تتواصل مشقات الأشخاص المعوقين في لبنان في ظل عدم تطبيق قانون "حقوق الأشخاص المعوقين"، أو ما بات يُعرف اصطلاحاً بالقانون 220/2000، والذي يضمن حقهم في الحصول على الخدمات الصحية وإعادة التأهيل، وبيئة مؤهلة، وتوفير المباني والمنشآت والمرافق العامة المناسبة لاستمرار حياتهم بشكل أفضل والكثير غيرها. ويواجه الأشخاص المعوقون في لبنان التهميش والظلم الاجتماعي وعدم توفر فرص العمل، وقد ساهم تفشي فيروس كورونا الجديد في زيادة معاناتهم خصوصاً مع عدم توفر الأدوية والرعاية الصحية اللازمة.
تحكي سارة (26 عاماً)، التي ولدت بإعاقة حركية، عن معاناتها من عدم الحصول على وظيفة في مجال التعليم لمجرد كونها تجلس على كرسي متحرك، علماً أن شهادتها الجامعية في المجال التربوي، والتي حازت عليها عام 2020، تتيح لها ذلك. تقول: "لم أتخرج بسهولة. وكان لدي أمل بأن أتجاوز أرباب العمل كوني مؤهلة. لكن الجواب كان دائماً: لا توجد فرص عمل لدينا، في الوقت الذي تحصل فيه زميلاتي على وظائف في المدارس نفسها التي كنت قد تقدمت إليها بطلب توظيف". تتابع: "لطالما حلمت بالتخرج وكسر الصور النمطية المتعلقة بالأشخاص المعوقين. أردت كسر القاعدة والاندماج لكن الواقع بدا مختلفاً. ومع تردّي الوضع الاقتصادي، أصبحت الأمور أكثر سوءاً. وفي الوقت الحالي، أرغب في العمل في أي مهنة لتأمين مصروفي ولو بالحد الأدنى". وتسأل: "هل هذا ما أرادته الدولة والمجتمع لنا؟".
وعن يومياتها، تقول: "خلال فترة تفشي كورونا، تغيرت يومياتي تماماً. وبسبب معاناتي من نقص المناعة، صرت أكثر انعزالاً، واضطر أهلي إلى البقاء في المنزل وعدم لقاء أحد بهدف حمايتي. في الوقت الحالي، أصبح الخطر أقل بعدما حصلت على اللقاح. لكن الحذر موجود دائماً، وحاولت خلق روتين يومي مسل كي لا أقع فريسة القلق والأسئلة التي قد تؤذيني. فالحزن والحسرة على وضعي وما آلت إليه الأمور لن يفيداني إطلاقاً". تضيف: "بسبب انقطاع التيار الكهربائي، وعدم القدرة على الاشتراك بالمولد الكهربائي للمصعد، قد تمر عليّ أيام أعجز فيها عن الخروج من المنزل حتى لو كان الوضع متعلقاً بصحتي". وتقول: "ما نعانيه غير إنساني على الاطلاق. هل يمكن للإنسان أن يُظلم فقط لأنه من الأشخاص المعوقين؟".
من جهتها، تقول الناشطة والمدافعة عن حقوق الأشخاص المعوقين، آمال الشريف، إنّ "ما يعيشه الأشخاص المعوقون في لبنان من إهمال وتجاهل من قبل السلطة لقضيتهم وأوضاعهم الخاصة مستمر منذ عقود طويلة، على الرغم من الوعود الكثيرة وإصدار قانون من دون أن يطبق من قبل السلطات أو وضع آليات لتنفيذه على كافة أراضي الدولة. وخير دليل هو المهزلة التي تحصل لدى كل استحقاق انتخابي، إذ تلجأ السلطة إلى حمل الأشخاص المعوقين على الأدراج بطريقة مهينة وتعريضهم لخطر السقوط. وفي حال أردنا التصويب على تأثير الأزمة الحالية، فقد خسر كثيرون عملهم بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، الأمر الذي انعكس على أوضاعهم الصحية والنفسية والاقتصادية".
