لبنان: مساعٍ غير رسمية للتثبّت من هوية معتقل محرّر من السجون السورية

06 ديسمبر 2024
صورة للمواطن اللبناني علي حسن علي قبل فقدانه في ثمانينيات القرن العشرين (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تزايدت التساؤلات في لبنان حول تحرير علي حسن علي من سجن حماة السوري بعد 39 عاماً من اختفائه، وعائلته تنتظر تأكيد هويته لاستعادته عبر تركيا، بينما يدعو ناشطون الحكومة اللبنانية للتحرك للكشف عن مصير المفقودين.
- عامر حسن علي يوضح أن الشخص المحرر فاقد للذاكرة، وأنهم يسعون للتأكد من هويته، مشيراً إلى أن المحرر بأمان مع المعارضة السورية، ويأسف لغياب الدولة اللبنانية عن القضية.
- وديع الأسمر يحذر من نشر آمال زائفة حول المفقودين، ويؤكد على ضرورة التأكد من هوية المحررين، داعياً الدولة اللبنانية للتحرك لحماية مواطنيها وضمان عودة المحررين.

تكثر التساؤلات حول صحة المعلومات التي راحت تُتداول في لبنان، منذ يوم أمس الخميس، بشأن احتمال تحرير المواطن اللبناني علي حسن علي من سجن حماة المركزي (وسط سورية)، بعد 39 عاماً على اختفائه. وفي حين تنتظر عائلته تأكيد هويته من أجل استعادته عبر تركيا، راحت تتصاعد مناشدات ناشطين حقوقيين يدعون من خلالها حكومة تصريف الأعمال في لبنان إلى التحرّك الفوري من أجل الكشف عن مصير مفقودين يُظَنّ أنّهم معتقلون في السجون السورية التي فُقد فيها أثر مواطنين لبنانيين كثيرين. وقد رأى هؤلاء أنّ الحكومة غائبة كليّاً عن قضية إنسانية محقّة منذ الحرب الأهلية اللبنانية ومنذ حقبة الاحتلال السوري للبنان.

يُخبر عامر حسن علي، شقيق علي حسن علي، "العربي الجديد"، كيف أنّه شعر بغصّة في قلبه وأدمعت عيناه عندما شاهد تسجيل فيديو المقابلة التي ظهر فيها صحافي سوري إلى جانب شخص يشبه شقيقه، علماً أنّه كان في السادسة من عمره عندما اختفى شقيقه علي. وعلى الفور، أرسل تسجيل الفيديو إلى إخوته وأقاربه لملاحظة الشبه الكبير مع أفراد العائلة. يضيف عامر: "ما إن انتشرت الصور وتسجيلات الفيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أجرينا اتصالات مكثّفة مع ناشطين وجهات معنية في سورية وحماة (تحديداً) للحصول على رقم هاتف الصحافي المذكور. واليوم، تمكّنّا من التواصل مع الصحافي الذي كشف أنّ الشخص الذي كان إلى جانبه معتقل لبناني محرّر بعدما أمضى 40 عاماً في السجون السورية، لكنّه فاقد الذاكرة".

الصورة
صورة متداولة يُزعم أنّها تعود إلى المواطن اللبناني علي حسن علي - حماة - 5 ديسمبر 2024 (إكس)
صورة متداولة لمعتقل محرّر من سجن حماة يُزعم أنّها تعود إلى المواطن اللبناني المفقود علي حسن علي، سورية، 5 ديسمبر 2024 (تويتر)

ويتابع عامر: "لذلك، نحاول الحصول على أيّ معلومة حقيقية أو الوصول إلى أيّ شخص بالقرب منه، لنتحدّث إليه عبر تقنية الفيديو ونسأله عن أسماء والدَينا وأعمامنا وأخوالنا وإخوتي"، مشيراً إلى أنّه "فور التأكّد من هويته، سوف أسافر إلى تركيا لإجراء فحوص الحمض النووي واستعادته"، في حال تبيّن أنّه شقيقه. ويذكر عامر أنّ "أحد الناشطين في سورية أعلمنا بأنّ المحرّر بأمان مع فصائل المعارضة، وقد نُقل بعد قصف الطيران الحربي الروسي. أمّا الصحافي فقد غادر مع المقاتلين، ولم يعد بجواره".

