لا تنتهي مفاجآت فيروس كورونا الجديد على الرغم من مرور أكثر من عام على ظهوره واجتياحه كوكبنا، غير أنّ التفاصيل ليست مهمّة اليوم بقدر ما هو واقع تفشّي الفيروس الماضي في التحوّر.
قد تكون هذه المرّة الأولى في تاريخ البشريّة التي ينصبّ فيها اهتمام الناس في بقاع الأرض كلّها وباختلافهم على مسألة واحدة... جائحة كورونا. ويحرصون على الاطّلاع على آخر المستجدّات ذات الصلة بتلك الأزمة العالميّة التي مسّتهم من نواحٍ مختلفة وليس فقط من الناحية الصحيّة. وفي خلال متابعتهم، نراهم يتلقّفون أيّ خبر يُقدَّم إليهم عبر منصّات متعدّدة، علماً أنّ بعضاً منها يدّعي العلم أو ينقل معطيات غير دقيقة أو يبغي الإثارة. ويتبادل أهل الأرض المعلومات، سواء تحقّقوا من صحّتها أم لم يفعلوا، ويذهبون إلى تكرار مصطلحات تُثير الرهبة في نفوس كثيرين. هذه هي حالنا اليوم.
ومع الكشف عن عدد من متحوّرات فيروس كورونا الجديد في الأشهر الأخيرة، راح الناس أينما وُجدوا يعبّرون عن قلق، لا سيّما أنّ معظمنا لا يفقه التفاصيل العلميّة التي يجرى تداولها. وهنا يشدّد أهل الاختصاص على ضرورة التوعية لأنّ "الجهل" لا يساعد في المعركة القائمة في مواجهة الفيروس الذي يمضي في تفشّيه، لا سيّما أنّ "أخباراً" كثيرة تشير إلى "سلالات جديدة". وعلى الرغم من أنّ هذا الأمر غير دقيق، فإنّ كلّ ما تُلصَق به صفة "جديد" يفزعنا.
مخباط: ثمّة فيروس واحد
عند السؤال عن فيروس كورونا الجديد وطفراته ومتحوّراته، يؤكّد البروفسور جاك مخباط المتخصّص في الأمراض الجرثوميّة والمعدية أنّ "ثمّة فيروساً واحداً (يُعرَف منذ ظهوره بفيروس كورونا الجديد) واسمه العلميّ سارس-كوف-2". في مختبرات المركز الطبيّ للجامعة اللبنانيّة الأميركيّة - مستشفى رزق في بيروت، التقته "العربي الجديد"، فيما هو منهمك في مهامه اليوميّة وفي متابعة مستجدّات الفيروس، فهو عضو لجنة متابعة التدابير والإجراءات الوقائية لفيروس كورونا في لبنان بالإضافة إلى كونه نائب رئيس اللجنة الوطنيّة للأمراض الجرثوميّة. ويشير إلى أنّ "المطّلع على عالم الفيروسات يعلم جيداً أنّ الفيروسات التاجيّة أو فيروسات كورونا هي من النوع الذي يتحوّر، وهي خطرة لأنّها تنتشر بطريقة سريعة. وهذا ليس بأمر مستجدّ".
