يتكرر ظهور الأسماك وغيرها من الأحياء البحرية النافقة على طول الشواطئ الليبية، لتكشف عن حجم ما تعانيه تلك الشواطئ من جراء زيادة منسوب التلوث، والذي بات يشكل تهديداً حقيقياً للحياة البحرية.
في آخر رصد لتبعات ارتفاع نسب التلوث البحري، فوجئ سكان مدينة درنة، شرقي ليبيا، صباح يوم الخميس الماضي، بتجمع كميات من الأسماك النافقة على رصيف ميناء المدينة، وسط جدل واسع في أوساط السكان حول أسباب نفوق هذا العدد الكبير، والذي لم يكشف مكتب الهيئة العامة للثروة البحرية بالمدينة عن أسبابه.
من جهتها، أعلنت منظمة العلوم والأحياء البحرية (غير حكومية) أن فريقها البحثي يعمل على معرفة أسباب نفوق الأسماك على شاطئ درنة، بعدما جمع عينات من الأسماك النافقة لفحصها ودراستها، وإعداد تقرير حولها.
بدوره، رجح رئيس الجمعية الليبية لعلوم البحار (غير حكومية)، ضو حدود، في تصريحات صحافية، أنّ سبب نفوق الأسماك هو الجرف بفعل التيارات البحرية الشديدة، أو استخدام بعض الصيادين للمتفجرات، مستبعداً أن يكون التلوث هو السبب.
في حين أشارت منظمة العلوم والأحياء البحرية، عبر صفحتها على موقع فيسبوك إلى تشابه هذه الواقعة مع اكتشاف نفوق كميات كبيرة من أسماك السردين في ميناء بنغازي (شرق) قبل أيام، مشيرة الى إمكانية أن يكون التلوث البحري سبباً مباشراً في الواقعتين.
وفي وقت سابق، أعلنت المنظمة عثور فرقها على بقايا أفراد نافقة من الحوت الزعنفي في عدد من مناطق شرقي ليبيا، من بينها سواحل مدينة بنغازي، وأشارت إلى أن نفوقها يعود إلى أسباب بيئية وبشرية، كما أكدت تقارير إعلامية العثور على عدد من السلاحف البحرية النافقة في عدد من الشواطئ، وتكرار ذلك أكثر من مرة.
ويحذر عضو الجمعية الليبية للتنمية البيئية (مستقلة)، صبري الطالبي، من مغبة استمرار تجاهل نفوق الحيوانات البحرية، وعدم دراسة أسبابها، مشيرا إلى أن "سواحل البلاد زاخرة بأنواع من الكائنات البحرية النادرة والمعرضة لخطر الانقراض، وهناك قرابة 500 نوع من الأسماك التي هجرت الشواطئ الليبية بسبب التلوث الناتج عن مكبات القمامة، ومصبات أنابيب الصرف الصحي". ويلفت الطالبي، خلال حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن "التلوث من بين أهم أسباب نفوق أنواع الكائنات البحرية، ولم تجر دراسات أو بحوث متخصصة لتحديد طبيعة هذه الأسباب، ويمكن أن تكون متفجرات الصيادين من بين الأسباب، وكذا العوامل الجوية، لكن لا يمكن تجاهل أن التلوث من بين الأسباب الرئيسية".
ويعدد أمثلة للتلوث الذي يهدد الحياة البحرية، ومنها "أكوام القمامة المتكدسة بعد أن تحولت أجهزة النظافة الحكومية إلى نقل القمامة إلى الشواطئ نتيجة قفل بعض المكبات الكبيرة، فضلاً عن نفايات المصانع، وهي الأخطر لأنها تتحلل وتنتج مواد خطرة"، مشيرا إلى علم الحكومات المتعاقبة بكل أشكال التلوث الذي يهدد الحياة في البحار، تحديداً بقع النفط التي تهدد مساحات واسعة من الشواطئ، مطالبا بأن تتشارك الأجهزة الرسمية في العناية بهذه القضية، وخصوصاً وزارة الصحة التي يجب أن تضغط باتجاه الحد من التلوث البحري لما للأسماك الملوثة من خطر على صحة مستهلكيها.
ويؤكد ربيع الطلحي، وهو صياد من العاصمة طرابلس، أن التلوث سبب رئيسي في ظاهرة نفوق الأسماك، وأنه لاحظ مرات عدة وجود بقع زيتية ناتجة عن قوارب تهريب الوقود في عرض البحر. وقال لـ"العربي الجديد": "تقوم شبكات التهريب بتحميل المحروقات النفطية على متن قوارب صغيرة، وتفرغها على متن سفن أكبر في عرض البحر، وعادة ما تخلف عملية التفريغ كميات كبيرة من البقع التي نلاحظ توسعها خلال الأيام التالية عند إبحارنا للصيد".
ويضيف الطلحي: "هناك العديد من أسباب التلوث، فسفن الصيد الأجنبية التي تخترق مياه البلاد تستخدم متفجرات قوية لتقوم بجمع كميات كبيرة من الأسماك خلال وقت قصير، لتغادر قبل ضبطها، أو مطاردتها، وبعض مناطق البلاد تشهد أحياناً وصول جثث مهاجرين جرفتها المياه إلى الشاطئ، وتحلل الجثث في البحر يتسبب بنوع من التلوث أيضا". وهو يتفق مع المطالبة بضرورة القضاء على أسباب التلوث، والإسراع في تحقيق ذلك عبر تفعيل القوانين الناظمة للبيئة.
ويرى أن "تفعيل القوانين أهم من مبادرات تكاثر الأنواع المنقرضة من الكائنات البحرية، إذ لا فائدة لمكاثرة نوع حي نخشى انقراضه بينما أسباب الانقراض ما زالت قائمة". ويدعو أصحاب تلك المبادرات الخاصة إلى إطلاق مبادرات تعنى بالتثقيف البيئي، خصوصاً في أوساط الصيادين، وإطلاق حملات تطوعية لتنظيف الشواطئ من أكوام المخلفات التي يتزايد خطرها مع مرور الوقت، ويؤدي تحللها إلى إنتاج مواد قاتلة لكل أنواع الحياة البرية.