قبل أيام قليلة من نهاية أغسطس/ آب الجاري، أعلنت الحكومة المصرية ظهور إصابات بالمتحوّر "دلتا" من فيروس كورونا في مصر منذ يوليو/ تموز الماضي. جاء ذلك في مؤتمر صحافي عقدته وزيرة الصحة هالة زايد لإعلان وجود المتحوّر "دلتا" في مصر. وصرحت: "ليس دلتا أصعب من السلالات الأولى، لكنه أسرع انتشاراً فقط، ما رفع عدد المصابين في الموجة الرابعة". وتوقعت أن "يشهد النصف الثاني من سبتمبر/ أيلول المقبل ارتفاعاً كبيراً في إصابات دلتا، لأن هذه الفترة ستشهد ذروة الموجة الرابعة للفيروس، ليس في مصر فقط بل في كل البلدان المجاورة".
للوهلة الأولى، لم يكترث المصريون بهذا الإعلان "المتأخر" بلا داعٍ، وتعامل كثر مع الوضع الحالي للوباء الحالي باعتباره "تحصيلاً حاصلاً". لكن أطباء ومواطنين أبدوا أيضاً تخوفهم الكبير من مدى فعالية اللقاحات المتوفرة في مصر، وقدرتها على مقاومة المتحور الجديد، علماً أن نسبة الملقحين في البلاد لا تزال ضعيفة جداً مقارنة بدول عربية أخرى.
صحيح أن الحكومة حاولت حل هذه الأزمة جزئياً عبر إتاحة فرصة التسجيل للحصول على اللقاح في عدد من مكاتب البريد في المدن والمحافظات، لكن هذا الحل لم يحقق النتائج المنشودة، إذ لم تتجاوز نسبة الحاصلين على جرعة واحدة على الأقل من أي لقاح 4 في المائة من إجمالي عدد السكان أو إجمالي الفئات المستهدفة.
تلقيح وندم
يجمع مهتمون في الشأن الصحي على أن حالات العدوى الجماعية أصبحت أوسع انتشاراً في مصر مقارنة بالموجات السابقة. وهو ما أبلغه طبيب للصحافية المصرية س.خ. حين زارت عيادته قبل أيام بعدما أصيبت مع كل أفراد أسرتها بفيروس كورونا. واللافت أن س.خ. اكتشفت إصابتها بالفيروس صدفة لدى تحضيرها أوراقها التي تضمنت فحص كورونا (بي سي آر) استعداداً للسفر. ثم تبين إصابة والديها وشقيقها بالفيروس التاجي.
واعتقدت س.خ. أن كابوس كورونا انتهى بحصولها على جرعتي اللقاح، لكنه عاودها مجدداً بعد إصابتها مع أفراد أسرتها. وتحسّن وضعها الصحي مقارنة بباقي أفراد أسرتها بتأثير نيلها اللقاح، لكنها قلقة جداً على وضع والديها الكبيرين في السن، علماً أن والدها من المدخنين. تقول: "تمنيت لو أجبرتهم على تلقي اللقاح. أشعر بندم شديد، ورغبة في حمل مكبر صوت لأنادي على الناس من أجل الإسراع في أخذ اللقاح".
"بؤر" المراكز الرسمية
يترافق القلق من قلة عدد المحصنين باللقاحات، مع خوف من نوع آخر يرتبط بتحول بعض مراكز التطعيم إلى بؤر لانتشار العدوى، وذلك استناداً إلى شهادات أدلى بها كُثر خلال الأسابيع الماضية باستخدام حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ووثقوها بصور ومقاطع فيديو، وخصوصاً أولئك الذين توجهوا إلى مراكز تلقيح المسافرين التي تعتمدها الحكومة، وتطعموا بلقاح "جونسون أند جونسون" بجرعته الواحدة، أو الذين قصدوا إدارة التراخيص في وزارة الصحة، الجهة الوحيدة المخولة ختم شهادة الحصول على الجرعات الكاملة من اللقاحات، واعتمادها للسفر.
ومن المخاوف التي نقلها أطباء عدم استكمال تطعيم الأطقم الصحية، والتخبط في إخضاع الفئات المستهدفة لأولوية أخذ اللقاح، وإلزامهم بهذا الأمر. فرغم أن وزارة الصحة اشترطت لدى إطلاقها مطلع مارس/ آذار الماضي المنظومة الإلكترونية الخاصة بالتسجيل من أجل أخذ اللقاح، توفيره لسبع فئات أساسية، بدءاً بالأطقم الطبية، ومروراً بأصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن المقسمين إلى فئات، وانتهاءً بالعاملين في قطاع السياحة وبعض القطاعات الاقتصادية، لكن هذه الشروط لم تنفذ.
لا أرقام للقاحات الأطباء
كذلك، لا يزال عداد الوفيات بين الأطقم الطبية في مصر يتزايد، وصولاً إلى 588، بحسب آخر إحصاء أصدرته النقابة العامة لأطباء مصر. واللافت عدم إعلان نسبة الحاصلين على اللقاح من الأطقم الطبية في مصر، ما يجدد الأسئلة المطروحة حول أولويات التلقيح خلال الشهور المقبلة وآليات إلزام أخذه، خصوصاً بعد طرحه بلا شروط ولا قواعد منظمة لكل من يحمل جواز سفر سارياً حتى لو لم يكن ينوي السفر، وبعد دعوة الحكومة جميع العاملين والطلاب في الجامعات وأولئك في وزارة التربية والتعليم للتسجيل والحصول على اللقاح قبل بدء العام الدراسي.
ولا بدّ من الإشارة إلى أن عدداً قليلاً فقط من مراكز تطعيم المسافرين اشترطت الاطلاع على تأشيرة السفر وتذكرة الطيران لطالب اللقاح، بحسب ما أفاد عدد ممن حصلوا على اللقاح المخصص للمسافرين في أكثر من مركز.
جدل الصحة والحرية
وإذ يبدو جلياً عدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بوضع الأطقم الطبية تحديداً، تنقسم الآراء بين مؤيدي إلزامية الحصول على اللقاح للفئات الأساسية في المجتمع، المتمسكين بالرأي الطبي المعمول به تاريخياً، ومحوره أن إلزام التطعيم النقطة الأساس في أزمنة الأوبئة والأمراض.
ويؤكد هؤلاء أن إلزام التطعيم لا يعني التعدي على الحرية الشخصية، لأن حدودها بالنسبة إلى الفرد هي صحته وليس صحة المجتمع والمصلحة العامة.
أما معارضو إلزامية التطعيم فيتفقون مع المؤيدين في ضرورة فرض التطعيم لمكافحة أي وباء، لكنهم يتمسكون بفكرة أن وباء كورونا ذات خصوصية تتمثل في أن اللقاحات المتوفرة لمكافحته صنعت كلها بترخيص طوارئ استثنائي، لأن ظروف الجائحة لم تسمح بمرور اللقاحات بكل المراحل المطلوبة للتأكد من سلامتها ومقدار درجة الأمان فيها، من هنا يوقّع متلقي اللقاح على إقرار بعدم مسؤولية الدولة ولا الشركة المصنعة عن أي مضاعفات مفاجئة وخطرة قد تحدث.