تفتقر ليبيا إلى مراكز التعليم الحكومية التي تُعنى برعاية وتأهيل الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد، على الرغم من وعود الحكومة المتكررة بتأمين مراكز مماثلة، ومنها الإعلان عن إنشاء أكبر مركز متخصص في شمال أفريقيا قبل عام. وفي ظل التراخي الحكومي، يلجأ الأهالي إلى المراكز الخاصة، ومنهم صالح مؤمن، وهو أب لطفل مصاب باضطراب طيف التوحد. وعلى الرغم من قناعته وغيره من الأهل بغياب العناية اللازمة في المراكز الخاصة لناحية متابعة الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد، إلا أنه لم يجد بديلاً، ويخشى أن يتأخر في تقديم الرعاية التي يحتاجها ابنه.
وخلال السنوات الماضية، وفّرت السلطات الرعاية والتأهيل للأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد في الخارج. وعلى الرغم من الانقسام الحكومي، تمكنت السفارات الليبية من الاستمرار في تقديم التسهيلات لرعاية الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد. لكن الانقسام الحكومي الذي عانت منه البلاد لسنوات أعاق تلك الجهود، الأمر الذي دفع الدول المستضيفة إلى مطالبة أولياء أمور الأطفال بمغادرة المراكز المتخصصة.
وفي تصريحات سابقة، قال وكيل وزارة الصحة في حكومة الوفاق الوطني السابقة، محمد هيثم، إن حكومته أنفقت مائة مليون يورو سنوياً لرعاية الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد في الأردن، مشيراً إلى أن حكومته تعمل على إنشاء أكبر مركز لتأهيل المصابين باضطراب طيف التوحد في شمال أفريقيا.
وفي يناير/كانون الثاني 2019، دشنت حكومة الوفاق الوطني "المركز الوطني لتشخيص وعلاج أطفال مرضى التوحد"، لكنه يستقبل المرضى في بعض الأقسام المنجزة فقط. وتتوزع مراكز حكومية أخرى في عدد من المناطق، مثل مركز بنغازي للتأهيل الشامل لأطفال التوحد، لكن غالبيتها مقفلة بسبب عدم صيانتها وتزويدها بالإمكانيات اللازمة.
وبحسب آخر تقرير لوزارة الصحة في حكومة الوفاق الوطني السابقة، أحصت ليبيا 2383 طفلاً مصابين باضطراب طيف التوحد. وفي وقت أشارت إلى أن هذه الأرقام تقديرية، يقول مؤمن لـ "العربي الجديد" إن اعتراف الحكومة بالكشف على قرابة نصف العدد المسجل لديها دليل على العجز، وعدم قدرتها على توفير الدعم اللازم لرعاية وتأهيل هؤلاء الأطفال". كما يتهم الوزارة وأجهزتها بالتغاضي عن أوضاع المصابين باضطراب طيف التوحد. ويسأل: "ما مصير الأطفال الذين لم تتابع حالتهم؟". ويشير إلى أن الكثير من الأهل يلجأون إلى المراكز الخاصة على الرغم من الكلفة العالية.
وفي العاصمة طرابلس وحدها خمسة مراكز خاصة لتأهيل الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد، بالإضافة إلى روضات خاصة. وعلى الرغم من النقص في بعض الخدمات الأساسية في المراكز، تقول الطبية النسائية انشراح الفلّوس، وهي أم لطفل مصاب باضطراب طيف التوحد، إنها ملجأها الوحيد، لافتة إلى أن هذه المراكز لا تعمل على تطوير قدرات المعلمين أو الاستعانة بمتخصصين.
من جهته، يؤكد مدير "مركز الأمل لتأهيل طفل التوحد" عز الدين الشلي، أن الإقبال الكبير على المراكز الخاصة ليس محصوراً في طرابلس فقط، بل يمتد إلى مدن أخرى، الأمر الذي أدى إلى افتتاح العديد منها. صحيح أن الكلفة المادية تعد مرتفعة في المراكز الخاصة، إلا أنه يقول في حديثه لـ "العربي الجديد" إن مركزه يسعى إلى مواكبة الأساليب التعليمية الحديثة لتقديم الرعاية الأنسب للأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد.
في الوقت نفسه، يشكو الشلي عدم تجاوب الأهل، لافتاً إلى أن رعاية وتأهيل وتعليم الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد يتطلب تعاوناً من قبل الأهل، على اعتبار أنهم الحاضن الرئيسي للطفل. من جهة أخرى، يتحدث عن ضعف الاهتمام بالتوعية حول كيفية العناية بالأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد، الأمر الذي يتطلب إطلاق العديد من حملات التوعية.
تفيد منظمة الصحة العالمية بأن شخصاً من كل 160 يعاني من اضطرابات طيف التوحد. ويعاني المصابون من اعتلالات مصاحبة تشمل الصرع والاكتئاب والقلق واضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط بالإضافة إلى السلوكيات المستعصية مثل صعوبات النوم وإلحاق الأذى بالنفس. ويتفاوت مستوى الأداء الذهني بين الأشخاص المصابين بالتوحد تفاوتاً كبيراً.