناطق الأمنة أو في غيرها، وسط ادعاءات بأنها مراكز عسكرية تابعة للمقاومة الفلسطينية.
وخلال أقل من شهر واحد، ارتكب الاحتلال مجازر في مدارس عدة، من بينها مدرسة الجاعوني التابعة لوكالة "أونروا" في وسط مخيم النصيرات، ومدرسة أسماء التابعة للوكالة، والواقعة بين مخيم الشاطئ وحي النصر في مدينة غزة، ومجزرة أخرى في مدرسة عبد الفتاح حمود بوسط مدينة غزة، قبل المجزرة الأخيرة في مدرسة بلدة عبسان الكبيرة.
وبات العديد من النازحين يتجنبون البقاء في المدارس، ويحاولون الابتعاد عنها قدر الإمكان بعد تكرار المجازر، لكنهم يصدمون خلال محاولات البحث عن خيام أو أية أدوات تساعدهم على إنشاء خيام، فالخيام غير متوفرة، والأدوات التي تشمل النايلون وبعض الأخشاب صعبة المنال.
يجمع محمد قديح المستلزمات لصنع خيمة بعد أن قرر عدم الذهاب إلى أي مدرسة لأنه نجا بأعجوبة من المجزرة الأخيرة في مدرسة عبسان، وقد جمع عدداً من الأكياس البلاستيكية وقطعاً جلدية وبعض الأخشاب. يقول لـ"العربي الجديد": "لم يعد أمامنا سبيل للنزوح، فحين نهرب إلى أقصى الشمال يلاحقنا الاحتلال، وحين ننزح إلى الجنوب يلاحقنا، وفي كل مكان يراقبنا. هم لا يريدون للمدارس أن تستقبل النازحين من المنطقة الشرقية أو غيرها، ونحن شعب عاطفي يحب أن يعيش في جماعات، وأن نتشارك الأفراح والأحزان حتى نساند بعضنا، لكن عدونا لا يريد ذلك بالمطلق، ويريد مواصلة تشتيتنا".
يضيف: "استشهد شقيقي في مدرسة ذكور خانيونس أثناء عملية الاحتلال العسكرية على المدينة في فبراير/شباط الماضي، ورغم ذلك كنت مضطراً للنزوح إلى إحدى المدارس على أمل الشعور بقدر من الأمان، لكني أصبحت محبطاً، وأنتظر الموت في أي لحظة، وأحلم بالنجاة يومياً، فقد نجوت من عدة مجازر سابقة بمدينة خانيونس والمنطقة الشرقية قبل نجاتي من مجزرة مدرسة عبسان الأخيرة".