يعاني الأشخاص المكفوفون وضعاف البصر إهمالاً رسمياً متزايداً في ليبيا، ما يراكم العراقيل أمام محاولات الجمعيات الأهلية دعم هذه الشريحة، كتوفير المؤسسات التعليمية، وضمان إدماجها في المجتمع.
بدورهم، أطلق نشطاء ومتطوعون العديد من المبادرات الأهلية لدعم المكفوفين وضعفاء البصر خلال العقود الماضية، وتعد جمعية النور للمكفوفين من بين أقدم الجمعيات الأهلية في هذا المجال، فقد تأسست بجهود ذاتية في عام 1962، وتمكنت مع الوقت من تطوير نفسها، وفتح فروع في أغلب المناطق الليبية لتوسيع رقعة الدعم، كما تمكنت من تسجيل نجاحات كبيرة، ومواجهة كثير من الصعاب والتحديدات.
عبد الله العبار، والد شخص مكفوف حصل على الشهادة الإعدادية من مدارس جمعية النور، وهو يدرس حالياً في المرحلة الثانوية، يقول إنّ الجمعية باتت تمثل مظلة تحمي وترعى المكفوفين بعدما طورت إمكانياتها بالدعم الذاتي، بل دعمت جمعيات أهلية أخرى تعنى بنفس الملف.
لكنّ الجمعية واجهت عدداً من الصعوبات خلال السنوات الأخيرة بسبب ما تعانيه البلاد من عدم استقرار، على الرغم من مطالبات مسؤوليها الجهات الحكومية بضرورة الدعم. وأعلنت الجمعية، في نهاية يونيو/حزيران الماضي، تقديم صندوق التضامن الاجتماعي الحكومي، "في خطوة غير مسبوقة ولأول مرة"، دعماً لجمعيات المكفوفين، شمل توفير بعض الأدوات التعليمية المُعينة للطالب المكفوف، من بينها 12 آلة كاتبة بلغة برايل الخاصة بالمكفوفين، و50 لوحة تعليم للحروف العربية وعلامات الترقيم والأرقام الحسابية، و10 لوحات لتعليم اللغة الإنكليزية.
وفيما يثني عبد الله العبار على هذه الخطوة، يؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ فرحة مسؤولي الجمعيات الواضحة كانت بسبب التفات الجهات الحكومية لأوضاع جمعيات المكفوفين، وليس لعدد الأدوات الذي لا يكفي مدرسة واحدة. ويشرح العبار بعض الصعوبات التي تواجه ابنه وزملاءه، قائلاً: "هناك نقص حاد في أعداد أساتذة بعض المواد، كاللغة الإنكليزية، فتدريس المكفوفين يحتاج إلى مهارات، وله طرق خاصة. ماذا يمكن أن تفعل المدراس بلوحات تعليم اللغة الإنكليزية التي تبرّع بها صندوق التضامن بينما لا تدعم وزارة التعليم تدريب الأساتذة على تدريس هذه اللغة للمكفوفين؟ وقد انعكست قلة أعداد المدرسين على أداء الطلاب وعلى نتائج امتحاناتهم، فأعضاء لجان الامتحانات عادة لا يعرفون الحاجة الخاصة للمكفوف في التعرف على أسئلة الامتحانات، ولا كيفية توزيعهم على المقاعد".
ورغم كل هذه الصعوبات، أصبح العمل الأهلي الحاضن الأهم لشريحة المكفوفين، وانتشرت الجمعيات الأهلية المهتمة بهذه الشريحة، ومنها "جمعية الكفيف" في مدينة بنغازي، التي تأسست قبل أكثر من أربعة عقود، وفرع آخر في مدينة مصراتة تأسس في عام 2013.
من جهتها، نظمت جمعية إنسان الأهلية دورة تدريبة على لغة برايل في نهاية عام 2021، لتدريب أولياء أمور المكفوفين وضعاف البصر، فضلاً عن طالبات جامعيات وأطفال.
تتحدث معلمة لغة البرايل، سميرة الزواوي، عن صعوبات أخرى تواجه استمرار جمعيات رعاية المكفوفين، قائلة: "عند تأسيس أي من هذه الجمعيات، فإنها تسعى للحصول على اعتراف رسمي لتتمكن من البدء بإطلاق أنشطتها، وعادة ما تتبع صندوق التضامن الاجتماعي الذي لا يدعمها بشيء. كيف يمكن للجمعيات أن تطور أنشطتها من دون وجود دعم مالي من الحكومة؟ كل ما تفعله الجمعيات حالياً هو مقاومة الاضطرار إلى الإغلاق بواسطة السعي لجمع التبرعات لتمويل نشاطها".
وتؤكد الزواوي أن جمعيات المكفوفين تقتصر مهامها على توفير التعليم الأساسي والثانوي، مع بعض الأنشطة الرياضية الموسمية، وأن "القوانين الصادرة عن الحكومات المتعاقبة لا توفر لهذه الشريحة حقها في الحصول على الإعانة المنزلية حتى لا يكون المكفوف عالة على أسرته، والحق في الحصول على قروض مصرفية للمشاريع الصغرى والمتوسطة، التي استُثني المكفوفون منها".
ويعد مشروع "اسمعني"، الذي أطلقته مجموعة من الشباب المتطوعين في عام 2016، من أشهر المشاريع التطوعية لدعم المكفوفين وضعاف البصر، وما زال يلقى إقبالاً كبيراً. ووفقاً للموقع الرسمي للمشروع، فإنّه يهدف إلى "مساعدة المكفوفين في مسيرتهم الدراسية عبر تحويل المناهج الورقية إلى محتوى صوتي، أو تحويلها إلى منهاج إلكتروني تمكن قراءته بلغة برايل، حسب رغبة الشخص المكفوف".
وتشرح المتطوعة في المشروع، آلاء الصادق، طريقة تعامل المتطوعين مع الأشخاص المكفوفين، قائلة: "يتواصل الشخص المكفوف معنا، ثم تعلن إدارة المشروع المهمة، وتستقبل المتطوعين، ويقسَّم المنهج عليهم لتجهيزه، وبعدها يدققه فريق المراجعة قبل إرساله إلى الشخص المكفوف".