لبنان: لا أجواء حقيقية للفرح والعيد
- شهادات من مواطنين مثل أحمد شبّو ووسام فوعاني تعكس الواقع المؤلم والتحديات اليومية، من فقدان الأحباء في الحروب إلى تراجع القدرة الشرائية وصعوبات تأمين احتياجات العيد.
- قصص متنوعة من اللبنانيين تبرز الأزمات المتعددة من تهجير، فقدان الوظائف، والعيش في ظروف صعبة، مؤكدة على اختفاء الطبقة الوسطى وتفاقم الفقر في البلاد.
رافق مشهد شاحب تحضيرات اللبنانيين لعيد الفطر بعدما تبدّلت أحوالهم وباتوا غير قادرين على إحياء المناسبات مثل السابق. لا بهجة ولا زينة تضاهي أيام ما قبل الأزمة والحرب الإسرائيلية على غزة والاشتباكات في الجنوب، ولا أجواء حقيقية للفرح والعيد. غابت بشكل كبير مظاهر الانهماك في إعداد الكعك والحلويات، واقتصر شراء ملابس العيد على تلك الخاصة بالأطفال، أو على فئة الميسورين تحديداً، أما الأنشطة فتتنوع في عدد من القرى والمناطق، لكنها تبقى محصورة بفئة قليلة من المقتدرين الذين يستطيعون دفع رسومها وتكاليف الطعام والوقود، في حين تحتفل الغالبية الساحقة بالعيد داخل المنازل وتكتفي بمعانيه الأخلاقية ورمزيته الدينية.
في حديثه لـ"العربي الجديد"، يسأل أحمد شبّو، من بلدة برجا (جبل لبنان): "عن أي استعدادات نتحدث، وأي معنى للعيد، ونحن نعيش كل يوم بيومه؟ حال الأعياد حال الأيام العادية، تكفينا هموم الوضع الاقتصادي المتأزم والحرب على غزة والتوترات الأمنية في الجنوب".
يتابع أحمد، وهو أب لولدين ويعمل في مجال المهن الحرة: "لسنا مرتاحي البال لنفكر بالعيد، لكننا نحاول قدر الإمكان أن نفرح قلوب الصغار على الأقل خلال فترة الأعياد، سواء عبر شراء ملابس جديدة أو الذهاب إلى مراكز الألعاب والمطاعم". ويتحسر أحمد على ما آلت إليه الأوضاع، ويقول: "ليكن الله في عون الناس. لا تستطيع عائلات تأمين طعام أو أي قطعة ثياب جديدة لأولادها، أو حتى الخروج إلى أي مكان. الظروف صعبة، وليس أمامنا سوى الأمل بالفرج القريب".
من جهتها، تسرد الطبيبة وسام فوعاني مرارة الواقع، وتقول لـ"العربي الجديد": "عيد بأية حال عدت يا عيد. نحن في حالة حزن دائم منذ ما قبل الحرب الراهنة. استشهد إخوتي الخمسة في حروب سابقة وأحداث متنقلة في الجنوب. العيد في قاموسنا غصّة ومشقات وبكاء عند قبور الأحباء. الفرحة غائبة، خصوصاً أننا في حالة حداد على وفاة ابنة خالتي".
تتابع: "الواقع بالنسبة لي أسوأ بكثير حالياً. تهجّرت مع أهلي من بلدة حولا الحدودية إلى بلدة كفررمان (جنوب). لا عيد في ظل الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية الضاغطة، وفي ظل نزوح العديد من أهالي الجنوب الذين تركوا بيوتهم وأرزاقهم، فكيف لهم أن يفكروا بالعيد أو حتى بشراء ألعاب وثياب جديدة لأطفالهم. كنا نتمنى أن يحل العيد ونحن ننعم براحة البال، لكن السلطة الفاسدة سلبتنا منذ سنوات مظاهر الفرح وكل شيء. لم تعد للعيد أي قيمة، ولا نزال نتوق إلى مسؤولين وطنيين يهتمون بمصالح الناس وشؤون معيشتهم".