ويأسف عامر لأنّ "الدولة اللبنانية غائبة عن السمع ولعدم توفّر أيّ معلومات رسمية حتى الساعة"، لافتاً إلى أنّ "ذلك الشخص قد يكون بالفعل شقيقي علي الذي اختفى في عام 1985، وهو في السابعة عشرة من عمره". وبحسب ما يفيد، فقد كان شقيقه، علي حسن علي (مواليد 1968) من بلدة تاشع في محافظة عكار (أقصى شمالي لبنان)، "يعمل في مجال ميكانيك السيارات، وكنّا نقيم في مدينة عكار عندما أخبر والدتي أنّه سوف يغادر المنزل للتطوّع في صفوف الجيش اللبناني، وفي حال رُفض سوف يواصل طريقه نحو مدينة صيدا (جنوب) للعمل هناك على أن يعود بعد أسبوعَين. لكنّه لم يعد منذ نحو 40 عاماً، وظلّت والدتي تسأل عنه حتى عام 1987. حينها، قصدها معتقل محرّر من سجن صيدنايا السوري (في محافظة ريف دمشق) وأخبرها أنّ علي موقوف هناك بتهمة انتمائه إلى حركة التوحيد الإسلامي التي نشأت في مدينة طرابلس (شمال) في مطلع ثمانينيات القرن الماضي". ويستهجن عامر قائلاً: "كانوا يكذبون. كيف لشاب يبلغ من العمر 17 عاماً أن ينتمي إلى حزب؟ كانت تلك مجرّد تلفيقات".

الصورة
صورة عمّ المواطن اللبناني المفقود علي حسن علي - عكار - شمال لبنان - ديسمبر 2024 (العربي الجديد)
عمّ المواطن اللبناني المفقود علي حسن علي الذي يُزعَم أنّه شبيه معتقل محرّر من سجن حماة، عكار، شمال لبنان، 2024 (العربي الجديد)

ويحكي عامر حسن علي عن حرقة قلب والدته التي بقيت تقصد دمشق، ولا سيّما المزّة، أحد أحياء المدينة حيث يقع أحد أشهر السجون السورية، على مدى سنوات بحثاً عن ابنها، "وهي لم تترك نائباً ولا سياسيّاً آخر في لبنان إلا وتوسّلته إيجاد ابنها". ويكمل: "نحن سبعة شبّان وأربع شابات، وقد توفي والدي، أبو علي، في عام 1982 برصاصة طائشة في مدينة طرابلس. هو كان يعمل سائق تاكسي (سيارة أجرة)، وكان شقيقي علي هو أكبر الأبناء، ووالدتي تعتمد عليه. فجأة اختفى علي، وبعد نحو ثلاثة أشهر ذُبح شقيق آخر لنا على يد أحد الأحزاب في لبنان. وقد كافحت والدتي لإعالتنا، وعملت في الخياطة وفي محمصة قبل أن تصاب بجلطة وتصير طريحة الفراش. بقيت كذلك لمدّة 13 عاماً حتى فارقت الحياة في عام 2019".

ويشدّد عامر: "لا شيء أصدق من قلب الأم. فوالدتي لم تتوقّف عن تكرار جملتها الشهيرة: علي ما زال يتنفّس. قلبي يقول لي إنّ ابني لم يمت". ويصف شقيق علي حسن علي حالتهم اليوم بأنّها "تتراوح ما بين الأمل والمأساة. العائلة كلّها في حالة صدمة. نحن عدنا إلى نقطة الصفر، بعدما ظننّا أنّ علي توفي في سورية في عام 2011، إذ وردنا حينها أنّه جرى التخلّص من كلّ السجناء القدامى من أجل إيداع سجناء آخرين مكانهم"، ويؤكد "لا نريد اليوم إلا الفرج القريب".

