لبنان: "جريمة ثأرية" تودي بحياة شقيقين وتؤجّج الاحتقان

16 ابريل 2023
الشقيقان المغدوران محسن وعلي عباس العمار (فيسبوك)
+ الخط -

شُيّع، اليوم الأحد، في بلدة مشغرة الواقعة في قضاء البقاع الغربي، شرقي لبنان، الشقيقان علي ومحسن عباس العمار اللذان ذهبا ضحية جريمة قتل مفجعة، وسط محاولات تبذلها فاعليات البلدة والأحزاب فيها لضبط الوضع وتهدئة النفوس.

ثمّة من ربط هذه الحادثة الأليمة بجريمة مروّعة أخرى ارتُكبت في سبتمبر/ أيلول من عام 2022 الماضي، فعُدَّت بالتالي فعل انتقام وثأر. يُذكر أنّه في الجريمة السابقة، قضى إبراهيم محمد شرف وابن شقيقه حسين حسن شرف بالرصاص، بحسب المتداوَل، قبل أن يلحق بهما بعد أقلّ من شهر جعفر عباس شرف ابن شقيق إبراهيم الآخر، في عملية إطلاق نار كثيف بين عائلتَي شرف والعمار.

ويروي مصدر مقرّب من عائلة العمار لـ"العربي الجديد" أنّ "الفقيدَين كانا عائدَين من المتنزّه الذي يملكانه على ضفّة نهر الليطاني برفقة صديق لهما أتى من الجنوب لتقديم التعزية لهما؛ فابن عمّهما توفي قبل خمسة أيام. وفي طريقهم، تعرّض الثلاثة لكمين مسلّح استُخدمت فيه أنواع مختلفة من الأسلحة النارية". ويؤكّد المصدر "ما حدث هو اغتيال حقيقي أودى بحياة محسن وعلي"، مشيراً إلى أنّ "كلاهما في الأربعينيات من العمر، ولكلّ منهما عائلة وأولاد. أمّا الشاب الذي كان برفقتهما، فما زال في العناية الفائقة ووضعه شديد الخطورة".

يضيف المصدر نفسه أنّ "المجرمين فرّوا من دون أن يُصار إلى إلقاء القبض على أيّ منهم، كذلك لم تُداهَم منازل المشكوك في أمرهم من آل شرف، ولم تتحرّك الدولة إلا من خلال نشر عناصر من الجيش اللبناني وتنشيط دورياته". ويتابع أنّ "آل شرف محميّون، فهم يسكنون في منطقة ميدون المجاورة لبلدتنا، علماً أنّهم لم يُطرَدوا من بلدتنا إنّما غادروها بملء إرادتهم".

بالنسبة إلى المصدر المقرّب من عائلة العمار، فإنّ "محسن وعلي قضيا غدراً ودفعا ثمن الجريمة الأولى. إنّها عملية ثأر وانتقام، وقد يكون خلفها أشخاص من خارج آل شرف كذلك، علماً أنّ علي تعرّض سابقاً لمحاولة اغتيال عقب أحداث في سبتمبر الماضي. وقد قُتل الشقيقان أمس، إذ إنّهما كانا يحتكمان دائماً إلى الشرع والقضاء، وكانا من كبار العائلة الساعين إلى الصلح ووقف هدر الدماء".

ويشرح المصدر أنّ "ما يحصل يعود إلى خلافات قديمة بين العائلتَين بدأت قبل خمسة أعوام من دون أن تتمكّن الأحزاب من حلّها. والخلاف الأساسي بدأ عندما نزع شاب من آل شرف عَلم حزب الله عن كتفَي زوجة شاب من آل العمار ينتمي إلى الحزب، ورماه أرضاً. واحتدمت الأمور بين العائلتَين، علماً أنّ كلّ واحدة منهما تضمّ مؤيّدين لحركة أمل وحزب الله (أو ما يُعرَف بالثنائي الشيعي)، فتدخّل حينها محسن عباس العمار لتفادي انزلاق الأمور نحو الأسوأ".

ويكمل المصدر أنّ "المشكلات تواصلت بين العائلتَين لتقع الجريمة الأولى (في سبتمبر 2022) ويروح ضحيتها اثنان من عائلة شرف في حين أصيب ثلاثة من آل العمار بإصابات بليغة". ويأسف لأنّ "الأمر بدأ بخلاف وتضارب وانتهى بجريمة قتل. وبعد نحو 28 يوماً، أصيب علي حسن العمار بـ18 طلقة نارية في كمين، علماً أنّه كان برفقة علي عباس العمار. فاندلعت اشتباكات مسلحة، راح ضحيتها فيها جعفر عباس شرف".

