ليبيا: صمود فردي أمام كوارث الشتاء

21 يناير 2022
قنوات الصرف الصحي غير المتهالكة قليلة (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -

تفضح أمطار الشتاء سنوياً تهالك البنى التحتية في غالبية مدن ليبيا ومناطقها، من دون أن تمنع تمسك السلطات بتجاهل معاناة المواطنين، وغض النظر عن معالجة المشاكل المتكررة منذ سنوات، ما يدفع السكان الى بذل جهود تطوعية من أجل تفادي أضرار أكبر.
بعد كوارث الحرائق في فصل الصيف، يدخل الليبيون في معاناة الشتاء التي تتمثل خصوصاً في إغلاق سيول الأمطار الطرقات بسبب عدم قدرة شبكات الصرف الصحي على استيعاب الكميات المتساقطة. ويشمل ذلك كل المناطق بلا استثناء، بحسب ما يقول المسؤول في الشركة العامة للمياه والصرف الصحي الحكومية خيري الخوجة لـ"العربي الجديد".

وقد شهدت مناطق في شرق البلاد وغربها أسابيع من تساقط الأمطار الغزيرة، ما اضطر بعض المواطنين إلى ملازمة منازلهم، وجلب احتياجاتهم الضرورية من متاجر قريبة، كما فعل العارف العزيبي الذي يسكن في حي الحميدية بمدينة تاجوراء، والذي عجر أيضاً عن توصيل أبنائه إلى مدرستهم لمدة يومين متواصلين.

يقول لـ"العربي الجديد": "أغلقت الأمطار غالبية طرقات تاجوراء، حتى أن الناس امتنعت عن سلوك الطرقات القليلة التي تتضمن قنوات لتصريف المياه، والتي شهدت اكتظاظاً كبيراً باعتبارها المنافذ الوحيدة للتنقل بين الأحياء في العاصمة".

وكان أهالي بعض أحياء العاصمة طرابلس وغيرها استعدوا للشتاء، كما اعتادوا سنوياً، من خلال مبادرات شخصية لصيانة عدد من الطرقات عبر ترقيع أجزائها المتهالكة، كي لا تزيد الأمطار مساراتها السيئة التي تجعل عبورها أمراً متعذراً وبالغ الصعوبة.
ونظف سكان بعض الأحياء بنفسهم غرف شبكة الصرف الصحي وأزالوا الأتربة المتراكمة فيها للمساهمة في تصريف مياه الأمطار، لكن ذلك لم يجد أحياناً بسبب تهالك الشبكة وانتهاء صلاحية غالبية القنوات فيها.
وعرف سكان المناطق البعيدة عن المدن الكبرى أحوالاً أسوأ، إذ زادت الأمطار كوارث طفح شبكات الصرف الصحي المغلقة أصلاً. وتقول معاطي الجويفي التي تسكن حي الخنساء بمدينة البيضاء (شرق) لـ"العربي الجديد": "رغم أن الأمطار تبعث الحياة والتفاؤل، لكن معايشتي كوارث الصرف الصحي جعلتني لا أتمنى قدوم فصل الشتاء".

في الخارج رغم الطقس السيئ (محمود تركية/ فرانس برس)
في الخارج رغم الطقس السيئ (محمود تركية/ فرانس برس)

وتعاني مناطق عدة مثل سبها واوباري (جنوب) ونالوت (غرب) وبنغازي وطبرق، من أزمات ترتبط بالحال السيئة لشبكات الصرف الصحي، بحسب ما يؤكد الخوجة الذي يوضح أن "أساس تردي الشبكة هو عدم صيانتها استناداً إلى أسس وخطط مدروسة ودقيقة". كما يشير إلى مشاركة المواطنين نفسهم في أزمات شبكات الصرف الصحي من خلال حفرهم قنوات، وجرّهم المياه إلى بيوتهم من دون الحصول على تراخيص. و"تزيد هذه العمليات التي تنفذ في شكل غير مدروس وعشوائي الضغط على الشبكة الرئيسية التي تعاني من تهالك".
وتكشف الشركة العامة للمياه والصرف الصحي أن "البلديات تقوم من دون تنسيق معها بعمليات صيانة مؤقتة لمحاولة حل مختنقات المرور في بعض الأحياء، ما يزيد من حجم معاناة الشبكة". وتوضح أنها تعاني أصلاً من عجز شبه كلي عن تقديم أي عمل بسبب غياب التمويل.
وبدلاً من أن تنقل شبكات التصريف مياه الأمطار الهاطلة تتسبب في غرق أحياء ومحاصرة سكانها بالمياه. وفي حي الخليج بمدينة بنغازي لم يستطع فيصل الدرسي الوصول إلى محله لمدة ثلاثة أيام بسبب غرق الشارع الذي يتواجد فيه محله بالمياه. ويقول لـ"العربي الجديد": "لم ينفع حتى تقديمنا بلاغاً إلى البلدية، فتدخلنا من خلال علاقاتنا الخاصة لجلب سيارة لشفط المياه، وتقليل منسوبها".
ويطالب الدرسي بتوفير حل جذري للمشكلة، مشيراً إلى أن "مدينة بنغازي تحتاج إلى 200 سيارة لشفط المياه على الأقل إذا أرادنا مواجهة الأزمة بحلول. وهذا عدد غير متوفر، أما السيارات المستخدمة فتعاني من نقص كبير في قطع الغيار والصيانة"، وكرر شكواه من أن الأجهزة الحكومية تعاني من أزمة تمويل تجعلها على سبيل المثال تتأخر في صرف رواتب موظفيها لأشهر طويلة الذي يردون بالامتناع عن العمل.

بيئة
التحديثات الحية

ويعترف الدرسي بأنه لا ينتظر حلاً قريباً، ويقول: "حين بحثت عن حل لأزمة برك الأمطار المتكررة في الحي الذي أسكن فيه، وجدت أنه من الأسلم أن أبيع سيارتي الصغيرة واشتري أخرى رباعية الدفع تستطيع عبور بحيرات الأمطار. وكل الناس تتعايش اليوم مع انهيار البنى التحتية في ليبيا، وتبحث عن حلول ذاتية في انتظار تبدل أحوال البلاد، وتستعيد الهدوء ويغادرها المتصارعون على السلطة تمهيداً للسماح بعودة الشركات الأجنبية كي تستكمل مشاريعها. طالما حلم المواطنون بطرقات صالح للسير وأحياء نظيفة من برك الصرف الصحي التي تحولت الى مصدر للحشرات والقوارض تهدد صحتهم وصحة أسرهم".