تحذير من نشر أيّ آمال زائفة بشأن لبنانيين في السجون السورية

في الإطار نفسه، يقول رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان وديع الأسمر إنّ "حتى الساعة، يجرى التداول باسم معتقل لبناني واحد من بين السجناء المحرّرين (من السجون السورية) هو علي حسن علي"، مضيفاً "ونحن نتواصل مع العائلة للتأكّد من هويته، لأنّ الصورة (المتداولة) غير واضحة". ويشرح الأسمر أنّ علي حسن علي "اختفى قبل نحو 40 عاماً، ووالدته توفيت، وحتى أشقّاؤه أصغر سنّاً منه ولا يتذكّرون ملامحه جيداً. لذلك يجرى التأكّد من اسم والدته (الشخص المعني) وجنسيّته وهويّته والمعلومات الإضافية عبر التواصل مع الجهات التي حرّرته".

ويلفت الأسمر إلى أنّ "ثمّة تحدياً إضافياً يتعلّق بكيفيّة وصوله إلى لبنان، إذ لا إمكانية لذلك في الوقت الراهن إلا عبر تركيا". ويأسف لأنّ "الدولة اللبنانية، كما العادة، هي الغائب الأكبر. ولم تردنا أيّ معلومة بشأن أيّ تحرّك من قبلها في اتّجاه المعارضة السورية أو النظام السوري"، مشدّداً على أنّ هذا "ملف إنساني وطني، وعلى الدولة اتّخاذ القرارات اللازمة لحماية مواطنيها. ومن غير المقبول بعد 48 ساعة من الحديث عن معتقل (لبناني) محرّر، لم نسمع أيّ تصريح سياسي ولا أمني يتعلّق بإجراءات (ذات صلة بالمتداوَل)".

ويدعو رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان إلى "التريّث وعدم التسرّع لتسجيل سبق صحافي، لأنّنا لا نريد أن ننشر أيّ آمال زائفة بين أهالي المفقودين والمخطوفين. والأولوية الآن هي للتدقيق بهوية كلّ شخص محرّر يُزعَم أنّه لبناني"، موضحاً أنّ "الضرر النفسي على العائلات من جرّاء تأخّر معرفتها بظهور مفقودها ليومَين أو أسبوع من أجل التأكد من هوية شخص ما، يبقى أفضل من نشر أسماء مغلوطة. قد تكون ثمّة أسماء متشابهة، وهو أمر حصل سابقاً". ويتابع الأسمر أنّ "فور تأكّدنا من هوية علي حسن علي (في حال تبيّن أنّه الشخص المحرَّر المتداوَلة صورته)، سوف نبذل قصارى جهدنا من خلال الدفاع المدني السوري والهلال الأحمر التركي واللجنة الدولية للصليب الأحمر من أجل ضمان عودته إلى لبنان". ويلفت إلى أنّ "بدورنا، نتواصل في الوقت الراهن مع عدد من الصحافيين والناشطين في مجال حقوق الإنسان في حماة، ونناشد الدولة اللبنانية تكليف السفير اللبناني لدى أنقرة للتواصل مع المعارضة السورية من أجل التأكّد من هويته وإعادته".

ويكمل الأسمر: "لم تردنا أيّ معلومات بشأن أيّ معتقل (لبناني محتمل) آخر غير علي حسن علي. لكنّ ثمّة لائحة قديمة في حوزتنا تتضمّن أسماء نحو 270 مفقوداً يظنّ أهلهم أنّهم (محتجزون) في سورية، فيما ظهرت لائحة أخرى تضمّ أسماء نحو 600 مفقود في عام 2005. لكنّ تقديراتنا تشير إلى أنّ ما بين 200 و300 مفقود من اللبنانيين والفلسطينيين والأردنيين الذين كانوا يقيمون في لبنان في خلال الاحتلال السوري للبلاد موجودون في السجون السورية".

