يأتي دور مصر في تنظيم قمة المناخ "كوب 27" بعد المغرب (2001، و2016)، وقطر (2012). ويهدف المؤتمر إلى إيجاد حلول تتيح تكيّف البشرية مع التغيّر المناخي، وتندرج ضمن جدول أعماله مناقشات حول تمويلات أكثر، وتعاون أكثر، وطاقة أحفورية أقل.
بالنسبة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن هذه تحديات يتعيّن التركيز عليها في منطقة تشهد فوارق اقتصادية كبيرة، وتتعدد فيها النزاعات المسلحة، ويبدو تجاوز الارتهان إلى الطاقة الأحفورية صعباً. لكن آثار التغيّر المناخي باتت حقيقة واقعة في المنطقة أكثر من أي مكان آخر، وهي حقيقة تفرض على الدول والمجتمعات التكيّف للحدّ من التأثيرات الضارة.
تؤكد تقارير متعاقبة للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ (IPCC) على تقديم حالة بحث علمي تَنسِب فرضية ارتفاع حرارة الغلاف الجوي إلى انبعاث الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري، والناجمة عن أنشطة بشرية. يولّد هذا الارتفاع في درجات الحرارة تغيّراً مناخياً أضحت تداعياته ملموسة، لكن تأثيره على مختلف أنحاء الكوكب غير متماثل.
إذا استثنينا المناطق القطبية والمناطق الجبلية العالية، فإنّ منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط من بين الأكثر عرضة للاضطرابات المقبلة. لكن ما هو نصيبها من المسؤولية عن هذه الظاهرة؟ وهل من معنى لمفهوم المسؤولية في ظلّ الفوارق الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة بين هذه الدول، وضمن كلّ دولة منها؟
الشرق الأوسط من بين أكثر مناطق العالم عرضة للاضطرابات المناخية
في عام 2019، انبعث من كوكب الأرض 34 مليون كيلو طن من ثاني أوكسيد الكربون، ونتجت 7 في المائة من هذه الانبعاثات، أي 2.5 مليون كيلو طن، من دول منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط. الاختلافات كبيرة بين اليمن الذي انبعث منه 11 ألف كيلو طن، وإيران بانبعاثات بلغت 630 ألف كيلو طن، ما يجعل من الأخيرة سادس مصدر للانبعاثات عالمياً.
مقارنة بالدول الكبرى الملوِّثة مثل الصين والولايات المتحدة الأميركية والهند، فإن لدول منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط نصيب متواضع نسبياً. ومع ذلك، إذا ما نظرنا إلى الانبعاثات لكل فرد، فإنّ الحصيلة أكثر قتامة. في الواقع، 6 من الدول العشر الأولى في ترتيب انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون لكل فرد، هي من دول الخليج العربي.
نلاحظ مرة أخرى تباينات كبيرة بين 0.4 طن للفرد بالنسبة إلى اليمنيين في مقابل 32 طنا للفرد بالنسبة إلى القطريين؛ فيما يصل المعدّل في المنطقة إلى 5.6 أطان للفرد، بينما المعدّل العالمي 4.5 أطان للفرد.
نلاحظ أيضاً الارتباط بين انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون ومستوى الثراء. إذ يبلغ الناتج الداخلي لكل ساكن في اليمن 690 دولاراً في السنة، فيما يصل إلى 60 ألف دولار سنوياً في قطر، أي 90 ضعفاً، بينما يبلغ المعدّل في المنطقة حوالي 7700 دولار في السنة، وقد اخترنا تلك الحالات لتصوير التباين.
يمكن للتطوّر المُدُني أن يفسّر أيضاً النصيب المتنامي من الانبعاثات. فقطاع البناء النهم لمادة الخرسانة 15 في المائة من إنتاجه العالمي موجود في الشرق الأوسط، ونمط العيش الحَضَري له نصيب كبير أيضاً، فاستخدام تكييف الهواء المفرط غالباً، بالإضافة إلى استهلاكه الكهرباء، يبعث غازات دفيئة نشطة، وخصوصاً الهيدروفلوروكربون.
إلّا أنّ احتراق الوقود الأحفوري، أثناء الاستخراج أو لتلبية احتياجات الطاقة، هو الأكثر بعثاً لهذه الغازات، وتلعب منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط دوراً مركزياً هنا، إذ يوجد فيها ما يقارب 65 في المائة من احتياطات النفط، كما أنّ 7 من أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" الـ13 هم من دول المنطقة، ويمثّل الاعتماد على الريع النفطي عقبة يتعيّن على هذه البلدان تخطيها إذا ما أرادت النجاح في التحوّل البيئي.
بدأت تأثيرات التغيّر المناخي تظهر في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط بين عامي 1960 و1990، إذ ارتفعت درجة الحرارة بمقدار 0.2 درجة مئوية كل عشر سنوات، ثمّ تسارع النسق منذ ذلك الحين، والمنطقة تعرف مناخات وطبيعة متنوعة على النطاق المحلي رغم أنّ الجفاف هو سمتها الأساسية، لكنها باتت تميل نحو ارتفاع في درجات الحرارة، وضغط متزايد على الموارد المائية، وزيادة في عدد الظواهر المناخية وشدتها، مثل الجفاف، والفيضانات، إضافة إلى ارتفاع متوسط مستوى سطح البحر.
