قبل الدخول في تفاصيل الامتحانات ومدى نجاحها أو عدم نجاحها في تقييم الطلاب والمتحصل لديهم من معارف وكفاءات في العام الدراسي عبر نماذج محددة، ينبغي القول إنّه لا يمكن اعتبار الطلاب الذين لم يحققوا المطلوب منهم راسبين أو فاشلين كما هو شائع. فالتربية الحديثة لا تنطلق أصلاً من مبدأ ناجح وراسب وأول وثانٍ وأخير، بل تبحث في أسباب ومكمن عدم تحقق الكفايات المطلوبة، والتي كان يجدر بالتلميذ والطالب أن يتحصل عليها.
فقد أثبتت الدراسات التي أجريت على نماذج في دول كثيرة، أنّ الصعوبات التعلمية التي يعاني منها طالب في مادة من المواد يمكن معالجتها مدرسياً عبر حصص التقوية، أو عبر سبر أغواره النفسية لمعرفة العوامل الكامنة وراء تخلفه في هذه المادة أو تلك. فقد تكون نتيجة أوضاع أسرية واجتماعية وغيرها. كما أنّ عدم تحقيق المطلوب في مادة لا يحدد مستقبله العلمي والمهني وقدراته. أصلاً هناك مئات الأسماء اللامعة عالمياً التي فشلت مدرسياً وجامعياً، لكنّها في المقابل دفعت بالاختراعات التي قدمتها، البشرية خطوات عظمى إلى الأمام في مجالات عديدة.
والواقع أنّ معظم ما أحاط ويحيط بالعملية التعلمية - التعليمية في المنطقة العربية من شأنه، في كثير من الأحيان، أن يقود إلى نتائج بائسة ويائسة في الوقت نفسه. وهو ما لا يحمل وزره الطلاب والأهل وحتى الهيئة التعليمية. يمكن القول إنّ غياب الرؤية الاستشرافية لاتجاهات التربية والتعليم الحديثة في العالم هو المسؤول عن هذا الخلل الفادح، مضافاً إليه هذا العام وباء كورونا مع كلّ مترتباته العامة والخاصة على الأفراد والجماعات، وفي مقدمهم التلاميذ والطلاب أنفسهم. فدار الحضانة والمدرسة ومعهما الجامعة تتفاعل مع مجتمع كان في حال من الانزواء عن عملية التفاعل، ما يقود حكماً إلى توقع ملاحظة عالم مختلف تماماً بعد التعافي من الوباء. وهو ما يحتاج إلى سنوات طويلة، فضلاً عما يترسب في داخل سيكولوجية المجتمعات والأفراد من أعطاب ليس من السهل اقتلاعها ضمن فترة محدودة وقصيرة.
فالمعروف أنّ فتح المدرسة والجامعة على المجتمع والبيئة المحيطة هو أحد وسائل الربط بين المتعلم، وما يعيشه المحيط ويعتبر بمثابة دروس وأنشطة ومجالات تتطلب المعاينة والمساهمة في حلّ معضلاتها المطروحة. ما يفتح أعين التلاميذ والطلاب على ما ينتظرهم. فالمدرسة والجامعة القديمة المحجورة وراء سور عالٍ على من بداخلها من إداريين وأساتذة وكفاءات وطلاب تراجعت منذ زمن طويل، أو لم يعد لها من وجود بالأساس. أما التي تنطلق في طلابها نحو البيئة المجتمعية فهي التي تستطيع أن تطلق أجيالاً، نمت شخصيات أصحابها تباعاً عبر التعرف على المشكلات، التي تجاهلتها المؤسسة القديمة التي حصرت اهتمام طلابها بحفظ الدروس وتقديمها في الامتحان، والحصول على الترفيع الرسمي، ثم نسيان ما سبق وجرى حفظه.
ينطبق ذلك على طلاب الشهادات وعلى سواهم أيضاً. وهكذا يلعب نظام الامتحان دوره السلبي في تكريس أهمية زائفة تتمحور حول أدنى درجة في القدرات العقلية للتلميذ والطالب وهي الحفظ. بينما غابت القدرات العليا بما هي الربط والتوليف والمعالجة والتحليل والنقد واقتراح الحلول. والأهم من ذلك كله هو التعود على عمل الفريق ضمن مجموعة متكاملة لكلّ من أعضائها دوره الرئيس في البحث والصياغة والإعداد والدفاع عما توصل إليه الفريق خلال بحثه المتواضع.
(باحث وأكاديمي)