تطرح عودة تلاميذ المناطق المتضررة من زلزال المغرب إلى مؤسساتهم التعليمية ومدارسهم المتنقلة، تحديات تربوية وبيداغوجية عدة، وسط مخاوف من الآثار النفسية والاجتماعية على تحصيلهم العلمي، وخصوصاً أن كثيرين لا يزالون تحت تأثير الصدمة ومشاعر الإحباط، من جراء فقدان معيلهم، أو بعض أفراد أسرهم، أو أقرانهم، وهدم منازلهم ومدارسهم.
كما يواجه المعلمون والأساتذة تحديات كثيرة من أجل المساهمة في اندماج الطلاب، وتعزيز ثقتهم في المستقبل، وإبعاد فكرة الانقطاع عن المدرسة، واستعادة تركيزهم وانتباههم داخل الفصول. ولا يزال عدد الأطفال المتضررين غير واضح. وتشير تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) إلى أن حوالي 100 ألف طفل قد تأثروا بالزلزال القوي الذي ضرب المغرب.
يقول نبيل، وهو أستاذ مادة اللغة العربية في الثانوية التأهيلية الفضيلة بإقليم تارودانت، لـ "العربي الجديد" إن "العودة إلى الدراسة هذا العام تتسم بظروف خاصة، من جراء الزلزال الذي ضرب البلاد، وخلف ضحايا بينهم معلمون وتلاميذ. لذلك، فإن مسؤوليتنا الآن أضحت مضاعفة للقيام بدورنا، والشد على أيدي التلاميذ، وتعزيز ثقتهم وأملهم في المستقبل، وتبديد مشاعر الخوف والقلق الشديد لديهم".
ولا يخفي حزنه وألمه بفقدان حوالي 15 تلميذاً قاسمهم طموحات وأحلام لم يكتب لها أن ترى النور، ودفنت تحت أنقاض ذكرى أليمة.
بدوره، يوضح يوسف الذي يدرّس مادة علوم الحياة والأرض، أن "معظم التلاميذ الذين عادوا إلى مقاعد الدراسة حالياً لا يزالون تحت وطأة الصدمة، بسبب فقدان أهلهم أو أقرانهم، أو لصعوبة استيعاب ما مر عليهم من أحداث مأساوية تئن لحملها الجبال". ويتحدث عن "تأثر بعضهم بفقدان أقرانهم"، لافتاً إلى موت 12 تلميذاً كان يدرسهم في إعدادية تيزي نتاست بإقليم تارودانت، شاركهم اللحظات الإنسانية والأنشطة، بحكم أن السكن كان قريباً من المؤسسة. ويضيف أن كثيرين كانوا يحلمون بحمل مشعل التعليم، أو أن يصبحوا فنانين ورسامين مشهورين تجوب لوحاتهم العالم.
وخلّف الزلزال الذي ضرب المغرب في 8 سبتمبر/ أيلول الجاري مئات الضحايا، وتضرر 60 ألف تلميذ مغربي بشكل مباشر، وفق ما أعلن وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى، الأربعاء. بالإضافة إلى أضراراً واسعة النطاق بالمدارس وغيرها من البنى التحتية، إذ تضررت منه 1050 مؤسسة تعلمية منها 60 مدرسة انهارت بالكامل والباقي بدرجات متفاوتة في أقاليم الحوز وشيشاوة وتارودانت.
ولضمان استمرارية العملية التعليمية، عمدت السلطات إلى تجهيز خيام وتحويلها إلى فصول دراسية في المناطق المتضررة بإقليم الحوز، بالإضافة إلى نقل تلاميذ تضررت مؤسساتهم التعليمية إلى مدارس داخلية بمدينة مراكش لمواصلة الدراسة.
في هذا السياق، تقول زهرة، وهي معلمة في المرحلة الابتدائية بإقليم الحوز، باشرت عملها داخل إحدى هذه الخيام، لـ "العربي الجديد"، إن "الصغار عادوا مثقلين بالفقدان، ملامحهم حزينة وقلوبهم مكلومة بالألم، كما أن الخيمة بالنسبة إليهم فضاء جديد للتعلم، لكنهم يندمجون تدريجياً وهذا دورنا ورسالتنا. إنه عام ثقيل على الجميع، لكن الحياة يجب أن تأخذ مجراها الطبيعي".
أما السعدية عكي التي انتقلت من مؤسستها المتضررة إلى الثانوية التأهيلية الداخلة - أولاد برحيل في إقليم تارودانت، فلم تستطع أن تحبس دموعها وهي تتذكر الأصدقاء الذين لقوا حتفهم من جراء الزلزال. وتقول: "كثيرون رحلوا، منهم صديقات مقربات لي أحتفظ بصوري معهن وذكرياتنا المشتركة. قضينا سنوات معاً بحكم السكن في الداخلية (سكن الطلاب)، وكنا يوم وقوع الزلزال معاً للتسجيل واستئناف الدراسة. كانت لنا أحلامنا الصغيرة لكن قدر الله وما شاء فعل. علينا الآن استئناف دراستنا في فضاء جديد، والتعاون مع بعضنا البعض بهدف النسيان والتحصيل العلمي لتحقيق أهدافنا"، مضيفة أنها تحلم أن تصبح صحافية أو مقدمة أخبار.
إلى ذلك، يقول الباحث في الشؤون التربوية والبيداغوجية جواد حنافي، لـ "العربي الجديد"، إن "المتعلمات والمتعلمين العائدين من فاجعة الزلزال ينبغي أن يعاملوا معاملة بيداغوجية وتربوية وإدارية خاصة، تندرج في إطار بيداغوجيا الأزمات، لأن هول الصدمة النفسية والاجتماعية والاقتصادية أكثر مما نتصوره". يتابع: "على الدولة ووزارة التربية والتعليم بشكل خاص، والأطر التربوية والإدارية، أن تكون في المستوى المناسب والمطلوب بما يلائم الظرف الاستثنائي".
ويشير إلى ضرورة تمتع رجال التعليم والطاقم الإداري بالكفاءة، والاعتماد على الوسائل التنشيطية المناسبة الكفيلة بجعل الطلاب يندمجون بحب في العملية التعليمية. كما يشدد على أهمية تقديم الدعم النفسي لهم من قبل هيئات تربوية (هيئة الدعم) وأطباء نفسيين، لتخفيف هول الصدمة، ومساعدتهم على النسيان، والابتعاد عن مشاعر الاكتئاب والحزن، والعمل على دمج التلاميذ مع أقرانهم في مؤسسات أخرى حتى لا يعانوا من العزلة.
كما يوضح حنافي أنّ "الوقت حان لأن تفتح الوزارة بابها في إطار التداول وتقاسم التجارب، ولما لا تخصيص جوائز للمبدعين والمبتكرين لإنتاج بيداغوجية مناسبة ومحكمة، تفيد في الأزمة الراهنة المرتبطة بالزلزال وتداعياته على المستوى التربوي والمنظومة التعليمية بشكل عام".