لبنان: "المياومون" ضحية الإقفال العام

09 يناير 2021
في زمن الإقفال (حسام شبارو/ الأناضول)
+ الخط -

يرخي قرار الإقفال العام للحدّ من انتشار جائحة كورونا في لبنان، بثقله على العديد من الشرائح الاجتماعية التي باتت دون خط الفقر، نتيجة الظروف الاقتصادية القاهرة وارتفاع معدّلات الفقر والبطالة مثلما هو الحال في كل العالم. فقد تضاعفت نسبة الفقراء لتصل إلى 55 في المائة عام 2020، بعدما كانت 28 في المائة عام 2019. فضلاً عن ارتفاع نسبة الذين يعانون من الفقر المدقع بـ 3 أضعاف من 8 إلى 23 في المائة خلال الفترة نفسها، وفق دراسة لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغربي آسيا (الإسكوا).
ولعلّ العمّال الذين يحصلون على أجرهم بحسب عملهم اليوميّ، أو ما يُعرف بـ"المياومين"، يشكّلون الفئة الأكثر تضرّراً من القرارات الحكومية المتتالية بشأن إقفال البلاد. فالعمّال الذين إن فَتحوا أبواب رزقهم أو قصدوا عملهم، جنَوا قوت يومهم، وإن أغلقوها أو لازموا بيوتهم، سُدّت بوجههم سبل العيش وانعدمت مقوّمات الحياة. فكيف الحال بالإقفال الجديد الذي سيمتدّ لغاية الأول من فبراير/ شباط المقبل؟ والجدير ذكره، أنّ المساعدات الحكومية اقتصرت على تخصيص 75 مليار ليرة لبنانية  (نحو 50 مليون دولار بحسب سعر الصرف الرسمي، وتعادل نحو 9 ملايين دولار بالسعر الفعلي في السوق السوداء) كحزمة مساعدات اجتماعية للمحتاجين. مع العلم، أنّ هذه المساعدات (400 ألف ليرة لبنانية شهريّاً لكلّ عائلة، أي نحو 50 دولاراً بالسعر الفعلي)، والتي بدأ الجيش اللبناني بتوزيعها منذ إبريل/ نيسان 2020، لم تصل بعد إلى كلّ الفئات المستهدفة، وفق ما أفادت به عائلات مسجّلة ضمن قائمة المستفيدين.

توضح وزيرة العمل في حكومة تصريف الأعمال، لميا يمّين، لـ"العربي الجديد"، أنّ "أرقام العمال المياومين في لبنان لم تخضع للإحصاء بشكل دقيق، لكن المصادر الإحصائية الموثوق بها تفيد بأنّها تقارب الخمسين في المائة من اليد العاملة اللبنانية. مثلاً في كهرباء لبنان، ومصلحة المياه، وهيئة "أوجيرو" للاتصالات، وفي العديد من المصالح المستقلة في القطاعين العام والخاص. وبالتالي، فإنّ فقدانهم لعملهم يهدّد الاستقرار الاجتماعي. وكذلك، المياومون يعتبرون الشريحة الأكثر ضعفاً، لأنّهم غير مستفيدين من التقديمات الاجتماعية، والرعاية الصحية، وتعويضات نهاية الخدمة. كما أنّهم أبرز الفئات المتضررة في ظل الضائقة الاقتصادية وجائحة كورونا". وتقول: "نعمد إلى وضع معايير تؤمّن فرص عمل للبنانيين وتعطي الأولوية لحماية اليد العاملة اللبنانية. بالأخص تحديد المهن المحصورة باللبنانيين ونسبة توظيف الأجانب، لأنّ حماية المياومين تمرّ أولاً بعدم منافسة العمالة الأجنبية، لا سيّما إذا كانت هذه المنافسة غير مشروعة. وقد نسّقنا مع النقابات المعنية لحماية حقوق هؤلاء العمال في ظلّ أزمة البطالة". وتذكّر يمين بأنّ "الحكومة أعلنت عبر وزارة الشؤون الاجتماعية، إطلاق برنامج التكافل الاجتماعي لمساعدة العائلات الأكثر حاجة. يشمل في جزءٍ منه المياومين، كسائقي سيارات الأجرة، وصيّادي الأسماك، وعمّال الورش، والميكانيكيّين وغيرهم".
بدوره، يؤكّد المدير التنفيذي لـ"المرصد اللبناني لحقوق العمّال والموظفين" (غير حكومي)، أحمد الديراني، أنّ "مأساة اللبنانيّين لا تقف عند جائحة كورونا، بل تمتدّ لتشمل الانهيار المالي والاقتصادي والسياسي والأخلاقي، الناجم عن المنظومة السياسية الحاكمة. ففي أوروبا، يتّخذون قرار الإقفال بعد تخصيصهم 5 مليارات دولار مثلاً كمساعدات، بينما في لبنان، وعلى كثرة سرقاتهم، لم يتركوا ليرة واحدة للفقير". ويقول لـ"العربي الجديد: "قرار الإقفال أشبه بمقولة: سارحة والرب راعيها. إنّها قمّة اللامسؤولية في ظلّ تعثّر تشكيل الحكومة واستمرار التجاذبات السياسية، والقرارات غير المدروسة، ما يعني سلسلة إخفاقات في القطاع الصحي ومكافحة الجوع والفقر. كما أنّ الإقفال يقع ضحيته العمّال المياومون، إذ يجني معظمهم ما قيمته 30 ألف ليرة لبنانية يوميّاً (نحو 3.5 دولارات وفق السعر الفعلي).

ويقول سائق الأجرة، عماد شهيب: "الناس جاعت ولم تعد قادرة على تحمّل الغلاء الفاحش. يقفلون البلاد ويقطعون رزقنا اليومي المتعثّر أصلاً، فمن أين أعيش وعائلتي؟". ويكشف الأب لثلاثة أولاد، أنّه حصل على المساعدة الاجتماعية مرّة واحدة فقط، بانتظار الأشهر المتبقية. ويسأل: "مَن يعوّض علينا تكاليف المحروقات والصيانة؟ مَن يوقف منافسة السيارات الخصوصية؟ وباب مَن سنطرق، وقد صمّ المسؤولون آذانهم؟". ويتابع في حديثه لـ"العربي الجديد": "بالكاد نجني 30 ألف ليرة لبنانية يوميّاً، ندفع نصفها ثمن محروقات".
ويرى بهاء حيدر، صاحب أحد صالونات التجميل النسائي، أنّ "الإقفال يجب أن يكون إقفالاً تامّاً يشمل الجميع. فقد تبيّن أنّ القرار يقتصر كل مرة على أصحاب المهن الحرة الذين يعيشون على القوت اليومي، وتترتّب عليهم مدفوعات كبيرة تشمل الإيجار واشتراك المولّد الكهربائي ورسوم المياه والبلدية وغيرها". ويقول: "كمصفّف للشعر لم أستطع الاستفادة من الموسم الصيفي، نتيجة قلّة الأعراس وعدم قدرة الزبائن على دفع الأموال على الكماليّات، وإذ بالدولة تطلب منّا الإقفال، بالإضافة إلى أنّ دولتنا الكريمة حجزت أموالنا في المصارف، فهل نموت من الجوع؟".

المساهمون