ويحاول مخباط تبسيط الفكرة، فيقول: "ثمّة شخص يُدعى فلاناً. في خلال النهار، يضع نظّارتَين وفي المساء يخلعهما، لكنّه يبقى فلاناً. غداً صباحاً، يسرّح شعره ليكون أملسَ وبعد غد يجعله أجعدَ. مساء اليوم، يبدّل فلان ملابسه قبل الخروج لتناول العشاء مع خطيبته أو زوجته، لكنّه يبقى فلاناً. هو لم يتغيّر. الأمر نفسه بالنسبة إلى الفيروس". يضيف: "لماذا يبدّل فلان ملابسه وتسريحة شعره وما إليهما؟ لأنّ الأمر يرتبط بمناسبات اجتماعيّة فرضت عليه ذلك. المظهر تغيّر بحسب التعاطي مع ظروف المجتمع. الأمر نفسه بالنسبة إلى الفيروس. هو يتغيّر بحسب تعاطيه مع الأجسام المضادة التي تستهدفه". ويتابع أنّه "في طقس بارد، يرتدي فلان كنزة صوفيّة ليحمي نفسه من البرد. والفيروس، من أجل حماية نفسه من الأجسام المضادة، يقوم بأمر مشابه". ويشير مخباط إلى أنّ "الفرق يكمن في أنّ فلاناً لا يتغيّر من الداخل أمّا الفيروس فبلى. فالإنسان معقّد جداً في تركيبته الجينيّة، فيما الفيروس يتحوّر بسرعة". ويعيد ذلك إلى أنّ "الإنسان يتكوّن من حمض نوويّ (دي إن إيه) يصعب تغييره"، لافتاً إلى أنّ "الفيروسات المكوّنة بالطريقة نفسها لا تتغيّر، من قبيل الهربس والجدري. أمّا فيروس الإنفلونزا، وهو فيروس مكوّن من حمض نوويّ ريبوزيّ (آر إن إيه)، فهو متغيّر دائماً، كذلك الأمر بالنسبة إلى فيروس نقص المناعة البشريّة المكتسب (إتش آي في) وفيروس كورونا. لذلك، من السهل جداً تكوّن متحوّرات كثيرة ومستجدّة ومتواصلة".
بالنسبة إلى مخباط فإنّ "ما يحصل اليوم هو متحوّرات ناجمة عن طفرات جينيّة، وليس فيروسات جديدة"، فيما يرى أنّه من غير المجدي إدخال الناس في متاهات التفاصيل العلميّة التي لا طائل منها. بالتالي، يكفي أنّ نعلم جميعاً بأنّ ثمّة فيروساً يمضي مستشرساً حول العالم وعلينا مواجهته من خلال تحصين أنفسنا. ويُطرح سؤال بديهيّ هنا: هل اللقاحات المتوفّرة اليوم قادرة على تحصين الناس في وجه المتحوّرات الجديدة؟ يجيب مخباط أنّ "ما نراه أمراً جيّداً اليوم، هو أنّ اللقاحات ما زالت فعّالة على تلك المتحوّرات. وبعدما حُكي عن المتحوّر الجنوب أفريقيّ وعن عدم تأثّره باللقاحات المتوفّرة، أتت دراسات جديدة في وقت لاحق لتبيّن أنّ الأمر ما زال مقبولاً في هذا السياق".
لكنّ أحداً لا يستطيع منع الناس من الشعور بالقلق، إذ تزداد الأخبار التي تكشف عن متحوّرات جديدة تظهر، لعلّ أبرزها حتى اليوم البريطانيّ والجنوب أفريقيّ والبرازيليّ والتشيكيّ. ويؤكدّ مخباط أنّ الأمر طبيعيّ بالنسبة إلى هذا النوع من الفيروسات، مضيفاً أنّ "في لبنان مثلاً، قد نلاحظ طفرات في صيدا وجزين وطرابلس والنبطية وزحلة وغيرها. لأنّه كلّما تكاثر الفيروس تتشكّل لدينا نسبة من الطفرات الجينيّة، غير أنّها بغالبيّتها الساحقة لا تظهر. ثمّة طفرة لكلّ عشرة آلاف أو مائة ألف عمليّة تكاثر، علماً أنّ الفيروس يتكاثر مئات المليارات من المرّات". ويتابع مخباط أنّ "الطفرات بأكثريّتها تأتي من دون تأثير، ونحكي بالتالي عن طفرات صامتة، غير أنّ طفرات أخرى في بعض الحالات تؤدّي إلى تزايد في خطورة الإصابة". ويشرح مخباط أنّ الخطورة تعني "إمّا تزايد انتشار الفيروس، وإمّا تزايد التصاقه بمستقبلات جسم الإنسان، وإمّا تزايد سميّته (وهو أمر لا ينطبق مع هذا الفيروس، إذ لا سميّات له)، وإمّا تغيّر من شكل الفيروس الخارجيّ من خلال تغيّر البروتينات الشوكيّة التي تزيد الالتصاق بالخلايا المستقبلة للفيروس. وهكذا من خلال تغيير شكلها تتوقّف عن الاستجابة للأجسام المضادة وبالتالي يفقد اللقاح فعاليّته. وهذا هو الأمر الأخطر الذي نخشاه: ألا يتجاوب الفيروس مع الأجسام المضادة الناجمة عن اللقاح". ويشير مخباط إلى أنّه "في بعض الحالات، قد تؤدّي طفرة ما إلى موت الفيروس، إذ يقتطع جزءاً من نفسه عن طريق الخطأ فلا يعود قادراً على التكاثر. وهذا ما حدث مع فيروس سارس الأوّل الذي انتشر بين عامَي 2002 و2003 وتسبّب في متلازمة الالتهاب التنفّسي الحاد. فقد حصلت طفرة جينيّة سيطرت على البقيّة ولم يعد الفيروس قادراً على التكاثر فتوقّف الوباء". هل يمكننا الوصول إلى هذا مع الفيروس الحالي؟ بحسب رأي مخباط، "لقد تأخّرنا. لسنا نحن الذين تأخّرنا، لأنّنا لسنا نحن من يقوم بذلك، إنّما الفيروس. هو توسّع في انتشاره كثيراً ولا يبدو أنّه ذاهب في هذا الاتجاه".
وعند سؤاله عمّا توقّعته رئيسة برنامج المراقبة الجينيّة في بريطانيا شارون بيكوك قبل نحو شهر، إذ صرّحت بأنّ السيطرة على كلّ متحوّرات فيروس كورونا الجديد في العالم قد تتطلّب عشر سنوات على أقلّ تقدير، يجيب مخباط "بالتأكيد يتطلّب الأمر كلّ هذا الوقت حتى نتوصّل إلى تحصين كافٍ للناس وننتج لقاحات كافية بهدف اللحاق بالتغيّرات. وفي لبنان، كما قلت في وقت سابق، أتوقّع عدم بلوغ مناعة القطيع قبل عام 2027". ويؤكّد أنّه "يتوجّب إدخال تغييرات على اللقاحات بسرعة وبوتيرة سنويّة حتى نتمكّن من الوصول إلى النتيجة المرجوّة، تماماً كما هي الحال مع لقاحات الإنفلونزا. وإذا لم نفعل، فإنّنا سوف نخسر المعركة... بصراحة". ولا يخفي مخباط أنّ "الشركات تحضّر لتصنيع لقاحات متكرّرة وجرعات إضافيّة، فيزوّدوننا بعد ستّة أشهر أو عام بجرعة ثالثة قد تكون فقط مقوّية للجرعتَين الحاليّتَين (أو الجرعة الواحدة بالنسبة إلى بعض اللقاحات) في حال لم يحصل أيّ تغيّر كبير في الفيروس يضطرنا إلى إنتاج لقاحات من نوع جديد. ويبقى هذا أملنا الوحيد". ويعيد مخباط أسباب الطفرات الجينيّة إلى "مجتمع الفيروس الذي يشمل الأجسام المضادة، ودفاعات الإنسان، وتعاطيه مع فيروسات أخرى، وتعاطيه مع خلايا الإنسان، والعوامل البيئيّة من قبيل التغيّر المناخيّ والتلوّث وتأثير الأكسجين والمواد الكيميائيّة التي من حولنا وغيرها".
