حضرت وفود كثيرة للمشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ (كوب 27) الذي عقد في مدينة شرم الشيخ في مصر، والذي بدأ أعماله في السادس من الشهر الجاري ويُختتم اليوم. أملت بعض الدول النامية أو الأقل ثراء الحصول على تعويضات من الدول المتقدمة، في ظل التداعيات الكارثية التي تشهدها من جراء تغير المناخ. إلا أن الدول الصناعية الغنية قررت إرجاء بند التعويضات حتى عام 2024. ويُعيد المراقبون هذا الموقف إلى الأزمة الاقتصادية وارتفاع نسبة التضخم التي تعيشها الدول الغربية من جراء الحرب الروسية على أوكرانيا.
حاولت الصين، التي واجهت اتهامات غربية، الهرب من مسؤوليتها عن نحو 27 في المائة من غازات الاحتباس الحراري، من خلال اقتراحها تأسيس صندوق مالي قبل نهاية العام الحالي بالتعاون مع مجموعة الـ77، وهي عبارة عن تحالف مجموعة من الدول النامية. في هذا الإطار، حذر الباحث ألدن ماير من أن ما يقوم به الصينيون مجرد "لعبة لاستعداء الدول النامية ضد الدول الصناعية".
واتحدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة في الدفع ضد فكرة أن مؤتمر "كوب 27" يجب أن ينتهي باتفاق ملموس بشأن إنشاء صندوق تمويل جديد، لتدفع الدول الغنية مقابل الخسائر والأضرار الناجمة عن أزمة المناخ في البلدان الأكثر ضعفاً في العالم. في المقابل، تعهدت سبع حكومات أوروبية بتقديم 105.6 ملايين دولار لدول عرضة لتأثيرات تغير المناخ. وجاءت التعهدات من الدنمارك وفنلندا وألمانيا وأيرلندا وسلوفينيا والسويد وسويسرا ومنطقة فالون في بلجيكا. تضاف التعهدات إلى 413 مليون دولار تعهدت بها 12 دولة مانحة لصندوق الدول الأقل نمواً، خلال قمة المناخ في غلاسكو العام الماضي.
وفي ظل الخلافات، حث وزير الخارجية المصري ورئيس "كوب 27"، سامح شكري، المندوبين على التوصل إلى اتفاق اليوم، وحذرهم من أن الوقت ليس في صالحهم، وحدد حجم العمل المتبقي الذي يتعين استكماله. وقال: "الوقت ليس في صالحنا، دعونا نتحد الآن ونتوصل إلى نتائج بحلول اليوم". وتتضمّن مسودة الاتفاق الحفاظ على هدف منع ارتفاع درجات الحرارة العالمية بأكثر من 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، تجنباً لأسوأ آثار مناخية يمكن أن تحدث للكوكب، وفقاً لتقديرات غالبية علماء المناخ.
مشاكل وانتقادات
شهدت الأبواب المغلقة في قاعات مؤتمر "كوب 27" مشاكل كبيرة، الأمر الذي صعّب على الدولة المستضيفة تذليل العقبات والخروج ببيان ختامي متوافق عليه من قبل مندوبي نحو 192 دولة. وبحسب مصادر صحافية أوروبية، فإن "انتقادات كثيرة بدأت توجه إلى الخارجية المصرية، بعد وعود شكري بتقديم الورقة الختامية أول من أمس، الأمر الذي لم يتحقق". وأفادت تلك المصادر بأن "الجانب المصري، وعلى عكس الدول التي احتضنت المؤتمرات السابقة، لم يفعل ما ينبغي في التفاوض الذي يمتد عادة أسابيع قبل انعقاد المؤتمرات". وأرادت الدول الفقيرة أن يخرج المؤتمر ببنود واضحة تشمل "توفير الأموال للتعويض عن الخسائر والأضرار"، بينما تصر الدول الصناعية على عدم اتخاذ أية إجراءات ملموسة قبل عام 2024.
خذلان
واتّفق قادة مجموعة العشرين في مقاطعة بالي في إندونيسيا على مواصلة الجهود للحد من ارتفاع درجات الحرارة في العالم عند 1.5 درجة مئوية، وأقروا بالحاجة إلى تسريع الجهود للتخلص من استخدام الفحم تدريجياً. بيان يتطابق بعض الشيء مع مقررات "كوب 26" للمناخ الذي عقد في مدينة غلاسكو في اسكتلندا، والذي تبنّى "ميثاق غلاسكو" الهادف إلى تسريع وتيرة مكافحة الاحتباس الحراري، من دون أن يؤكد إبقاءه ضمن سقف 1.5 درجة مئوية، ولا تلبية طلبات المساعدة من الدول الفقيرة.
قضية التعويضات أزعجت الدول النامية في "كوب 27" التي راهنت على مؤتمر شرم الشيخ. وترى هذه الدول في مواقف الدول الصناعية تكراراً لما خرجت به في قمة العشرين عام 2009. في ذلك الوقت، قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إن القمة أرست قواعد صلبة للتوصل إلى اتفاق للحد من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، مشيراً إلى أن جميع القادة أكدوا رغبتهم في التوصل إلى اتفاق وأنهم مستعدون للعمل من أجل ذلك. وقال إن زعماء العالم ركزوا أخيراً على تمويل تغير المناخ، وأعرب كثيرون عن تأييدهم للاقتراح المقدم بشأن توفير مبلغ 100 مليار دولار سنوياً، خلال السنوات العشر المقبلة، تخصص للتكيف والتخفيف.