ويلفت المصدر نفسه المقرّب من عائلة العمار إلى أنّ الجميع "في انتظار قرار العائلة لتحديد المطالب. فنحن منذ سبعة أشهر نناشد المعنيين والدولة التدخّل لحقن الدماء، خصوصاً أنّنا سلّمنا المتورّطين في جريمة آل شرف على الفور، بناءً على طلب الأحزاب والسياسيين والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى. لكنّ آل شرف لم يسلّموا مطلقي النار الذين تسبّبوا في إصابات، ومن بينهم مَن حاول سابقاً اغتيال علي عباس العمار الذي تمّ تهريبه".

ويشدّد المصدر على أنّ "لا علاقة للانتماءات السياسية بالجريمة، إنّما الأمر يتعلّق بتخاذل الأحزاب والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الذي خدعنا ولم يُلزم آل شرف بتسليم المطلوبين حينها، الأمر الذي أتاح المجال للقتل المستباح. وها هو المجلس يعود اليوم بعد نحو ثمانية أشهر للاستنكار والدعوة إلى الاحتكام إلى العقل والشرع والقانون".

من جهة أخرى، يفيد مصدر رسمي في بلدة مشغرة "العربي الجديد" بأنّ "الأمور لم تتّضح بعد، ولا يمكننا أن نحسم إذا كانت (الجريمة الأخيرة) عملية ثأر لجريمة آل شرف أم لا. لكنّ أحداً لم يُعاقَب على الجريمة السابقة ولم تُحدَّد حتى هويات مرتكبيها، بحسب ما نعلم. ويبدو الأمر مشابهاً مع الجريمة الحالية، إذ لم تنكشف بعد هويات القتلة، غير أنّه من المحتمل أنّ تكون عائلة الفقيدَين على معرفة بها وقد فضّلت التريّث وعدم إلقاء التهم، إلى حين إصدار بيان في هذا الخصوص".

ويتابع المصدر الرسمي أنّ "ثمّة أكثر من رواية تتعلّق بما حدث. وقد سمعنا كذلك بأنّ مواطناً من الجنوب أتى لتقديم واجب التعزية بابن عمّ الفقيدين، كان برفقتهما حين وقوع الحادثة، وقد يكون هو المقصود على خلفية خلافات شخصية متعلّقة به في منطقته". لكنّه يشير إلى أنّ "هذه الرواية قد تكون فقط لطمأنة الأهالي والرأي العام وتهدئة النفوس وتخفيف الاحتقان. فالأمور متضاربة والروايات عديدة، والأهالي يلتزمون الصمت. إنّها فاجعة ألمّت بالعائلة وخلّفت حالة من الغضب والترقّب في البلدة".

ويقول المصدر الرسمي نفسه إنّ "الاحتقان في البلدة ليس كبيراً، إذ إنّ عائلة الضحايا من آل شرف تركت البلدة قبل أشهر، أي بعد الجريمة الأولى بفترة من أجل تجنّب التوتّر وسفك الدماء، ولم يبقَ منها إلا أولئك غير المعنيّين بالجريمة. كذلك رحل بعض أفراد من آل العمار تفادياً لإزهاق مزيد من الأرواح، علماً أنّ العائلتَين تُعَدّان من العائلات الكبيرة والأساسية في البلدة".

تجدر الإشارة إلى أنّ بلدة مشغرة شهدت سابقاً مساعي لدرء الفتنة من قبل قيادات من "حركة أمل" و"حزب الله" وبعض مشايخ المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، لكنّها باءت بالفشل. وأخيراً، نعت "حركة أمل" الفقيدَين من آل العمار، فيما راحت الجهات السياسية والدينية تدعو إلى "وقف نزيف الدماء وعدم اللجوء إلى الأخذ بالثأر".

وفي سياق متصل، عبّر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي عن استيائهم من "السلاح المتفلّت"، ومن "شريعة الغاب" التي يعيشها لبنان وسط "غياب تام للدولة وآليات المحاسبة"، إلى جانب "تكريس ثقافة الإفلات من العقاب". واستنكر آخرون "اللجوء إلى الثأر" بدلاً من الاحتكام إلى القانون والقضاء، فيما تحسّر بعض من هؤلاء على مشغرة بلدة الفنان زكي ناصيف الذي غنّى "راجع راجع يتعمّر.. راجع لبنان"، وعلى تلك البلدة التي غنّت لها فيروز "يا قمر مشغرة" قبل أن تغرق بالدماء.

المساهمون