لقاحات مصر... فشل خيار التصنيع لتجاوز العجز عن الاستيراد

18 فبراير 2021
على جسر قصر النيل في القاهرة (فضل داود/ Getty)
+ الخط -

 

فشلت مصر في استيراد لقاحات كورونا لحماية عشرات ملايين السكان فيها، لأسباب مالية، فوجهت جهودها لاستضافة تصنيع اللقاحات، وهو ما لا يغري إلا شركة صينية، لا يحظى لقاحها المعتمد بالإشادة اللازمة.

عجز النظام الحاكم في مصر عن الوفاء بتعهداته بشأن تسريع حملة توزيع اللقاحات ضد فيروس كورونا الجديد خلال فبراير/ شباط الجاري، إذ مضى أكثر من أسبوعين على بدء برنامج التلقيح في مستشفيات العزل الحكومية في البلاد، وما زالت الأعداد التي أعطيت الجرعة الأولى من اللقاح أقل من 2500 من أفراد الطواقم الطبية والعاملين في تلك المستشفيات، بحسب مصادر مطلعة في وزارة الصحة. وتؤكد المصادر لـ"العربي الجديد" أنّ عدداً من أهم وأكبر مستشفيات الأمراض الصدرية الناشطة في مواجهة الجائحة وُزعت فيها استمارات الرغبات الخاصة بالتلقيح على الأطباء والممرضين والعاملين الإداريين فقط، من دون أن يبلغوا بموعد فعلي لأخذ الجرعة الأولى حتى الآن، بينما ما زالت مستشفيات الحمّيات، وكذلك المستشفيات الحكومية المركزية بعيدة تماماً عن إجراءات التلقيح. أضافت المصادر أنّه على الرغم من توافر كميات من اللقاح، مخصصة لعدد أكبر من عدد الأشخاص المستفيدين حتى الآن (الطواقم الطبية والتمريضية والإدارية والمساعدة في مستشفيات العزل فقط)، فإنّ هناك تخوفاً يعطل التوسع على مستوى المستشفيات ذات الطواقم الطبية الكبيرة، خوفاً من عدم كفاية الكميات الواردة إلى مصر حتى الآن، سواء التي استوردتها وزارة الصحة (100 ألف جرعة) أو هيئة الشراء الموحد (50 ألف جرعة)، وهو رقم ضئيل جداً قياساً على عدد الأطباء والممرضين والعاملين الإداريين في المستشفيات والمصابين بالأمراض المزمنة.

وتأكيداً لما نشره "العربي الجديد" في الثاني عشر من فبراير/ شباط الجاري، أعلن وزير التعليم طارق شوقي، قبل أيام، أنّ وزيرة الصحة هالة زايد "تعهدت بتعميم اللقاحات على المعلمين والعاملين بالمدارس قبل نهاية مارس/ آذار المقبل". وعلى الرغم من أثر هذه الخطوة على خطة استئناف الدراسة الهشة التي أعلن أنّها ستكون "مرنة" وتسمح للمدارس بإكمال مناهجها التعليمية للتلاميذ عن بعد، فإنّ الكميات الموجودة حتى الآن من اللقاح تجعل من المستحيل إضافة عناصر المنظومة التعليمية في الوقت الحالي للفئات المستهدفة، إلا إذا وصل أكثر من 500 ألف جرعة جديدة إلى مصر قبل نهاية الشهر الجاري، الأمر الذي لا يبدو واقعياً بحسب مصادر وزارة الصحة.

وكانت زايد قد أشارت منذ شهرين إلى تعاقدات محتملة لاستيراد عشرين مليون جرعة من لقاح "أسترازينيكا/ أوكسفورد" وكمية مماثلة من لقاح "فايزر/ بيونتيك"، لكن تبين لاحقاً أنّها ليست سوى مفاوضات على تخفيض الأسعار أو تقسيطها، وهو ما لم تتعاطَ معه الشركات المنتجة بإيجابية، فعلى الرغم من رغبتهما في ضمان المشاركة في تزويد سوق ضخم كمصر، هو الأكبر في الشرق الأوسط، ومن الأكبر في أفريقيا، إلا أن العروض المالية المقدمة من القاهرة ما زالت بعيدة عن الواقع، فضلاً عن أولويات الشركات في تزويد أسواق أخرى لا مشاكل مالية لديها. أما محاولة الحصول على اللقاحات من دول أخرى لتسريع العملية، فستكون أكثر كلفة.

الصورة

وذكرت المصادر أنّه بناءً على تأكد الحكومة من عدم إمكانية التوسع في استيراد اللقاحات وعدم كفايتها لأسباب اقتصادية وأخرى تتعلق بأولوية التعاقدات، إذ تحلّ مصر في مرتبة متأخرة على لائحة التصدير الخاصة بمعظم المصنّعين الأساسيين في السوق الدوائية، نظراً لتأخرها في تأمين المبالغ المطلوبة والموافقات الدوائية اللازمة، فإنّ البديل الذي تراه الجهات المختصة حالياً أكثر كفاءة، هو الإسراع في الاتفاق مع مصنّع أو اثنين لإنتاج اللقاحات في مصر. لكن حتى هذا الاتجاه لا يبدو يسيراً، فشركة "أسترازينيكا" المتعاونة مع جامعة "أوكسفورد"، والتي كانت الهدف الأول لمفاوضات من هذا النوع، ليست متعجلة في التصنيع الخارجي في موقع آخر غير الهند، ثم أستراليا أخيراً، كذلك إنّ المفاوضات بين مصر وشركة "سينوفارم" الصينية لم تسفر عن شيء حتى الآن. وبشكل مفاجئ، حولت مصر وجهتها إلى شركة "سينوفاك" الصينية التي أنتجت لقاح "كورونافاك" الذي حاز أخيراً الموافقة على التداول في الصين وتركيا ودول أخرى. وبحسب المصادر، فإنّ المفاوضات مع "سينوفاك" تسير بشكل أفضل من الشركتين الأخريين لسبب أساسي هو أنّ الشركة لم تعتمد على أيّ دولة عربية وأفريقية من قبل خلال مرحلة التجارب، التي أجريت في البرازيل وتركيا وإندونيسيا، فضلاً عن الصين، وبالتالي إنّ إضافة مصر كموقع جديد للإنتاج ستكون مفيدة من الناحيتين الاقتصادية والعلمية لدراسة تأثيرات هذا اللقاح على السكان في هاتين المنطقتين.