ويقول حبيب غندور، من بلدة كامد اللوز (البقاع الغربي)، لـ"العربي الجديد": "يختلف العيد كليّاً هذه السنة بسبب الوضع في غزة وجنوب لبنان. يعيش الأهالي في حالة ترقب وخوف من المجهول. ومن موقعي كتاجر، لاحظت تراجع حركة العمل أخيراً، إذ صارت القدرة الشرائية محصورة بأولئك الذين يعتمدون على دخل من الخارج".
يتابع غندور، وهو أب لثلاثة أولاد: "يعجز كثيرون عن شراء ثياب العيد لأولادهم، ويكتفي البعض بشراء ثياب مستعملة أو ثياب جديدة لأطفالهم فقط. شخصياً ألغيت معظم الولائم فلا إمكانية لأي تبذير، وقد نضطر إلى ترك منزلنا واستئجار شقة في منطقة ثانية أو حتى الهجرة".
أما حلا عبيد، وهي أم لثلاثة أولاد تهجّرت من بلدتها الجنوبية ولا يزال زوجها عاطلاً من العمل منذ ستة أشهر، فتقول لـ"العربي الجديد": "يكون عيدنا بعودتنا إلى بيتنا وأرضنا وبلدتنا، ورؤية أهلنا وأحبائنا بخير. خسرنا كل شيء واستُنزفنا. لا أعياد ولا مناسبات، بل مزيد من القهر والأمراض والحالات النفسية لدى الكبار والصغار".
تتابع: "فرض النزوح أن نعيش مع أبنائنا في غرفة واحدة، وحرم أطفالنا من اللعب وأي متنفس طبيعي آخر، ولم يبق أمامهم سوى اللعب بالهاتف، في حين يتعلمون عن بُعد. كنا في أول أيام العيد نزور المدافن ونقرأ الفاتحة على روح الأحبّة، لكننا حُرمنا حتى من هذه الطقوس، كما تفرقت العائلات وتوزعت على المناطق اللبنانية، ولا يستطيع شخص زيارة آخر لمعايدته".
وتلفت المعلمة بتول المسلماني، من بلدة جديدة الفاكهة (البقاع الشمالي)، إلى أن "تحضيرات العيد تغيّرت كثيراً، فالوضع الاقتصادي لا يسمح بإقامة ولائم أو باجتماع كل العائلة، كما انعكست الحرب في الجنوب سلباً على كل لبنان. الوضع متأزم ومُحزن، الزينة قليلة جداً وبهجة العيد مفقودة، وبالكاد تستطيع العائلات تأمين احتياجاتها اليومية، وحتى ثياب العيد والألعاب باتت هاجساً أمام الأهالي العاجزين عن توفيرها لأطفالهم".
وفي مدينة طرابلس (شمال)، تتحسّر الناشطة غصون العوض، في حديثها لـ"العربي الجديد"، لحلول الأعياد لدى كل طوائف لبنان وفي قلوب المواطنين غصّة، وتقول: "لا يفارقنا الضغط المعيشي والهموم اليومية. صار اللبنانيون فقراء أو ميسورين بعدما اختفت الطبقة الوسطى، أما العائلات التي لا يوجد لديها أي مغترب فتعيش في حالة فقر مدقع".
تتابع: "يعمل زوجي في القطاع العام، وفقد راتبه قيمته الشرائية وسط الغلاء الفاحش الذي حرمنا حتى من أساسيات الغذاء المتوازن خلال شهر رمضان. لم تعد طرابلس أم الفقير، وصار المواطن يزحف زحفاً ويتأرجح بين هاجس الحرب والصمود أو الهجرة. نعيش أزمتين مادية ونفسية، ونلاحظ لجوء كثيرين إلى أدوية الاكتئاب والحبوب المنوّمة، وعيشهم في خوف من انقطاع أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية والأمراض التنفسية في حال اندلعت الحرب".