متقاعدو ليبيا... مهن وأنشطة لدعم المجتمع بخبرات متراكمة

24 ابريل 2021
بعض المتقاعدين الليبيين يعملون حتى الرمق الأخير (بنجامين لوي/Getty)
+ الخط -

 

يلجأ المتقاعدون الليبيون إلى مجموعة متنوعة من الأنشطة والهوايات لقضاء أوقات الفراغ التي لم يعرفوها سابقاً في سنوات حياتهم التي حفلت بالعمل الشاق لإعالة أسرهم.

يمارس عدد من المتقاعدين في ليبيا مهناً خفيفة، أو هوايات وأنشطة محببة بهدف استغلال أوقات الفراغ بطريقة إيجابية، ولأهداف أخرى تتعلق بالحفاظ على صحتهم الجسدية والنفسية العقلية، فالتقاعد ليس نهاية الحياة، كما يقول صلاح بن عمر، الذي رغم بلوغه 66 عاماً من العمر، إلا أنه ما زال يدير مكتباً خاصاً للخدمات العامة.

يوضح  بن عمر لـ"العربي الجديد"، أن "أجدادنا كانوا أوفر حظاً منا، فقد كان يسمح لهم بالعمل حتى يتغلب عليهم المرض والعجز، أما اليوم، فقد قيدتنا القوانين الوظيفية التي لا ترى فينا القدرة على العمل، ولذا فأنا أتحدى هذه القوانين بالاستمرار في عملي". يمضي بن عمر أكثر من ثلث نهاره في المكتب الذي يقدم خدمات بسيطة، منها تصوير المستندات، ونسخ الوثائق القديمة، إذ كان يعمل في السابق كاتباً أول في محكمة شمال طرابلس لمدة 34 سنة قبل إحالته إلى التقاعد.

من جهتها، تصف الباحثة الاجتماعية حسنية الشيخ شغل أوقات الفراغ بالمهن بأنه ظاهرة إيجابية تنعكس على نفسية المتقاعد، وتشعره باستمرار دوره في الحياة بدلاً من الإحباط الذي يتسبب في ظهور الأمراض، والشعور بنهاية الحياة، أو قرب الموت، وغيرها من المفاهيم السائدة لدى الناس حول التقاعد والمتقاعدين. وتضيف الشيخ، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الجهات الحكومية يقف اهتمامها بالمتقاعد عند إحالته إلى صندوق الضمان الاجتماعي لاستمرار تقاضي رواتبه الشهرية، لكن الحكومات تتبعها أجهزة ومراكز معنية بالدراسات، وكان من الواجب أن تبدي رأيها بشأن تحديد مهام ومسؤوليات المتقاعد، فهناك كثير من الخبرات في أغلب المجالات ضيعها التقاعد. وتتابع أن "قانون التقاعد يترك المتقاعد من دون أي مركز اجتماعي، ويغذيه السائد في الثقافة المجتمعية التي ترى في المتقاعد شخصاً لا حقوق له، ولا واجبات"، مشيرة إلى أن "كبار السن في الأرياف يعيشون ظروفاً نفسية أفضل ممن يعيشون في المدن بسبب عدم ارتباطهم بالوظيفة الحكومية".

لم يجد الهادي هروس ما يشغل به وقته سوى التردد إلى مكتب صديقه صلاح بن عمر ليلخص لمجموعة من الأصدقاء ما يقرأه من كتب، فالقراءة أفضل هواياته بعد التقاعد من عمله كمدير لمكتبة كلية الآداب في جامعة طرابلس. يقول لـ"العربي الجديد"، إنه يمارس رياضة المشي أيضاً للحفاظ على صحته، وأن عمله في المكتبة لسنوات طويلة جعله يهوى القراءة. "وجدت فيها فائدة لشغل فراغي حالياً، وأسرد ما أقرأ في كتب التاريخ لأصدقائي، وأحياناً أناقش معهم قضايا السياسة من واقع ما تنشره الصحف التي أتابعها بدقة".

وعلى عكس هروس، الذي وفرت له ظروف عمله هواية جعلته مرجع أصدقائه حول الثقافة والمستجدات، لا يحبذ عبد اللطيف الخليفي شغل باله بشؤون الواقع ومستجدات السياسة، فقرر أن يتطوع كمدير مالي لجمعية "خديجة الكبرى للأعمال الإغاثية"، لأنه لا يريد أن يفقد خبرته كمحاسب عمل لعدة عقود في وظائف حكومية. ويوضح "الحاج لطيّف"، كما يناديه رواد الجمعية، أن عمره لم يعد مناسباً لساعات العمل الطويلة يومياً، ولذا عرض على الجمعية أن يتطوع لضبط الحسابات حسب وقته. يقول: "أحياناً أداوم كل يوم، وأحياناً أنشغل في أمور أسرتي، فأتغيب ليومين أو ثلاثة، لكن العمل التطوعي أفادني، إذ احتفظت بخبرتي الطويلة في المجال، وأقدم ما يفيد الناس بالمجان".

ترى كوثر منصور في التقاعد جانباً آخر يوفر عليها الكثير من المصاريف، وتقول لـ"العربي الجديد"، إنها استغنت عن كلفة نقل أحفادها إلى المدرسة، إذ تقوم بنقلهم في سيارتها بسبب تفرغها، كما أنها أصبحت أكثر تفرغاً لبناتها، وتقرباً منهن، واعتنت بمنزلها بشكل أفضل، بخلاف أيام انشغالها بالعمل كمعلمة في إحدى المدارس الحكومية.

وبدلاً من ضياع الخبرات بسبب التقاعد، تقترح حسنية الشيخ تنشيط القطاع الخاص كبديل لثقافة الاعتماد على الوظيفة الحكومية، وهو ما يوافق عليه عبد اللطيف الخليفي، مؤكداً أن الجمعية التي يعمل بها أغلب من يديرونها من المتقاعدين، بينما ينشط الشباب في الأعمال الميدانية، مشيراً إلى أنه يجب تشجيع المتقاعدين على الانخراط في المجال الخيري، وخاصة أن أغلبهم لا يبحثون عن زيادة الدخل أو ادخار الأموال.

ويتحدث الهادي هروس عن نشاطات أخرى يشارك فيها، من بينها مجموعة أسسها ثلاثة أطباء متقاعدين على أحد مواقع التواصل الاجتماعي للتثقيف الصحي، ويذكر أن الأعضاء في تزايد مستمر، وأن المجموعة تناقش واقع كبار السن والمتقاعدين الصحي، وتدعم ممارسة الأعمال الخفيفة والهوايات.

المساهمون