وتعكس حكاية سعاد الرشيد التي ولدت بتشوه خلقي في الأطراف، الوضع المعيشي السيئ الذي يعاني منه الأشخاص المعوقون، إذ تعمل في إحدى المؤسسات الرعائية براتب 700 ألف ليرة (الدولار يساوي نحو 27 ألف ليرة لبنانية بحسب سعر الصرف في السوق السوداء) لتغطية نفقاتها وقسط جامعتها ومصاريف سيارتها. تقول إنها تضطر إلى التغيّب عن العمل في الأيام التي لا يتوفر فيها ثمن الوقود إلا أنها تحسم من راتبها. "فهل لنا أن نتخيل أن راتب الشخص المعوق في لبنان يساوي ثمن صفيحتي وقود وإن لم يحضر يقتطع بدل يومه من الراتب؟".
لطالما سعت سعاد إلى تحقيق طموحها وإتمام تعليمها الجامعي. إلّا أنّ "صعوبة المعيشة وبُعد المسافة بين محافظة عكار (شمال لبنان) حيث تقيم ومدينة طرابلس (شمال) حيث جامعتها، يتطلب موازنة إضافية وعدم توفرها يؤثر على تخرجها. وإذا سلمنا جدلاً بالتعليم عن بعد، فلا كهرباء ولا دخل يكفي للاشتراك بالمولد الكهربائي". تضيف: "يتحمّل مسؤولية مصاريف المنزل أكثر من شخص. لكن في ظل الغلاء الحاصل، تنحدر الأمور إلى الأسوأ. نحاول قدر المستطاع تقليص المصاريف والأطعمة واستخدام المدفأة بدلاً من الغاز. حتى إنّ الجمعيات الخيرية كانت غائبة ولم ترسل أي مساعدة طوال الفترة الماضية إلا مؤخراً. لكن هل سنستطيع الاستمرار في هذه المعاناة بعد انهيار الليرة اللبنانية وعدم تعديل الراتب والغلاء الفاحش؟".
في هذا السياق، تقول الشريف: "مع بداية أزمة كورونا، قدمت وزارة الشؤون الاجتماعية، وتحت إشراف الجيش اللبناني، مبلغ 400 ألف ليرة لبنانية لكل حاملي بطاقة معوق مرتين أو ثلاث مرات. لكن مع تفاقم الوضع الاقتصادي وتراجع كل الخدمات، لم تطلق وزارة الشؤون الاجتماعية أو الحكومة اللبنانية خطة طوارئ لمساعدة الأشخاص المعوقين مادياً أو صحياً. ولم يبادر أحد من الدولة إلى تسهيل حصول الأشخاص المعوقين على الوقود، وخصوصاً أن معظمهم يتنقل بسيارات خاصة مجهزة".
من جهة أخرى، يقول عضو الهيئة الوطنية لشؤون المعوقين إبراهيم عبد الله: "معاناتنا الحقيقية كأشخاص معوقين بصرياً في هذا البلد هي التوظيف بالدرجة الأولى. قسم كبير من هؤلاء، وعلى الرغم من حصولهم على شهادات، إلا أنهم عاطلون من العمل، أو يعملون بوظائف لا تليق بشهاداتهم. وإذا أردنا التحدث عن مشاكل الأشخاص المعوقين بشكل عام، هناك العديد من العقبات التي تواجههم، أهمها الرعاية الصحية وتوفير الأدوية". يضيف أن "معظم الأشخاص المعوقين يتناولون عدداً من الأدوية التي أصبحت غير متوفرة حالياً وأسعارها تفوق قدرتهم. كما أنّ المستشفيات لم تعد تستقبل المرضى المعوقين إلّا إذا كان الدفع نقداً".