عبد الساتر: تكاثر فطفرات فمتحوّرات
في أحد مختبرات الجامعة اللبنانيّة التابعة لكليّة العلوم - الفرع الأوّل في الحدت، جنوب بيروت، يحاول البروفسور فادي عبد الساتر الباحث في العلوم البيولوجيّة إيضاح طفرات فيروس كورونا الجديد وتحوّراته لـ"العربي الجديد"، علماً أنّه هو أوّل من تابع موضوع المتحوّر البريطانيّ في لبنان. ويشرح أنّ هذا الفيروس (سارس-كوف-2) هو "فيروس mRNA (حمض نوويّ ريبوزيّ مرسال) ومن الطبيعيّ أن يقوم بطفرات جينيّة كما هي الحال مع فيروس الإنفلونزا وفيروس نقص المناعة البشريّة المكتسب (إتش آي في) الذي يتسبّب في مرض الإيدز". يضيف عبد الساتر أنّ "الطفرات الجينيّة هي عيب في النوكليوتيدات الموجودة في الجينات، علماً أنّ النوكليوتيد هو وحدة أساسيّة في بناء الحمض النوويّ (دي إن إيه) والحمض النوويّ الريبوزيّ (آر إن إيه). ما يحدث هو أنّه عندما يدخل الفيروس إلى قلب الخليّة، أي عندما تقع الإصابة، فإنّه يتكاثر ويكون بالتالي نسخاً للسلالة الجينيّة الخاصة به. وعندما يتكاثر يستخدم الإنزيمات الموجودة في الخليّة البشريّة. وفي خلال عمليّة النسخ قد تطرأ أخطاء، من دون أن يتمكّن الفيروس من تصحيحها. هذه الأخطاء أمر طبيعيّ في أيّ عمليّة نسخ. وعندما تكون مجموعة الأخطاء أو ما نُطلق عليه طفرات جينيّة في فيروس واحد، نتحدّث حينها عن متحوّر". وبتعابير أخرى، يوضح أنّ "الفيروس يدخل إلى قلب الخليّة ويعمل على نسخ نفسه والتكاثر. وعندما يتكاثر يخرج منها ويقتلها. وفي حين هو ماضٍ في عمليّة النسخ تلك، تحصل طفرات. والطفرات إذا كانت لها خصائص معيّنة وانتقلت إلى أشخاص آخرين، فإنّ المتحوّر الجديد ينتشر ويتسبّب في مشكلة".
ويشير عبد الساتر إلى أنّ "الفيروس سارس-كوف-2 انطلق من الصين قبل عام ونيّف، أمّا اليوم فثمّة أكثر من أربعة آلاف متحوّر في العالم. ولماذا نهتمّ بعدد منها فقط؟ لأنّ تلك المتحوّرات تملك خصائص معيّنة من قبيل سرعة الانتشار وعدوى أكبر بين عدد أكبر من الناس. في بريطانيا مثلاً، لاحظوا المتحوّر لدى 10 أشخاص ثمّ لدى 12 ثمّ 14 ليتابع تمدّده. لكنّه ليس الوحيد بالتأكيد، إنّما التركيز عليه لأنّه المسيطر". وعن ظهور المتحوّر البريطانيّ، يخبر عبد الساتر أنّ "جهاز مناعة أحد المصابين بفيروس كورونا الجديد لم يتمكّن من محاربته كما يجب، فاستمرّ طويلاً في جسمه وصار يتكاثر لينتج طفرات جديدة حُدّدت بـ24 طفرة، وبالتالي كان المتحوّر البريطانيّ الذي راح ينتشر".
إلى جانب المتحوّر البريطانيّ الذي حذّرت جهات صحيّة في المملكة المتّحدة من أنّه سوف يسيطر على أجزاء كبيرة من العالم، يأتي المتحوّر الجنوب أفريقيّ الذي يبدو أنّه يقاوم عدداً من اللقاحات المتوفّرة اليوم، بحسب ما يفيد بعض الخبراء، والبرازيليّ الذي يخلّف وفيّات كبيرة في بلد منشأه، والدنماركيّ الذي رُبط بحيوان المِنك، والتشيكيّ. والأخير بحسب عبد الساتر هو المتحوّر الأوروبيّ، لكنّه يُنسب إلى جمهوريّة التشيك بسبب تفشّيه السريع هناك. كذلك يُحكى أخيراً عن متحوّر جديد في نيويورك (الولايات المتحدة الأميركيّة) وآخر في إيران وآخر في نيجيريا.