لكنّ تساؤلات علمية عدة تثيرها المصادر حول مدى كفاءة لقاح "سينوفاك" قياساً بغيره من اللقاحات المتاحة، بما في ذلك لقاح "سينوفارم" الذي سببت الصورة الذهنية السلبية تجاهه لكونه صينياً، وغياب المعلومات الوافية عنه، عزوف النسبة الأكبر من أفراد الطواقم الطبية عن حملة التلقيح الحالية به. لقاح "سينوفاك" بدوره كان محلّ جدل علمي كبير في الصين سبّب تأخر اعتماده بترخيص الطوارئ حتى هذا الشهر بالذات، على الرغم من اعتماد أربعة لقاحات محلية أخرى قبله، كذلك سبب أزمة في البرازيل التي اعتمدت تداوله للطوارئ بعد إظهاره معدل فاعلية منخفضاً للغاية لا يتجاوز 50.5 في المائة، وأما التجارب التي أجريت عليه في إندونيسيا فأظهرت فاعليته بنسبة 63.3 في المائة فقط، وكانت التجارب التي أجريت في تركيا الأعلى في تسجيل الفاعلية بنسبة 91 في المائة. ولجأت الشركة الصينية إلى هذه الدول لإجراء التجارب السريرية للقاح، طوال أكثر من شهرين، لكنّ دوريات علمية عدة لاحظت عدم توافر بيانات التحليل النهائية من بعض الدول، أو عدم إعلان نتيجة المرحلة الثالثة من التجارب في الصين نفسها. ويعتمد لقاح "كورونافاك" على تقنية تعطيل الفيروس، التي تعمل على قتل الفيروس من خلال تعريضه للأشعة فوق البنفسجية أو المواد الكيميائية، ثم إدخاله إلى جسم الإنسان، لتحفيز الاستجابة المناعية. ويتسم اللقاح بإمكانية تخزينه لفترة طويلة في درجات حرارة تتراوح بين 2 و8 درجات مئوية، الأمر الذي يجعله لا يتطلب شروط تبريد صعبة لنقله وتخزينه، وكلفة إنتاجه لن تكون كبيرة وفقاً للمفاوضات الجارية حالياً سراً مع مصر.

الصورة

وأوضحت المصادر أنّ الخطر الأكبر الذي يطلّ برأسه على مدى نجاعة حملة التلقيح التي لم تبدأ حتى الآن بشكل فعلي، يتمثل بألّا يتحصل المصريون على اللقاحات إلا بعد تحور الفيروس مرة أو مرتين، بما يمكن أن يؤثر بفاعليتها. ويزيد هذا الاحتمال بسبب عدم اعتماد منظمة الصحة العالمية حتى الآن اللقاحين الصينيين "سينوفارم" و"سينوفاك"، وعدم صدور أيّ بيانات أو تقارير وافية عن نتائج الاستخدام التجريبي من هيئة الدواء المصرية حتى الآن بشأن أيّ لقاح أو علاج.

وكانت مصادر حكومية من مجلس الوزراء ووزارة الصحة، قد كشفت أنّ مجلس الوزراء تلقى مقترحات من بعض رجال الأعمال، ومنهم أشخاص تبرّعوا للدولة لمساعدتها في شراء اللقاحات، بفتح باب الاستيراد المباشر للقاحات بعد إجازتها من هيئة الدواء المصرية، ليتمكنوا من تحقيق ربح يغطي جزءاً من المبالغ التي تبرّعوا بها، وهي الفكرة التي يتحمس لها عدد من قيادات وزارة الصحة ومستشاري الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. لكنّ الجيش المصري باعتباره المتحكم في هيئة الشراء الموحد يرى - حتى الآن - أنّ السماح بدخول لقاحات من دون المرور بهذه القناة الرسمية قد يؤدي إلى خسائر اقتصادية للهيئة، ولذلك يوصي بتأخير الإقدام على هذه الخطوة إلى حين وصول أول شحنات التداول التجاري لتحديد الأسعار، أو صرف النظر عنها نهائياً، على أن تتيح الهيئة لرجال الأعمال والمجموعات الاستثمارية العاملة في مجال الصحة شراء اللقاحات منها بأسعار منخفضة تمكّنهم من تحقيق هامش ربح. 

ويجادل المستثمرون الطامحون إلى المشاركة في عملية الاستيراد في أنّ بإمكانهم الحصول على كميات كبيرة من لقاح "فايزر/ بيونتيك" مع استيراد سلاسل تبريد خاصة به، ما قد يرفع سعره إلى أضعاف الأسعار التي ستحدد لبقية اللقاحات التي من الممكن توزيعها مجاناً في البرنامج الوطني، وهو ما سيزيد بالطبع من الإمكانات المادية المتاحة لهيئة الشراء الموحد.

المساهمون