آمال بجلاء مصير لبنانيين فُقد أثرهم في السجون السورية

في سياق متصل، تعبّر أنجاد المعلم عن أملها الكبير بأن يكون والدها، المفقود في السجون السورية منذ زمن، على قيد الحياة. وتخبر "العربي الجديد" بأنّ "هاتفي لم يهدأ من كثرة الاتصالات التي تردني للسؤال عن أيّ معلومة بشأن والدي المفقود منذ عام 1984 في سجن صيدنايا". تضيف: "عندما وردنا خبر الإفراج عن معتقل لبناني (إشارة إلى أنّ الأمر لم يتأكّد بعد)، ارتجفتُ ورحتُ أتمنّى رؤية صورة والدي محرّراً إلى جانب أيّ صحافي أو ناشط"، مشدّدةً "وأنا متأكدة من أنّني سوف أتعرّف إليه فوراً". وتتابع أنجاد أنّ "إحساس الأخ أو الابنة أو الزوجة أو الأم لا يخيب. وأملي كبير، على الرغم من أنّ المعلومة الأخيرة التي وردتني بشأن والدي تعود إلى ما قبل نحو عشرة أعوام".

وتلفت اللبنانية الذي اختفت أخبار والدها في سورية منذ 40 عاماً، إلى أنّ "الحديث اليوم عن تحرير معتقل لبناني (محتمل) يؤكّد وجود مواطنين لبنانيين في السجون السورية، في حين أنّ الدولة اللبنانية لم تكترث لهذا الملف وأبقته في الأدراج، وقد عُرقل عمل الهيئة الوطنية للكشف عن مصير المفقودين". وتتابع: "اليوم ثمّة بصيص الأمل. ما يهمّ هو عودة أحبّائنا، ولو كانوا فاقدي الذاكرة، إلى أحضان عائلاتهم. نحن نحتسب سنوات الفقدان بالأشهر والأيام والساعات، ونريد مفقودينا ولو كانوا رفاتاً".

بدورها، تقول غادة أبو هيكل، التي فقدت عائلتها أثر شقيقها منذ 39 عاماً، لـ"العربي الجديد" بعد ورود خبر احتمال تحرير مواطن لبناني من السجون السورية، إنّها تشعر بـ"توتّر". ولا تخفي أنّ "ثمّة سعادة تغمرنا" في المقابل، وذلك "بعد أن فُتح باب أمل جديد" بحسب تعبيرها. تضيف أنّ "معنوياتنا ارتفعت وصارت عزيمتنا أكبر. فنحن اليوم متفائلون بالخير وبالفرج، وعسى أن نعرف شيئاً عن أخي فوزت المفقود منذ عام 1985".

دعوة إلى التواصل مع الجهات المعنية في لبنان

من جهة أخرى، أفادت لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان، في بيان أصدرته اليوم الجمعة، بأنّ "خبر تحرير المعتقلين من سجن حماة الذي انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي وفي معظم وسائل الإعلام، أمر في غاية الدقة والأهمية". أضافت أنّ "صدور مثل هذا الخبر، مرفقاً بعدد من الصور عن جهات عسكرية معارضة للنظام السوري، وانتشاره، أثارا موجة عارمة من التفاؤل والبلبلة والقلق لدى جميع أهالي المفقودين، خصوصاً لدى الذين يعتقدون أنّ أحبّاءهم يقبعون في السجون السورية منذ بدء الحرب اللبنانية (1975-1990)".

وشدّدت اللجنة، في بيانها نفسه، على أنّ "نضال لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان من أجل معرفة مصير أبنائهم قد تجاوز العقود الأربعة (42 عاماً)، وأنّ قضية ذويهم هي قضية إنسانية ووطنية جامعة، فهم لم يتوجّهوا خلال هذه السنوات إلا إلى الدولة اللبنانية للقيام بمسؤوليتها والكشف عن مصير أحبائهم أينما كانوا وكائناً من كانت الجهة المسؤولة عن إخفائهم في داخل لبنان أو خارجه". ودعت اللجنة "كلّ من لديه أيّ معلومات أو بيانات جديدة بهذا الخصوص إلى التواصل مع لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان وكذلك مع الهيئة الوطنية الرسمية للمفقودين والمخفيّين قسراً". وأشارت في هذا الإطار إلى أنّها سوف تعقد مؤتمراً صحافياً، في بيروت غداً السبت، تتناول في خلاله "الأحداث الأمنية الأخيرة المتعلقة بالافراج عن المعتقلين في سجن حماة"، إلى جانب مطالبة "الجهات المعنيّة في الدولة اللبنانية إلى التحرّك والقيام بواجباتها تجاه المفقودين وعائلاتهم".

المساهمون