"نعتقد أنّ لقاحاً ضد السرطان يرتكز على تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال mRNA، سيتم توفيره قبل عام 2030"، هذا ما كشفه البروفسور الألماني تركي الأصل أوغور شاهين في مقابلة مع شبكة "بي بي سي" الإخبارية أخيراً، هو الذي ساهم وزوجته أوزليم توريشي في تطوير لقاح "فايزر ـ بيونتك" المضاد لكوفيدـ19. تضيف توريشي في المقابلة نفسها: "نشعر بأن علاج السرطان أو تغيير حياة المرضى في متناول أيدينا. كعلماء، نتردد دائماً في القول إنه سيكون لدينا علاج لمرض السرطان. لدينا عدد من الاختراقات العلمية وسنواصل العمل عليها".
وليست تقنية لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال جديدة. فعلى مدى الأعوام الثلاثين الماضية، هندس باحثون أشكالاً مستقرة من الحمض النووي الريبوزي المرسال وإيصال هذه الجزيئيات إلى الجسم من خلال اللقاحات. وحاول العلماء تطوير هذه اللقاحات لمواجهة داء السرطان، أو الأمراض المناعية الذاتية مثل مرض التصلب اللويحي المتعدد، أو للحماية من بعض الفيروسات التنفسية.
إلا أن نجاح لقاح "فايزر ـ بيونتك" المضاد لكوفيدـ19 والمرتكز على تقنية لقاح الحمض النووي الريبوزي المرسال في مكافحة كورونا أثبت فعالية هذا النوع من اللقاحات ومأمونيتها في مواجهة الأمراض، وسرّع في تطوير لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال في مواجهة السرطان.
عام 1961، عمل باحثون في معهد "باستور" الفرنسي على تحديد واكتشاف الحمض النووي الريبوزي المرسال ونالوا على ذلك جائزة نوبل عام 1965، من دون أن يتوقعوا أن تمنح إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) الترخيص الأول للقاح تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال الذي طورته شركتا فايزر الأميركية وبيونتك الألمانية للوقاية من كوفيد-19.
يحمل الحمض النووي الريبوزي المرسال الشيفرة الجينية التي على أساسها تتم صناعة بروتينات الجسم، أي عند خروج هذا الجزء المرسال إلى خارج النواة فيشكل ركيزة أساسية في صناعة البروتينات في خلايا الجسم. في مواجهة السرطان، تهدف لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال إلى تنبيه الجهاز المناعي للورم السرطاني ومواجهته، وخصوصاً في حالات السرطان التي لا علاج لها حتى الآن، أو التي تنتشر في الجسم.
وتقول مديرة مركز السرطان في جامعة "جورج واشنطن" جولي بومن، نقلاً عن موقع "ناشيونال جيوغرافيك"، إن الخطوات في تطوير لقاحات mRNA مشخصنة ضد السرطان في استخراج خزعة من نسيج ورم المريض وتحليل المادة الوراثية لتحديد الطفرات التي تميّز بين الخلايا الطبيعية والخلايا السرطانية. وتستخدم هذه النتائج في هندسة جزيئيات الحمض النووي الريبوزي المرسال الذي يستخدم في اللقاح وتستغرق هذه العملية فترة تتراوح ما بين أربعة وثمانية أسابيع. وبعد حقن المريض باللقاح، تقوم تعليمات الرنا المرسال بتدريب الخلايا التائية للجهاز المناعي - خلايا الدم البيضاء، التي تساعدنا في محاربة الفيروسات - للتعرف على ما يصل إلى 20 طفرة في الخلايا السرطانية ومهاجمتها. ويقوم الجهاز المناعي بتنظيف الجسم من خلال البحث عن الخلايا السرطانية وتدميرها، كأن يقوم جهاز المناعة الخاص بنا بالقضاء على السرطان".
ويشير شاهين في مقابلته إلى أن "الهدف يرتكز على استخدام لقاحات الرنا المرسال المشخصنة بعد الجراحة مباشرة لدى مريض السرطان، إذ يتلقى لقاحاً مشخصناً بحسب حالته وخصائص الورم السرطاني، ما يحفز الاستجابة المناعية في الجسم، إذ تهاجم الخلايا التائية المناعية الخلايا السرطانية في جسم المريض". وفي الوقت الحالي، تجري "بيونتك"، نقلاً عن صحيفة "ذا غارديان"، العديد من التجارب السريرية حول لقاحات الرنا المرسال mRNA لمواجهة السرطان، وتأمل تطوير علاجات ضد أمراض سرطان القولون والمستقيم والخلايا الصبغية وغيرهما. على سبيل المثال، ونقلاً عن صحيفة "واشنطن بوست"، تظهر النتائج الأولية للتجارب السريرية للشركة في استخدام لقاحات mRNA لعلاج 19 مريضا مصابا بسرطان البنكرياس منذ عام 2019، أن نصف المرضى أظهروا استجابة مناعية قوية نسبة إلى اللقاح.
واستفادت شركة "بيونتك" من خبرتها في تصنيع لقاحات mRNA خلال جائحة كورونا، وراكمت فهماً أفضل لآليات استجابة الأشخاص للقاحات الرنا المرسال ما يساعدها في تطوير لقاحات مرتكزة على التقنية عينها في مواجهة السرطان.
في المقابل، يشير مدير قسم المناعة الخلوية في معاهد الصحة الوطنية الأميركية (NIH) روبرت سيدر، نقلاً عن موقع "ناشيونال جيوغرافيك"، إلى تحديات عدة حول لقاحات الرنا المرسال في مواجهة السرطان مقارنة بتلك التي استخدمت في مواجهة جائحة كورونا، فبالرغم من الحماس والوعود لهذا النوع من علاج السرطان، لن تصبح لقاحات سرطان الرنا متوافرة بسرعة قياسية مقارنة بلقاحات كورونا، إذ ستتطلب لقاحات السرطان سنوات من الاختبارات والتجارب السريرية. وترتكز الاختلافات أيضاً على أن لقاحات كورونا مصممة لحماية الأشخاص من الفيروس، إذ يمكن لجهازهم المناعي محاربة الفيروس في حال مواجهته. أما لقاحات السرطان فهي علاجية ويتم إعطاؤها للمرضى لتعليم أجهزتهم المناعية البحث عن الخلايا السرطانية الموجودة وتدميرها.
وفي ظل تطور الأبحاث والتجارب السريرية، تقول البروفسورة في علم المناعة في جامعة بيتسبرغ أوليفرا فين، نقلاً عن صحيفة "واشنطن بوست"، إنه في المستقبل، سيكون الطبيب قادرا على تحديد مخاطر الإصابة ببعض أنواع أمراض السرطان وإعطاء اللقاح المناسب لمواجهتها".
وتسأل مذيعة "بي بي سي" لورا كونسبرغ، نقلاً عن موقع "ساينس ألرت"، الزوجين عما إذا كانت هناك فرصة لعدم نجاح لقاح السرطان، فتجيبها توريشي: "لا أعتقد ذلك. كل ما تعلمناه عن الجهاز المناعي وما نحققه من لقاح السرطان يُظهر، من حيث المبدأ، النشاط الواضح. يمكننا تحفيز تلك الخلايا التائية القاتلة وتوجيهها. تجب علينا مراقبة ما يستخدمه الأطباء من تدخلات طبية إلى جانب اللقاح لمعرفة ما يجب تعديله لضمان علاج المرضى، إذ تساعدنا كل خطوة وكل مريض على فهم المزيد في معالجة السرطان".