توقعات بارتفاع حرارة الشرق الأوسط بين 3 إلى 4 درجات مئوية بحلول 2050
خلال مؤتمر باريس (15 COP)، توقع خبراء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ زيادة في درجات الحرارة العالمية تراوح بين 2 و4 درجات مئوية بحلول عام 2050، وبفعل بيئتها، يُفترض أن تشهد منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط ارتفاعاً أكبر. إذ يُتوقّع أن ترتفع درجات الحرارة بمعدل 3 إلى 4 درجات مئوية في سيناريو ارتفاع عالمي بدرجتين، وأن يصل هذا المعدل إلى 8 درجات مئوية في سيناريو ارتفاع عالمي بـ4 درجات، وسيتركز معدل ارتفاع الحرارة في أشهر الصيف، ما يثير مخاوف تعدد موجات الحر، وستكون المناطق الصحراوية في الجزائر والسعودية والعراق في الخطوط الأمامية على جبهة الاحتباس الحراري.
ويتوقع خبراء المناخ أن يبلغ معدل درجات الحرارة في الليالي الأكثر حرارة حالياً أقل من 30 درجة مئوية. ويفترض أن يتم تجاوز هذه العتبة بحلول 2050، وفي سيناريو الارتفاع بـ4 درجات مئوية، قد تصل إلى 34 درجة بحلول نهاية القرن، ويُفترض أن تقارب درجات الحرارة القصوى، التي تبلغ 43 درجة مئوية حالياً، 47 درجة مع انتصاف القرن الحالي، و50 درجة مئوية في عام 2100 في السيناريو الأكثر تشاؤماً.
منذ بداية القرن الواحد والعشرين تدوم موجات الحرارة ما معدّله 16 يوماً، ويفترض أن تبلغ مدّتها بحلول عام 2050 ما بين 80 إلى 120 يوماً، وحتّى 200 يوم إذا ما زادت الحرارة العالمية بـ4 درجات مئوية.
المؤشرات المتعلّقة بالأمطار هي الأقل وضوحاً، فالنماذج افتراضية لدرجة تبقى معها التوقعات حذرة. يمكننا مع ذلك أن نرى بعض الاتجاهات التي لا تبشّر بخير بالنسبة إلى منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط.
في حال زيادة الحرارة درجتين مئويتين، يُفترض أن تشهد البلدان المتاخمة للساحل الجنوبي للبحر المتوسط انخفاض كمية التساقطات السنوية، كما أن تزايد التبخر الحراري قد يخلّف تصحراً في المنطقة، في حين أنّ ساحل المحيط الهندي الخاضع لنظام الرياح الموسمية سيشهد أمطاراً أكثر. لكن مع ذلك، لن تكون المنطقة محصَّنة من اشتداد الظواهر الجوية، ما سيزيد من خطر الفيضانات كما الجفاف. علماً أنّ الجفاف الذي يضرب شرق حوض المتوسط منذ 1998 هو الأسوأ من نوعه منذ 900 عام.
سيجعل الطقس الأكثر حرارة مناطق عدة غير صالحة للسكن. في بقية المناطق، قد يصبح الوصول إلى المياه إشكالياً أكثر مما هو الآن. 11 من أصل 17 بلداً هي الأكثر تضرّراً من الإجهاد المائي تقع في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، ويعاني 90 في المائة من أطفال المنطقة من حالة إجهاد مائي مرتفع، إلى مرتفع للغاية، ما يخلّف عواقب وخيمة على نموّهم النفسي والجسدي.
ويضخم التغيّر المناخي حالة الندرة الموجودة مسبقاً، كما يتعيّن أخذ عوامل أخرى في الاعتبار، وخصوصاً النمو السكاني، والافتقار إلى بنى تحتية لمعالجة مياه الصرف الصحي، ويجب ألا نتجاهل أنّ الزراعة تستهلك 80 في المائة من مياه المنطقة، في مقابل 70 في المائة عالمياً.
من المتوقع أن يتسبب ذوبان الجليد والتمدد الحراري للمحيطات في ارتفاع مستوى سطح البحر بحوالي 85 سم في عام 2100، ويحد المحيط الأطلسي والبحر المتوسط والبحر الأحمر والمحيط الهندي والخليج العربي وبحر قزوين منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وباستثناء الأخير، الذي يتوقّع أن ينخفض مستواه إلى 9 أمتار، تشكّل البحار والمحيطات تهديداً للتجمعات السكانية على السواحل، وبالتالي فإنّ مدناً مثل الإسكندرية في مصر، والبصرة في العراق، معرّضة لخطر ارتفاع مستوى سطح البحر، ما قد تكون له عواقب على ملايين الأشخاص، وتقع ممالك الخليج أيضاً في مناطق معرّضة للخطر.
