منذ نحو عشرين شهراً، يتابع الطبيب الروسي يفغيني ريابكوف احتضار مصابين بكوفيد-19 في المستشفى حيث يعمل في العاصمة موسكو، حيث يسجّل الوباء انتشاراً كبيراً كما في كلّ أنحاء روسيا.
ويؤكّد ريابكوف أنّ كثيرين هم المصابون الذين يعبّرون عن ندمهم لرفضهم تلقّي اللقاحات المضادة لكوفيد-19. ويشير ريابكوف، لوكالة "فرانس برس" في خلال زيارة قبل أيام لوحدة كوفيد-19 في معهد "سكليفوسوفسكي" بوسط العاصمة الروسية، إلى أنّ هؤلاء المرضى يحاولون التبرير "فيقولون إنّهم كانوا يريدون القيام بذلك في الغد". يضيف: "لكنّ غداً حلّ اليوم لسوء الحظ".
وتشهد روسيا في الأسابيع الأخيرة ارتفاعاً كبيراً في عدد الوفيات الناجمة عن كوفيد-19. وقد سجّلت اليوم السبت عدداً قياسياً جديداً بلغ 1075 وفاة في خلال 24 ساعة، بالإضافة إلى 37 ألفاً و678 إصابة. وبذلك بلغ العدد الإجمالي للوفيات بكوفيد-19 في روسيا 229 ألفاً و528 وفاة، وهو الأكبر بين المسجّل في دول أوروبا. لكنّ هذه الأرقام أقلّ من الواقع، لأنّ الوكالة الروسية للإحصاء (روستات) أشارت إلى أكثر من 400 ألف وفاة في نهاية أغسطس/ آب الماضي، وفي مواجهة الموجة الرابعة من الوباء منذ الصيف مع انتشار متحوّر دلتا من فيروس كورونا الجديد، تأخرت السلطات في التحرّك.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أمر، يوم الأربعاء الماضي، بأسبوع عطلة في البلاد ابتداءً من الأوّل من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل في محاولة منه لكبح الوباء. لكنّ السلطات ما زالت ترفض قيوداً أكبر في الوقت الحالي، خوفاً من إضعاف الاقتصاد. وفي شوارع موسكو التي تُعَدّ بفارق واسع أكبر بؤرة لانتشار الفيروس في روسيا، ما زالت أبواب الحانات والمطاعم والمقاهي مفتوحة، في حين لا يلتزم السكان بالكمامات ولا تراقب السلطات المعنية هذا الموضوع. أمّا التحصين فيتقدّم ببطء شديد في مواجهة الحذر التقليدي للروس، وقد تلقّى بالكاد ثلث الروس اللقاح عندما طُرح "سبوتنيك-في" أوّل لقاح وطني في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2020.
وإزاء هذا الوضع، لا يخفي ريابكوف الذي يقف في الخطوط الأمامية منذ أيام، شعوره بالإحباط. ويقول الطبيب البالغ من العمر 54 عاماً: "عندما أقوم بجولة بالسيارة، أرى أشخاصاً بلا كمامات، كباراً وصغاراً، وهذا يثير غضبي لأنّني أعمل معهم. للأسف، هم لا يفهمون". يضيف أنّه "في هذه الحالات، أشعر برغبة في الصراخ"، فهو سبق أن خسر خمسة من زملائه أودى كوفيد-19 بحياتهم.
من جهته، يؤكد رئيس وحدة العناية المركزة في المستشفى نفسه ألكسندر تشاكوتكو أنّه واثق بجدوى اللقاح المضاد لكوفيد-19. ويقول، لوكالة "فرانس برس"، إنّ "التحصين وحده قادر على التغلب على المرض"، مؤكداً "نحن في حاجة إلى مسؤولية اجتماعية".
وفي هذا الإطار، تعترف مريضة عالجها تشاكوتكو، وهي مهندسة معمارية تُدعى أولغا ريجكو وتبلغ من العمر 51 عاماً، بأنّها أرجأت تلقّيها اللقاح مرّات عدّة مع أنّها ليست من معارضي التحصين، مؤكدة أنّها مَدينة بحياتها لأطبائها إلى الأبد. وتقول: "ما كنت هنا لو أنّهم لم ينقذوني".
لكنّ الحظّ لم يسعف آخرين. فجارة أولغا ريجكو في غرفة المستشفى توفيت قبل يومَين فقط. وفي غرفة العناية المركزة، مريض آخر يدعى أناتولي بولياكوف هو شرطي متقاعد نُقل إلى هذا القسم قبل أسبوعَين. هو أيضاً لم يتلقّ اللقاح، ويخبر أنّه كان ينتظر مع زوجته وصول لقاح "قويّ". يضيف بأسف: "انتظرنا وانتظرنا طويلاً، وهذا ما جنيناه". وأقسم بولياكوف بأنّه إذا غادر المستشفى حيّاً فسوف يبلغ "الجميع" بضرورة تلقّي اللقاح في أسرع وقت ممكن.
ويرفض الأطباء المنهكون في وحدة كوفيد-19 إطلاق تكهّنات حول النهاية، في محاولة لاستمداد بعض القوة. ويتذكّر ألكسندر تشاكوتكو المتخصّص في الإنعاش أنّه "في خلال الموجتَين الأولى والثانية، قال بعضنا لبعض إنّه يتوجّب علينا الصمود لفترة أطول قليلاً ثمّ سوف نعود إلى حياة طبيعية". يضيف: "لكنّنا لم نعد نفكّر في الأمر الآن، لأنّ هذه حياة طبيعية الآن بالنسبة إلينا".
(فرانس برس)