يُشار إلى أن قادة الدول ناقشوا حزمة مساعدات تقدر بمائة مليار دولار، علماً أن صندوق النقد الدولي أشار إلى الحاجة لنحو 600 مليار دولار سنوياً، لمواجهة تغير المناخ وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
لا صيغة نهائية
ولم تفلح محاولات مصر في الضغط على الوفود من أجل التوصل إلى صيغة نهائية. ويمكن القول إن هذه الجهود جاءت متأخرة، ما يهدد بصياغة بيان دبلوماسي غير ملزم.
وطرح الجانب المصري 65 بنداً في الورقة التي لم يتم الاتفاق عليها، ولم تتضمّن ترتيباً للأولويات، بل صيغ عامة تضع في متناول الأطراف ما يمكنهم التلويح به أمام شعوبهم، مع الإشارة إلى أن الاحتجاجات غابت عن شرم الشيخ، على عكس غلاسكو التي شهدت تظاهر أكثر من 100 ألف ناشط بيئي من مختلف الدول.
وشمل المقترح المصري إعادة التذكير بهدف حصر ارتفاع درجة حرارة الأرض بـ 1.5 درجة مئوية، مع التأكيد على أنه في متناول اليد، كما جاء في غلاسكو. وتطالب مجموعة من الدول بصيغة أكثر حزماً، فيما تؤكد أخرى على ما تضمنته اتفاقية باريس للمناخ 2015، والعمل على "الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى 1.5 درجة".
وتعهد الرئيس البرازيلي لولا دي سيلفا بالعمل على وقف قطع أشجار الغابات في غابة الأمازون، وقال في تغريدة على "تويتر": "ستعود البرازيل مرجعاً على صعيد المناخ العالمي".
أما الهند التي تستهلك كميات هائلة من الفحم والنفط والغاز، فأصرت على مقترحها القاضي بوضع صيغة لـ "التخلص التدريجي" من الاعتماد على الوقود الأحفوري. إلا أن الجانب المصري رفض هذا المقترح، الذي تعارضه دول منتجة للنفط والغاز، ما جعل الخلافات تتزايد في أروقة المؤتمر بين الهند وتلك الدول، بما فيها دول عربية، ليتوسع الخلاف مع دخول الاتحاد الأوروبي على الخط مساندا الهند. اقتراح تدعمه أيضاً دول جزرية صغيرة وبريطانيا وكولومبيا وعدد من الدول الأفريقية.
وعود غير نافذة
وتُطالب الدول النامية برفع المساعدات المناخية السنوية، وقد أقرت الدول الصناعية مساعدة الدول النامية عام 2009، ليبدأ التنفيذ عام 2020 بقيمة 100 مليار دولار سنوياً. وتنتقد الدول الفقيرة عدم التزام الدول الغنية بوعودها، خصوصاً أن مجموع ما جرى تقديمه خلال السنوات الأخيرة هو 83 مليار دولار فقط.
في هذا السياق، انتقدت منظمة "أوكسفام"، مماطلة الدول الغنية وتعطيلها مناقشة مسودة مشروع إنشاء صندوق جديد لتمويل الخسائر والأضرار التي تتعرض لها بعض الدول، وقالت: "مع دخول مؤتمر المناخ الأيام الحاسمة الأخيرة، من العار أن تستمر الدول الغنية، خصوصاً الولايات المتحدة، في رفض دعوات مجموعة الـ77، التي تمثل 134 دولة نامية، من أجل إنشاء صندوق لتمويل الخسائر والأضرار التي تتعرض لها هذه البلدان بسبب تغير المناخ".
وعلى ما يبدو، فإن الدول الأفريقية والنامية كانت تراهن على جعل "كوب 27" محطة مفصلية تحقّق شعار مصر القائل إنه "مؤتمر تطبيق البنود"، وإقرار بند التعويض المالي. إلا أن الخلافات دفعت أحد المفاوضين عن مجموعة البلدان الأفريقية أنطوي بواسياكو أمواه (من غانا) إلى التلويح بانسحاب المجموعة الأفريقية من المؤتمر ما لم تحقق مطالبها من قبل الدول المتقدمة. وبعد مفاوضات شاقة، سرب أمواه لصحافيين غربيين أنه يشعر بخيبة. "كان هناك أمل هذا العام، ليس فقط لأن المؤتمر يعقد في القارة الأفريقية، ولكن لأن كوب 26 شهد مفاوضات بناءة. لكن مع اختتام القمة اليوم، لم يتحقق الأمل في تحمّل الدول الثرية المقترحات الخاصة بتعويض الدول الفقيرة بسبب تداعيات تغير المناخ".
من جهته، قال الأمين التنفيذي الجديد لتغير المناخ التابع للأمم المتحدة سيمون ستيل، لشبكة "بي بي سي" الإخبارية: "هناك الكثير من القضايا العالقة. وفي حال أدى ذلك إلى جمود في المفاوضات، لن نتمكن من الوصول إلى النتيجة التي تتطلبها الأزمة". وأبرز مستشار المناخ في منظمة "كير"، جون نورديو، أن "بعض الدول أخّرت النقاش حول نقطة في النص النهائي تتعلق بهدف إبقاء ارتفاع الحرارة عند درجة 1.5، حيث كانت تطالب دول أخرى بعدم تضمينها البيان الختامي".