لا يؤثر اضطراب المناخ على درجات الحرارة والموارد المائية فحسب، إذ إنّ له تأثيراً تسلسلياً، فهو يهدّد أيضاً بزعزعة استقرار المجتمعات والدول في منطقة تعيش نزاعات بالأساس.
يتعلّق أحد المخاوف الرئيسية المرتبطة بالتغيّر المناخي في شمال أفريقيا والشرق الأوسط بالأمن الغذائي. في الواقع، تعتمد المنطقة هيكلياً على واردات المنتجات الغذائية، ولا سيما الحبوب. إذا كانت بلدان المنطقة تمثّل 4 في المائة فقط من سكان العالم، فهي تقوم بثلث مشتريات الحبوب، وبالإضافة إلى هذا الارتهان، فإنّ خسارة الإمكانات الزراعية للأراضي بسبب التغيّر المناخي من شأنه أن يفاقم وضعاً يشهد توتراً. بالنسبة إلى عدّة بلدان، يقدّر انخفاض الإنتاج الزراعي بنسبة 20 في المائة.
لم تعد العلاقة بين فقدان الأمن الغذائي وغياب الاستقرار السياسي تحتاج إثباتاً منذ "أحداث العنف المرتبطة بالجوع" التي شهدتها بلدان عدة في المنطقة في عامي 2007 و2008، وأيضاً حضورها في جذور "الربيع العربي" في 2011. يؤثّر سوء التغذية حالياً على 55 مليون شخص في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط.
مع زيادة درجات الحرارة وموجات الحر، ستكون الكائنات الحية أمام امتحان قاس. في بعض مناطق ساحل الخليج، تجعل ظاهرة موجة الحر الرطبة الحياة شاقة، بل مستحيلة من دون تجهيزات مثل مكيفات الهواء.
يُعتبر انخفاض التنوع البيولوجي أحد المخاوف الكبرى الأخرى المتعلّقة بالاحتباس الحراري. غير أنّه من المتوقّع أن تتكيّف بعض الأنواع، مثل الصراصير والفئران، بسهولة مع الظروف الجديدة، ما يعزز انتشار الأمراض.
والسكان الأكثر قابلية للتأثر بالتغيّر المناخي هم الذين يفتقرون إلى الموارد المالية والثقافية والاجتماعية لتنظيم قدرتهم على التأقلم. ومن شأن ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي أن يؤدي إلى مفاقمة وضع ضاغط بالأساس بالنسبة إلى بعض الفئات الاجتماعية.
بدايةً، يُتوقّع أن يزيد انعدام المساواة المرتبطة بالجنس. يتوزّع النفاذ إلى ملكية الأراضي وإلى العمل بشكل غير متساو في المنطقة، وباستثناء الزراعة، حيث يكون التمثيل النسبي المتكافئ مطلوباً، تمثل النساء 30 في المائة فقط من العمال. بالإضافة إلى فوارق الدخل، فإنّ الوضع الاقتصادي يبدو في غير صالح المرأة. في المناطق الريفية، يعتبر التزوّد بالمياه، وبحطب التدفئة مهمة نسائية حصراً، ومع ندرة هذه المواد، تضطر النساء إلى بذل جهد مضاعف للحصول عليها، ما يزيد المشقة، وخاصة خطر الاعتداءات. علاوة على ذلك، فإنّ الفتيات هنّ أوّل من يخرجهنّ الأهل من المدرسة عندما تتدهور أوضاع العائلة، وذلك رغم تحقيقهن نتائج دراسية غالباً ما تكون أفضل من الذكور. وفي السياقات الضاغطة عاطفياً كتلك التي تعرفها المجتمعات التي تواجه تغيّر المناخ، يتوقّع أن يزداد العنف الأسري.
قبل الموجة الثورية التي اجتاحت المنطقة في عام 2011، كان لدى عائلة من كل ثلاث عائلات فرد مهاجر. وينتمي إلى منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط 40 مليون مهاجر و14 مليون نازح. تتعدد أسباب الهجرة، وحالياً لا يدخل تغيّر المناخ ضمنها سوى بقدر طفيف. لكن من المتوقّع أن تتدهور ظروف عيش المهاجرين، خاصة من اللاجئين اليمنيين والسوريين، بسبب التغيّر المناخي، كما يُنتظر أن تنضب الفرص الاقتصادية، وتصبح طرق الهجرة خطرة أكثر فأكثر. وبالتالي، لن يتأخر ظهور مهاجري المناخ في المنطقة، سواء كانوا متحدرين من المنطقة أو أجانب.
تشترك دول المنطقة في إدارة أزمة ما بعد الكارثة، وأطلقت بعض البلدان برامج تهدف إلى تحسين قدرتها على التأقلم، أو تقليل انبعاثاتها. إلا أنّه علينا ألا نغفل أن الجيل الحالي من القادة لا يدرك بالضرورة تحديات المستقبل. هذا هو الانطباع الذي تعطيه السعودية التي ستنظم دورة الألعاب الآسيوية الشتوية في عام 2029، أو مصر التي تنظم "كوب 27" برعاية كوكاكولا.
ينشر بالتزامن مع أوريان 21