على الرغم من القصف والدمار ونزيف الدم المتواصل، إلا أن أبناء قطاع غزة تحاملوا على جراحهم وقلوبهم المكلومة من أجل محاولة الترفيه عن الأطفال، الذين لهم الحق في العيش حالهم حال جميع أطفال العالم. جهود فردية ومبادرات شبابية انطلقت في غزة لتقديم الدعم النفسي للأطفال النازحين في مراكز الإيواء داخل مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وذلك من خلال الرسم واللعب وغير ذلك. وهذا حق أساسي للأطفال كفلته المواثيق والشرائع الدولية في وجه آلة القتل والدمار التي تستهدفهم.
يقول الطبيب النفسي وأحد المشاركين في المبادرات محمود البرغوثي، لـ "العربي الجديد"، إن "الهدف من هذه الأنشطة دعم الأطفال وإيصال رسالة واضحة للعالم بأن العمل مستمر، على الرغم من الجراح الكبيرة. تخفيف الألم ومساعدة الأطفال على التكيف واجب مهني على أصحاب التخصص كل بحسب مجاله"، مضيفاً أن ذلك "يساهم في تعزيز صمود أبناء شعبنا".
يضيف البرغوثي: "انطلقت الفكرة من خلال العمل في إطار فريق شبابي (مركز البيت الآمن الشبابي) بالتعاون مع مجموعة من العاملين في مجال الدعم النفسي، والمتخصصين في التعامل مع الأطفال في أوقات الطوارئ والأزمات، والمدربين على هذا النوع من التدخل".
ويلفت إلى أن المبادرة تضم 15 متطوعاً ومتطوعة يعملون بالتنسيق مع وحدة الدعم النفسي، مشيراً إلى تنفيذ أنشطة الدعم النفسي والإسعافات النفسية الأولية التي تهدف إلى التفريغ الانفعالي للأطفال، وتطبيق أنشطة ترفيهية لتخفيف الضغوط النفسية وحدة الصدمات وحالة الإجهاد النفسي التي يتعرض لها الأطفال.
يتابع البرغوثي أن ما يمر به الأطفال من ضغوط نفسية هو أمر طبيعي في ظل القصف المتواصل وأصوات الانفجارات وغياب الاستقرار والأمان النفسي. وفي ما يتعلق بمراكز الإيواء والضغط الشديد والأعداد الكبيرة، يؤكد أن هذا سبب أساسي لنقص وتوفير الاحتياجات الأساسية الخاصة بالمأكل والمشرب والمكان الآمن للنوم. وينتشر المواطنون في العراء وساحات المدرسة من دون وجود أماكن محصنة أمام ما يتعرضون له من خوف شديد نتيجة الضربات المتواصلة. ويرى أن كل ذلك هو تراكم لعوامل صعبة يعيشها الأطفال والأهالي والنساء والرجال وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة، الذين يعانون أيضاً لتوفير الحد الأدنى من احتياجاتهم.
كما يتحدث عن "عوامل عدة تشير إلى مؤشرات صحية خطيرة؛ بسبب الظروف الراهنة في المراكز، الأمر الذي يشكل ضغطاً وإجهاداً نفسياً وقلقاً وتوتراً مستمراً، مع الإشارة إلى أن الأطفال أكثر عرضة للمشاكل النفسية والسلوكية بسبب عدم قدرتهم على تحمل هذه المشاهد القاسية وحالة الضغط النفسي. كل ما يحلم به الطفل هو اللعب وممارسة أنشطته اليومية".
من جهته، يقول الناشط محمد الحداد إن الهدف من هذا التدخل هو التفريغ والمساندة والحد من المشاعر السلبية والخوف لدى الأطفال من خلال اللعب وممارسة بعض الأنشطة والتعرف على احتياجاتهم النفسية والصعوبات التي يواجهونها. يضيف: "يومياً، تنفذ العديد من أنشطة الدعم النفسي مع الأطفال في المدارس من خلال الفريق الشبابي التطوعي، على الرغم من الصعوبات والتحديات المتعلقة بقلة الإمكانيات وخطورة التنقل بين مراكز الإيواء بسبب القصف المستمر، والصعوبات التي تواجه الأهالي في ظل ظهور أعراض نفسية وسلوكية على الأطفال، كصعوبة في النوم والخوف الشديد والالتصاق العاطفي بالأم والصعوبة في الأكل والنقص في الوزن ومشاعر تقلب المزاج والغضب والصراخ المستمر".
ويقول: "منذ اللحظة الأولى لتنفيذ هذه المبادرة، تمكنا من رسم ابتسامة على شفاه الأطفال بعد تنشيطهم بأساليب عدة. رأينا أنها تساهم في دعمهم نفسياً".
إلى ذلك، تروي الطفلة غزل عمران، وهي إحدى النازحات إلى مدرسة الزهراء في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، أنها خرجت من جو الحرب، ولو للحظات قليلة ودقائق لتعيش طفولتها التي يحاول الاحتلال سلبها من كل أطفال فلسطين عموماً، وغزة على وجه الخصوص. وتقول إنها رسمت على وجهها خارطة فلسطين التي تأمل أن تتحرر فتعود إلى مسقط رأس أجدادها أسدود في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948. تتابع: "سنعود ونبني منازلنا التي هدمها الاحتلال الإسرائيلي في هذه الحرب البربرية على قطاع غزة المحاصر".
أما الطفلة جوان خلف، فتقول إنها لن تتخلى عن طفولتها وحقها في اللعب، وستبقى تحلم بغد أجمل رغم كل محاولات الاحتلال قتل الروح المعنوية وتصفية الطفولة في فلسطين. تضيف أنها تحلم كباقي أطفال العالم بحماية وأمن وأمان، لافتةً إلى أنها وعائلتها عاشوا أياماً عصيبة بعد قصف منزلهم وتركه ونزوحهم إلى المدارس. تتابع: "تركت ألعابي وحقيبتي وألواني. لم يتركوني ألعب وأذهب إلى مدرستي كمثل من هم في عمري في أي بقعة حول العالم".