يزداد نشاط القطاع الأهلي والتطوعي في ليبيا، في ظل غياب الدور الحكومي في قطاعات عدة تتعلق بحياة المواطنين. وبالتأكيد يشمل ذلك مهمات كثيرة تقترن بأزمة تفشي وباء كورونا، ونشاطات مختلفة لإغاثة النازحين وتخفيف معاناتهم وغيرها. لكنّ مجالاً تطوعياً من نوع آخر ظهر إلى الواجهة أخيراً، وتمحور حول مواجهة ظاهرة السرقات ومحاولة تأمين استعادة أشخاص مفقودات قيّمة، وهو ما تتولاه عشرات من الصفحات المنتشرة على مواقع التواصل.
والحقيقة أن بعض هذه الصفحات تحوّلت إلى مقصد رئيس لأي باحث عن غرض ضائع، كما باتت منصة لجمع تبرعات، وحتى لإطلاق حملات تهدف إلى التصدي لظواهر سرقات غير مألوفة، بينها سرقة أغطية غرف الصرف الصحي في مدن ومناطق عدة شرقي البلاد خصوصاً.
يخبر سائق سيارة الأجرة جلال الطياري "العربي الجديد"، بأنه لم يثق بتسليم مراكز الشرطة حقيبة تركتها سيدة في سيارته، خوفاً من ضياعها أو عدم قدرة عناصر الشرطة على الوصول إلى صاحبتها، فآثر إبلاغ منصة إلكترونية تنشط باسم "تك يحرق كل شيء"، التي يتابعها آلاف الأشخاص. ويقول: "غالبية الناس تثق في القائمين على هذه الصفحة، وصدقية التواصل معهم من أجل إيداع أي أمانة لديهم حتى الوصول إلى صاحبها من أجل استردادها، علماً أنني لم أسلم الحقيبة لهم، وبمجرد نشر الصفحة الإعلان تواصلت معي صاحبة الحقيبة التي تضمنت أموالاً وأوراقاً ثبوتية، وسلمتها لها".
وتنشر صفحات التواصل عشرات الإعلانات عن مفقودات، بينها أوراق ثبوتية يتركها أصحابها في مراكز حكومية. ويقول الطياري: "بالطبع تملك المراكز الحكومية صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن موظفيها يثقون أكثر بصفحات الناشطين بسبب أمانتها وكثرة متابعيها". ويشير إلى أن "صفحة مفقودات طرابلس تضم أكثر من 11 ألف متابع، كما أن عدد متابعي صفحة مفقودات طرابلس الغرب قريب من هذا الرقم. وقد أنشأ عدد من المتطوعين أيضاً صفحة باسم غرفة بلاغات عن المسروق والمفقود في ليبيا لتسليم ما يجري الإبلاغ عنه أو التنسيق بين صاحب البلاغ وصاحب الأشياء المفقودة".
ويقول أحد المتطوعين في نشر صفحة على موقع "فيسبوك" للإبلاغ عن مفقودات واسترجاعها، يدعى عبد الخالق الزوبي، لـ"العربي الجديد": "العثور على أغراض مفقودة أيسر بكثير من الإبلاغ عن مسروقات. وتضم شبكتنا 11 متطوعاً موزعين بين 8 مناطق ومدن في أنحاء ليبيا لتسهيل الوصول إلى المفقودات". ويشرح أن صفحة العمل التطوعي الخاصة التي أطلقها مع مجموعة من الرفاق "تعمل على جمع تبرعات لأسر فقيرة ومرضى حالاتهم صعبة ونازحين. ونشرنا صوراً لحملاتنا التي نالت إعجاباً كبيراً، علماً أن الليبيين يحترمون كثيراً العمل التطوعي".
ويكشف أن صورة نشرت على الصفحة، أظهرت شاباً يسلم حقيبة تحتوي مجوهرات لسيدة تركتها في مطعم بطرابلس العاصمة، نالت أكثر من 100 ألف إعجاب، وآلاف التعليقات، مؤكداً أن "هذه الصور تحرك قيماً مجتمعية أصيلة لدى المواطنين. والصفحة كسبت ثقة المواطنين، وتستقبل الآن عشرات البلاغات عن مفقودات. وبكل ثقة يسلمنا بعض أصحاب البلاغات مفقودات لنوصلها إلى صاحبها إثر اتصاله بنا".
ورغم محاولة الزوبي ورفاقه تعزيز منصتهم عبر التواصل مع أجهزة الأمن المعنية بالبحث عن مسروقات مثل السيارات، لكنهم مستاؤون من عجز السلطات بسبب عمق الأزمة الأمنية، وتخوف هذه الأجهزة من متابعة هذه القضايا كونها تحدث غالباً على أيدي عصابات مسلحة.
ويبدي الزوبي ارتياحه الكبير إزاء ما يقدمه من عمل تطوعي يساعد المواطنين من جهة، ويسدّ من جهة أخرى بعض جوانب الغياب الرسمي، وهو ما يشعر به أيضاً طلال الغرياني، الذي انخرط في مبادرة أخرى تنفذ نشاطاً مختلفاً يتعلق بحماية أغطية غرف الصرف الصحي.
يوضح الغرياني، لـ"العربي الجديد"، أن "مجموعة شبابية في بنغازي أطلقت مبادرة لجمع الأموال والعمل لصنع أغطية إسمنتية لغرف الصرف الصحي بدلاً من أغطية الحديد التي اختفت على يد تجار خردة، خصوصاً في مدن بنغازي ومناطق أخرى شرقي البلاد. يضيف: "نجحت الحملة بمجهود ذاتي، وصنعنا أغطية من إسمنت لسدّ الغرف الصحية التي باتت مصدر إزعاج كبير للمواطنين بسبب انبعاث روائح كريهة منها تنتشر في الطرق والأحياء السكنية. وفي كل الأحوال أغطية الإسمنت ثقيلة، وسرقتها لن تنفع جشع تجار الخردة الذين يسرقون أي شيء مصنوع من الحديد. من هنا أعتقد بأننا وفرنا حماية ومنعنا إحدى ظواهر السرقة". ويشير الغرياني إلى أنّ "الحملة استقطبت متبرعين بمال أو إسمنت أو آلات، أما أنا تحديداً فتبرعت بجهدي في نقل الأغطية، وسدّ الغرف الصحية بها. والأهم أنها لقيت استحسانا كبيراً لدى المواطنين".