مع عدد الإصابات المرتفعة بكوفيد-19 في لبنان مثلاً، هل ثمّة احتمال لمتحوّر لبنانيّ؟ يجيب عبد الساتر أنّ "هذا أمر ممكن بالتأكيد، إذ لا شيء يمنع ذلك. ومن هنا أهميّة متابعة كلّ المستجدّات... هل لدينا طفرات جديدة؟ هل نحن في حالة استقرار؟". وإذ يلفت عبد الساتر إلى أنّ "المتحوّرَين البريطانيّ والجنوب أفريقيّ موجودان في لبنان، وقد تكون لديهما طفرة مشتركة"، يحكي أنّه "في أكثر من مختبر لبنانيّ، تُستخدَم عدّة الكشف عن الفيروس نفسها المعتمدة في بريطانيا. وفي تلك المختبرات، يعمل خرّيجون من الجامعة اللبنانيّة نحن على تواصل دائم معهم. وفي الأوّل من ديسمبر/ كانون الأوّل الماضي، أعلمني عدد من هؤلاء أنّ ثمّة أمراً غير اعتياديّ في نتائج فحوصات بي سي آر الخاصة بفيروس كورونا الجديد، إذ تظهر جينتان فقط بدلاً من ثلاث مفترضة. فطلبت منهم متابعة الوضع. ومنذ ذلك التاريخ حتى العشرين من الشهر نفسه، كانت لدينا في تلك المختبرات 40 حالة مشابهة. شككنا في طفرات، وبالتزامن أعلنت بريطانيا عن متحوّرها الجديد".
يضيف عبد الساتر أنّه "في مختبر الجامعة اللبنانيّة حيث تُحلّل عيّنات الوافدين عبر المطار وعبر الحدود البريّة (بالإضافة إلى العيّنات الميدانيّة)، اكتشفنا على الطائرة الأولى التي وصلت من بريطانيا، بعد إعلان الأخيرة عن متحوّرها، أشخاصاً مصابين به. وربطنا الأمور بعضها ببعض، وخلصنا إلى أنّه من الطبيعيّ أن يكون المتحوّر موجوداً لدينا من قبل". ويتابع أنّه "للتأكّد، طوّرنا تقنيّة بي سي آر. لكنّه لم يكن في مقدورنا الجزم مائة في المائة بأنّه المتحوّر البريطانيّ. صحيح أنّنا كنّا على يقين بذلك، إلا أنّه وبهدف تقديم براهين علميّة توجّب علينا الذهاب إلى فكّ شيفرة الفيروس. وفي الأوّل من يناير/ كانون الثاني الماضي، كانت 16 في المائة من نتائج فحوصات المختبرات المشار إليها سابقاً تظهر أنّ ثمّة متحوّراً ما. وفي الوقت نفسه، كنّا هنا في مختبر الجامعة اللبنانيّة نحلل عيّنات من المسح الميدانيّ من المناطق. وفي 13 من الشهر نفسه، صارت لدينا 60 في المائة من الحالات المماثلة". ويكمل عبد الساتر "لأنّ العدوى سريعة، لم يعد لدينا شكّ. وأخذنا المبادرة وأعلنّا ذلك، في حين انتقدنا كثر. واجبنا كان إعلام العامة، فالمتحوّر ينتشر بسرعة غير معهودة خلافاً لما كان يحدث سابقاً. لكن بعد ذلك، أعلن مستشفى القديس جاورجيوس في بيروت أنّ 54 في المائة من إصابات كوفيد-19 هي بالمتحوّر البريطانيّ". ويكمل أنّه "بالتزامن، أرسلنا إلى وكالة الصحة العامة في بريطانيا تسع عيّنات من مراحل مختلفة من أجل فكّ شيفرة الفيروس، عن طريق وسطاء في جامعة أوكسفورد. فتبيّن أنّ ثماني منها هي 100 في المائة من المتحوّر البريطانيّ، فيما التاسعة أشارت إلى المتحوّر الأوروبيّ (التشيكيّ)".
