تؤكد الجهات الحكومية الليبية مواصلة جهود البحث عن المفقودين في أكثر من منطقة، وضمن عملياتها. وأعلنت الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين، في الثامن من إبريل/ نيسان الماضي، تمكنها من انتشال إحدى عشرة جثة من مقبرة جماعية في محيط مدينة سرت.
وقال بيان للهيئة الحكومية إنه "تم استخراج 11 جثة مجهولة الهوية من المقبرة الجماعية المكتشفة، وقام فريق من إدارة البحث بالتنسيق مع النيابة المختصة في منطقة (الجيزة البحرية) في سرت بانتشال الجثث". وأوضح البيان أن "الجثث تم نقلها إلى مستشفى (بن سيناء) في المدينة، والفرق المختصة أخذت عينات من العظام لنقلها إلى مختبرات الهيئة بالتنسيق مع الطب الشرعي".
لكن العدد لا يتناسب مع حجم المفقودين الذين أبلغت عنهم أسرهم، بحسب مصباح الهمالي، وهو والد أحد المفقودين، والذي يقر بأن ابنه قتل على يد التنظيم في أول أيام سيطرته على مدينة سرت في عام 2015.
وقال الهمالي لـ"العربي الجديد": "أبلغني شاهد أنه كان حاضراً خلال واقعة القبض على ابني عند حاجز تفتيش أقامه التنظيم خارج المدينة، ومن يومها لم نسمع عنه خبراً حتى الآن. بعد تحرير المدينة من قبضة التنظيم، بحثنا عنه في السجون، فلم نجد له أثراً". وترجع أسباب ترجيح الهمالي مقتل ابنه إلى أنه "تم القبض عليه على أيدي عناصر التنظيم الذي كان يجاهر بموقفه المعارض لتوجهاته"، وعلى الرغم من ذلك يقول: "أتمنى أن أجد بقايا جثته، وأقوم بدفنها بنفسي، وإلا سأظل حبيس الأمنيات والهواجس التي تراودني بين فترة وأخرى حول كونه ما زال على قيد الحياة".
يضيف: "السلطات لا تقوم بالدور المطلوب منها في قضية مفقودي سرت، وعمليات البحث عن المقابر في أطراف المدينة، وفي داخلها، ليست كافية، وعادة ما يعللون عدم الجدية في ملف البحث عن المفقودين بعدم اكتمال نقل ركام المباني المتهدمة أثناء حرب تحرير المدينة من سيطرة التنظيم، بالإضافة إلى عدم اكتمال جهود تنظيفها من مخلفات الحرب".
ويؤيد الناشط المدني المهتم بقضية المفقودين، حسين العريشية، ما ذهب إليه مصباح الهمالي، ويوضح أن "جمعية الهلال الأحمر قامت بعد تحرير المدينة من التنظيم بتوزيع استمارات على أسر المفقودين بهدف حصر أعدادهم، وبناء قاعدة معلومات بناء على تلك الاستمارات لتسهيل عمليات البحث عن المفقودين".
وقال العريشية لـ"العربي الجديد": "كانت تلك الخطوة الأولى والوحيدة الجادة في هذا الاتجاه، لكن الجهود توقفت من دون أن تستكمل قاعدة المعلومات بسبب عدم حصولها على دعم من السلطات"، مضيفاً أن "أهالي المفقودين حاولوا تقديم الدعم لجمعية الهلال الأحمر، وكان من نتائج ذلك العثور على مقبرة جماعية تضم رفات أربعين قتيلاً في منتصف عام 2018، لكن الرفات الموجودة في تلك المقبرة لم تستخرج بشكل كامل بسبب عدم حصول الهلال الأحمر على إذن من النيابة العامة، وحتى الآن لا يعرف ما إذا كانت تلك الجثث لمفقودين من أبناء المدينة، أم أنها تعود لعناصر التنظيم الذين قتلوا أثناء حرب تحريرها".
وبينما حسين العريشية متفائل بعودة الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين إلى نشاطها في المدينة، وبدء إجراءات إعادة تفعيل مكتبها، يرى عبد السلام فرحات، وهو شقيق مفقود في حرب تحرير سرت، أنها إجراءات شكلية لتسكيت الرأي العام.
وأوضح فرحات لــ"العربي الجديد"، أن "ملف المفقودين بات وسيلة للاستغلال السياسي"، معتبراً أن ارتباط مفقودي مدينة سرت بتنظيم داعش لم يعد يخدم مصالح السياسيين، على عكس ارتباط مقابر جماعية أخرى في بعض المناطق، مثل مقابر ترهونة، بأطراف سياسية، ولذا فإن الاهتمام متركز عليها، ولو انتهت المصلحة منها فسوف يتم إهمالها كما أهملت قضية مفقودي سرت.
ويعد ملف المفقودين أحد أكبر الملفات الشائكة في ليبيا، بسبب تراكم أعدادهم منذ العام 2011، وتوسع رقعة المناطق التي شهدت جرائم اختطاف، أو اعتقالات خارج إطار القانون، ومن بينها مدن بنغازي ودرنة شرقي البلاد، ومدينة ترهونة التي أقامت مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر مقابر جماعية عديدة أثناء محاولاتها احتلال العاصمة طرابلس.
وعلى الرغم من أن قضية المقابر الجماعية أصبحت قضية رأي عام، كما تحظى باهتمام دولي، تكافح بعض الأجهزة الحكومية المعنية بالبحث عن المفقودين لمواصلة عملها، لاسيما في ترهونة. ولم تعلن أي من حكومات البلاد المتعاقبة إحالة ملف المفقودين في أي منطقة إلى القضاء لمحاسبة الجناة، أو إجلاء مصير المفقودين.
وفي العام الماضي، تلقت الهيئة العامة للتعرف والبحث عن المفقودين، بلاغاً من عائلات 330 مفقوداً من مدينة ترهونة ومناطق جنوب طرابلس، وأعلنت الهيئة استخراج 115 جثة من 25 موقعاً، من دون أية معلومات عن بقية المفقودين.
ويتأثر ملف المفقودين بالأزمة السياسية القائمة، إذ لا تقتصر الأزمة على وجود حكومة برأسين، لكنها امتدت إلى وجود مقرين كذلك، أحدهما لرئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، في العاصمة طرابلس، حيث مقر الإدارات العامة الأساسية، والآخر بإدارة فتحي باشاغا، والذي اتخذ مدينة سرت مقراً لإدارة مهامه.