متطوعات "الخوذ البيضاء"... صامدات في وجه الكارثة

02 مارس 2023
عملت المتطوعات بكل جهد لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض التي خلّفها الزلزال (عبد الرزاق ماضي)
+ الخط -

الكارثة التي حلّت بسورية من جراء الزلزال الأخير الذي وقع في السادس من فبراير/ شباط الماضي، كانت كبيرة. ورغم هول الدمار والخوف، تحدّت متطوعات "الخوذ البيضاء" الظروف الصعبة وسعين لإنقاذ الجرحى والعالقين تحت الأنقاض.

كانت صرخات العالقين تحت الأنقاض وقناعتها بإمكانية انتشالهم أحياء محفّزاً لاستمرار سلم محمود في عملها على الرغم من الساعات الطويلة والمرهقة في البرد وتحت المطر، مع باقي زملائها من متطوعي منظمة "الدفاع المدني السوري" (الخوذ البيضاء)، رغم الصدمة والكارثة الكبيرة التي شهدتها والأجساد التي سحقت تحت الأنقاض.

بعد وقوع الزلزال، بدأت سلم العمل على الفور من دون أن تخفي ذهولها من هول الدمار والكارثة. تقول لـ "العربي الجديد": "كنا نياما ولم نشعر إلا أن الأرض بدأت تهتز بنا. بداية، ظنناها هزة عادية أو صاروخا انفجر. لكن في لحظة، علمنا أنها زلزال. كانت الساعة 4.20 دقيقة. كنت أسأل نفسي: هل هدمت البيوت؟ هل يعقل أنها سقطت على النساء والأطفال؟ في الثامنة صباحاً، سمعت أن الكثير من النساء والأطفال تحت الأنقاض. لم أتوقع حجم الكارثة. على الفور، توجهت إلى قرية ملس. صدمت لأن الكارثة كبيرة ولم نتوقع رؤية النساء والأطفال تحت الأنقاض".

وتشير سلم إلى أنّ "المطر كان غزيراً إلا أنني أردت إخراج النساء والأطفال وإنقاذ من هم على قيد الحياة. كنت أحفر بيدي إذ إن إمكانياتنا كانت ضعيفة للغاية. عانينا كثيراً لإخراج الأطفال والنساء. أخرجنا امرأة على قيد الحياة مع طفلها، فيما توفي زوجها ووالدتها وجميع أفراد عائلتها. بقينا على هذا الحال حتى الساعة السادسة مساء. تعبنا وبردنا، ثم قيل لنا إن هناك امرأة تحت الأنقاض فبدأنا العمل على إنقاذها على الفور، واستمررنا حتى الساعة العاشرة مساء. للأسف كانت متوفاة".

وتتابع سلم أنّه بعد يوم طويل وشاق، "وصلت إلى بيتي عند الساعة الـ11 والنصف ليلاً. لم أتمكن من النوم ولا للحظة واحدة. كنت أنتظر قدوم الصباح لمحاولة إخراج أطفال عالقين من تحت الأنقاض. وفي ظل إمكانياتنا المحدودة في مقابل حجم الدمار، بدأنا نطالب بإدخال معدات لإخراج العالقين من تحت الأنقاض، وبذلنا كل ما لدينا من جهد لإنقاذ الناس".

وقفت المتطوعات جنباً إلى جنب مع زملائهنّ وتغلبن على مشاعر الضعف التي رأينها مع حجم الدمار الكبير وأعداد العالقين تحت الأنقاض، ومن بينهن إيمان الشيخ. تقول: "حين وقع الزلزال، شعرت بالخوف ولم أكن أعرف أن الكارثة بهذا الحجم. جهّزت نفسي واتجهت إلى أقرب مستشفى. عندما رأيت المصابين والضحايا، أدركت أن الدمار كبير والكارثة وقعت. وحين دخل المستشفى فريق من زملائي، سارعت على الفور لسؤالهم عن الوضع في الميدان، فأخبروني أنه صعب للغاية. هناك أشلاء وضحايا واستغاثات من تحت الأنقاض. شعرت بضرورة أن أكون في الميدان. سألت نفسي: كيف لي أن أرى جثة طفل تنتشل من تحت الأنقاض؟ هل سأتحمل هذا المشهد؟ عندما وصلت إلى الموقع في مدينة حارم، كان هناك مبان عدة متضررة وأخرى منهارة أو مهددة بالسقوط".

الصورة
وقفت المتطوعات جنباً إلى جنب مع زملائهنّ (عبد الرزاق ماضي)
وقفت المتطوعات جنباً إلى جنب مع زملائهنّ (عبد الرزاق ماضي)

تضيف الشيخ: "أصوات سيارات الإسعاف ملأت المكان، والجميع يناشد المعنيين للتدخل. صرت أعمل من دون وعي. كنا كدفاع مدني نعمل دون إدراك لحجم الكارثة التي نحن فيها. بدأت أساعدهم وأنتشل المستغيثين والضحايا من تحت الأنقاض. ومع الوقت، صرنا أكثر تنظيماً لناحية توزيع الفرق. كنا في حالة صدمة ورعب في ظل استمرار الهزات الارتدادية. عملنا على إخلاء الناس إلى أماكن أكثر أماناً من دون التوقف عن أعمال الإنقاذ".

كان الجو بارداً وماطراً بحسب الشيخ. تضيف: "كان كثيرون يناشدوننا ولا تزال أصواتهم عالقة بذهني. واجهنا الكثير من الصعوبات خلال إخراج الناس. ثم يخبرنا البعض بوجود ذويه تحت الأنقاض. كانت هذه اللحظات صعبة ومؤثرة. كل شيء كان لا يحتمل. إلا أن احتمال إنقاذ ناجين كان يجعلنا نستمر في عملنا وتكثيف جهودنا. عندما كنت أتعب، أنظر إلى أطفالي كيف يعملون بجد ويصرون على إنقاذ أكبر عدد ممكن من العالقين تحت الأنقاض. الأطفال الذين أنقذتهم وفرحة الأهالي زادوا من رغبتي في المساعدة". 

الجميع كان يسأل عن وضع أقاربه لدى وقوع الزلزال، تقول المتطوعة آمنة وفق ما نقلت صفحة الدفاع المدني على "فيسبوك". تضيف: "وصلني خبر أن البناء الذي يقيم فيه ابن عمي وابنة خالتي في مدينة سلقين قد انهار. توجهت بسرعة إلى هناك، وكان الطريق مدمراً. نزلت بسرعة بعدما تدمر كل شيء. بدأت بمساعدتهم. مشهد الدمار والموت أنساني وجهتي. أخرجنا 4 أشخاص من تحت الأنقاض متوفين وانتشلنا طفلة كانت على قيد الحياة. احتضنتها وذهبت بها إلى سيارة الإسعاف على الفور لنقدم لها الإسعافات الأولية ثم نقلناها إلى المستشفى. بعد ساعات وصلني خبر وفاة إبن عمي وطفليه وهو يحتضنهما. شعرت بالأسى كثيراً. لكن في الوقت نفسه، استطعنا أن ننقذ أناساً من تحت الركام".