ويوضح عبد الساتر أنّه "بحسب البيانات التي وصلتنا من عدد من المختبرات ذات البعد البحثيّ، فإنّ المتحوّر البريطانيّ بين الحالات هو الطاغي. لكنّ هذا لا يمنع وجود متحوّرات أخرى لا نستطيع ضبطها أو التعرّف إليها. ويبقى الحلّ الوحيد هو متابعة المتحوّرات وإرسال عيّنات عشوائيّة إلى المختبرات المعنيّة (وكانت الجامعة اللبنانيّة قد أرسلت في السياق عيّنات إلى بريطانيا وإسبانيا وكوريا الجنوبيّة) لفكّ شيفرة الفيروس مرّة كلّ 15 يوماً حتى نعرف إذا كانت لدينا طفرات جديدة أو ما زلنا نسيطر على الوضع. فأيّ طفرة جديدة قد تطرأ على المتحوّر البريطانيّ وتدخل إلى البروتين الشوكيّ وتغيّر فيه، قد تؤدّي إلى أزمة، إذ إنّنا قد لا نتمكّن حينها من اللحاق بالفيروس كما مع فيروس نقص المناعة البشريّة المكتسب. والموضوع ليس مزحة وليس لعبة".
والتحوّر بحسب عبد الساتر يُترجَم "تغيّراً في البروتين الشوكيّ الذي يُعَدّ خطّ الالتحام الأوّل مع الخليّة. والتغيير قد يكون بطريقة التحامه وبشكل البروتين فلا تعود الأجسام المضادة قادرة على التعرّف إلى هذا البروتين كما يجب، ويُسجَّل بالتالي تهرّب من الجهاز المناعيّ. هذه نظريّة مستندة إلى اختبارات مجهريّة، وثمّة خوف ممّا قد يحصل لاحقاً. والعلماء يدقّون اليوم جرس الإنذار للدعوة إلى التنبّه، لأنّه في حال أصبتُ بالفيروس وبعد فترة أصبتُ بهذا المتحوّر قد لا تتعرّف إليه الأجسام المضادة في جسمي. وهنا نتحدّث عن العدوى للمرّة الثانية. في البداية كانت الإشارة إلى إصابة ثانية أمراً مستهجناً. لكنّ الوضع اختلف اليوم". يضيف "بالتالي، لا بدّ من تطويق الفيروس للقضاء عليه. هو لا يستطيع أن ينسخ نفسه في الهواء وتشكيل طفرات. الأمر يستوجب أن يكون في قلب جسم الإنسان. وبقدر ما نخفّف عدد المصابين نستطيع التخفيف من عدد المتحوّرات". ويشير إلى أنّ "الأشخاص الذين يبقون في المستشفيات لفترات طويلة مع أمراض مرتبطة بالمناعة هم قادرون أكثر من سواهم على جمع عدد أكبر من الطفرات في داخل الفيروس. كأنّما تصير لدى الفيروس فرصة أكبر لتجميع طفرات، إذ هو موجود في الجسم لوقت أطول"، وبالتالي نحصل على متحوّرات جديدة. وهنا يؤكّد عبد الساتر أنّه "حتى لو كانت خطورة متحوّر ما اليوم غير كبيرة، إلا أنّها قد تزيد في وقت لاحق في حال سُجّلت فيه طفرات جديدة. وللسيطرة على الوضع، يبقى الأساس تحقيق مناعة مجتمعيّة أو مناعة القطيع التي يستحيل حصولها إلا عن طريق اللقاحات وفي أسرع وقت ممكن".