مأساة مهجّري شرقي ليبيا مستمرة

31 ديسمبر 2021
التهجير أرهق ليبيين كثيرين (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -

 

فضّ عدد من عائلات المهجّرين الليبيين من مدينتَي درنة (شمال شرق) وبنغازي (شرق) اعتصاماً استمرّ لأيام عدة في أحد الميادين العامة في العاصمة طرابلس، للمطالبة بحقّ العودة إلى مدينتيها بالإضافة إلى توفير مساعدات مالية لها لدفع بدلات إيجار البيوت.

ونظّمت العائلات الاعتصام بمشاركة الأطفال في خيام في حديقة عامة في حي زاوية الدهماني، بعدما عجزت غالبيتها عن دفع بدلات إيجار المساكن التي تقطنها في العاصمة طرابلس، كما تقول أم إيناس لـ "العربي الجديد". وجاء فض الاعتصام بعد زيارتها من قبل وزير الدولة لشؤون المهجرين وحقوق الإنسان في حكومة الوحدة الوطنية الليبية أحمد أبو خزام، لـ "الاطلاع على مطالبهم وبحث المشاكل معهم وكيفية معالجتها"، بحسب الصفحة الرسمية للوزارة، موضحة أن مطالب المعتصمين "تركز على التدخل العاجل لحكومة الوحدة الوطنية لدفع بدل إيجار مساكن تؤويهم وعائلتهم". ونقلت الصفحة الرسمية للوزارة تأكيد أبو خزام تكفل الحكومة بـ "حق المواطنين ورعايتهم ومعالجة مشاكلهم"، لافتاً إلى أن وزارته ستبحث بشكل عاجل كيفية حل أزمة دفع بدلات إيجار مساكن المهجرين. 

تتحدث أم إيناس لـ "العربي الجديد" عن مصاعب تواجه الأسر المهجّرة في ليبيا، في ظل توقف رواتب عدد من الأسر منذ سنوات، وسط إهمال حكومي كبير لناحية العمل على تحويل رواتبها إلى طرابلس. وتقول إنّ "حكومة مجلس النواب أوقفت الرواتب على خلفية مواقفنا المعارضة لسلطة العسكر في مناطقنا. والآن لدينا حكومة موحدة. فما التبرير الذي سيسوقه المسؤولون؟"، متسائلة عن أسباب استمرار توقف راتب أسرتها والكثير من الأسر الأخرى.

وتعيل أم إيناس، المهجرة من بنغازي، ثلاثة أطفال من عملها مدرّسة في إحدى المدارس الخاصة. تضيف: "نعاني أيضاً من إهمال السلطات أوضاع أزواجنا وأولادنا القابعين في سجون حفتر منذ سنوات من دون تحويل ملفاتهم إلى القضاء"، مشيرة إلى أنها لا تعرف شيئاً عن مصير زوجها الذي اعتقلته مليشيات حفتر قبل أربع سنوات.

ويعاني نحو ربع مليون ليبي من مدن أجدابيا ودرنة وبنغازي (شرق البلاد) من جراء استمرار تهجيرهم من مساكنهم ليتوزعوا بين مناطق عدة غرب ليبيا، في وقت يفضل البعض الآخر الهجرة إلى خارج البلاد. في هذا السياق، تقول أم إيناس إنها ليست متفائلة بتحقيق مصالحة في البلاد، مشيرة إلى أن "قضيتنا باتت تظهر في تصريحات المسؤولين الذين يسعون إلى استثمارها لصالحهم. لذلك، لا ننتظر مصالحة بل تغير في الوضع السياسي والقضاء على حكم العسكر الجاثم على صدور أهلنا"، في إشارة إلى سيطرة مليشيات حفتر على مناطق المهجرين في شرق البلاد. واضطرّت عائلات كثيرة للهجرة من مناطقها من جراء الحروب التي شنّتها مليشيات حفتر على خصومها في هذه المدن، بعد ترهيب أسرهم واتهامهم بدعم الإرهاب.

وعلى الرغم من إنشاء المهجرين رابطة للمطالبة بحقوقهم أمام السلطات المحلية والجهات الدولية، فإن السلطات لم تتمكّن من صنع مقاربات سياسية لحل الخلافات القائمة، وظلالها ما زالت تهيمن على أوضاع المهجرين"، بحسب عضو رابطة بنغازي راي مصباح الورفلي. ويقول لـ "العربي الجديد" إن اجتماعات رابطته مع الحكومة بدأت منذ أغسطس/ آب الماضي، وأسفرت عن وعود كثيرة، منها حل المشاكل الإدارية والمالية للمهجرين عبر الوزارات والمؤسسات بعد توحيدها تحت مسمّى حكومة الوحدة الوطنية.

يضيف الورفلي: "من أصل أكثر من عشرة آلاف أسرة مهجرة من بنغازي، ما زالت رواتب نحو 1400 أسرة متوقفة منذ سنوات"، معرباً عن خشيته من تفاقم أزمة هذه الأسر. ويقول: "يمكن للاعتصام في الخيام أن يستمر في حال عدم التجاوب مع هذه الأسر، والذي يمكن أن يفجّر غضب الأهالي الذين يعيشون تحت خط الفقر، الأمر الذي يؤدي في أحيان كثيرة إلى الدفع بأطفالهم إلى الشارع للتسوّل". 

من جهته، يقول عبد العاطي الحسوني، الذي هجر وأسرته من مدينة أجدابيا (شرق البلاد)، إن قضية المهجرين تطفو إلى السطح، وتحظى باهتمام إعلامي في ظل الاستثمار السياسي للقضية. ويوضح أن "قبول الأسر المهجرة مساعدات مالية من الحكومة يأتي على مضض بسبب صعوبة الظروف المعيشية. وإلا، فنحن ندرك أنه اعتراف ضمني من الحكومة يعكس عجزها عن حل قضيتنا". يضيف: "أخشى أن يتحول وجودنا بعيداً عن منازلنا إلى أمر واقع مع مرور الوقت".

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

ويلفت الحسوني إلى أهمية إنجاز ملف المصالحة الاجتماعية، موضحاً أن "العراقيل المتعلقة بسلطة حفتر ستختفي يوماً ما، لكن العرقلة الحقيقية تتمثل في موقف الأسر والعائلات والقبائل التي ترى أننا متورطون في جرائم أودت بحياة أبنائها، لمجرد أن هذا المقاتل أو ذاك قريب لنا". ويسأل: "ما ذنب أسرة قاتل أحد أبنائها في صف يعارض طرفاً عسكرياً أو سياسياً لتهجر كامل الأسرة؟". ويشير إلى صعوبات أخرى تتعلق بإمكانية عودة الأسر المهجّرة إذا تم إنجاز المصالحة. ويقول: "سوّيت غالبية منازل الأسر بالأرض وهدمت أجزاء كثيرة من منازل آخرين، ما يعني أن قضية التهجير ستبقى قائمة في ظل عدم وجود مأوى للعائلات".