رفعت اللامبالاة والتجاهل معدلات الحرائق في العراق، وتتهدد كوارث كبيرة بغداد تحديداً، باعتبار أن "المخالفات المرتبطة خصوصاً بالمواد سريعة الاشتعال وأسلاك الكهرباء تغطي كل شارع وتتنامى بغياب الرقابة" كما يقول مدير الدفاع المدني اللواء كاظم بوهان، الذي قابلته "العربي الجديد" للحديث عن التحديات التي تواجهها البلاد.
*ما الأسباب الأكثر شيوعاً للحرائق في العراق، وهل يزيد الصيف الحار فرص اندلاعها؟
- تتعدد أسباب الحرائق في العراق، ولا ترتبط فقط بارتفاع درجات الحرارة، إذ تشهد دول مجاورة ارتفاع الحرارة إلى درجات موازية أو حتى أعلى، من دون حصول حوادث. وهذا الموضوع يرتبط تحديداً بالحجم الكبير للمخالفات، علماً أن المسّ الكهربائي يشكل السبب الأهم، ويليه تخزين مواد البناء سريعة الاشتعال مثل "السندويج بانل" و"الأليكوبوند"، وبعضها داخل شقق أو غرف في مبانٍ سكنية للاتجار بها في ظل عدم توفير شروط السلامة، وكذلك بعدم منح الطاقة الكهربائية بطريقة مثالية، أو استخدام أسلاك رديئة الصنع. كما تنتشر أسلاك الكهرباء المتشابكة في الشوارع والأزقة التي تستخدمها المولدات الخاصة، والتي تستعين أيضاً بصهاريج وقود تتواجد قربها غالباً، وتشكل خطراً محدقاً كبيراً.
*هل تعتبر أسلاك الكهرباء في الشوارع مصدر التهديد والخطر الأكبر؟
ـ نعم، لأن العراق يضم عدداً هائلاً من المولدات، وقبل 3 سنوات أحصت محافظة بغداد وجود 19 ألف مولد في العاصمة وحدها، في حين أن عددها يزداد سنوياً، وكل مولد يستعين بخزان وقود يتواجد قربه، ويستخدم شهرياً 10 آلاف ليتر من مادة "الكازويل"، كما يحتاج 4 ملايين مولد صغير توفر الكهرباء إلى منازل وشركات إلى أطنان من ليترات البنزين تمثل أرقاماً مهولة، ومخاطر تعادل قنابل موقوتة.
* ما عدد الحرائق منذ بداية العام الحالي، وما نسبة المفتعل منها؟
- تجاوز عدد الحرائق 10 آلاف منذ مطلع العام الجاري، بمعدل نحو 80 يومياً، ونسبة المفتعل منها لا تتجاوز 4 في المائة، وهي منطقية بحسب التحقيقات التي نجريها عقب كل حادث، وتلغي ما يشاع بأن غالبية الحوادث مفتعلة. وأؤكد أن كل الحرائق اندلعت في أماكن شهدت مخالفات في التخزين وسوء في تمديدات الكهرباء، وليس في أماكن توفرت فيها شروط السلامة بالكامل.
*ما أسباب الارتفاع المطرد في معدلات الحرائق في السنوات الأخيرة؟
- سجل في الثلاث سنوات الأخيرة أكثر من 30 ألف حريق ارتبطت نسبة 45 في المائة منها بمسّ كهربائي، نتيجة مخالفات تتعلق بأسلاك الكهرباء بسبب تشابكها أو رداءة نوعيتها، والتي نلاحظ أنها تتوسع يوماً بعد آخر في الشوارع والمباني السكنية والمنازل. كما نرصد أنواعاً أخرى من المخالفات في دوائر الدولة أو مشاريع خاصة، فيما تفتش فرقنا المواقع المخالفة، وتحدد طبيعة المخالفات وأنواعها في استمارات خاصة تمهيداً لتغريم المسؤولين عنها وإحالتهم إلى جلسات تحقيق قد تحرك دعاوى جزائية ضدهم. وبعد مدة تزور الفرق أماكن المخالفات مرة ثانية لإجراء كشف متابعة، وللأسف نجد أن الوضع لم يتغير غالباً بسبب تجاهل المواطنين معالجة المشكلات، ما يؤدي إلى حدوث كوارث.
*هل يرتبط استمرار المخالفات وعدم إزالتها بواقع أن العقوبات غير رادعة؟
- الحقيقة أن العقوبات التي يفرضها القانون الحالي للدفاع المدني الذي يحمل رقم 44 وصدر عام 2013 لم تعد رادعة، علماً أن الحد الأعلى لغراماته تصل إلى مليون دينار (680 دولاراً) للمخالفة. واقترحنا تعديل القانون عبر تشديد العقوبات ورفع مبالغ الغرامات، ونأمل في أن يرى النور عبر تشريع نيابي، علماً أنه يخضع لدراسة حالياً من قبل مسؤولي مجلس الدولة (هيئة عراقية مستقلة تقوم بوظيفة الصياغة التشريعية).
* ما أبرز التعديلات المقترحة؟
- اقترحنا تطبيق عقوبة إغلاق المشروع الذي يخالف متطلبات الدفاع المدني والسلامة المهنية، علماً أن العقوبة المطبقة حالياً تشمل مالك المشروع من دون أن تلحظ الإغلاق، كذلك منع أي نشاط في المشروع وفتحه مجدداً إلا بعد الحصول على شهادة سلامة من الدفاع المدني تؤيد إزالة المخالفات. ويرفع الاقتراح حدّ الغرامات الأعلى إلى 10 ملايين دينار (6800 دولار)، ونتوقع إن تطبيق التعديلات بعد تشريعها سيقلص عدد المخالفات في شكل كبير، ويقلل عدد الحرائق.
*أوقع الحريقان في مستشفى ابن الخطيب في بغداد والحسين في ذي قار عام 2021 عشرات الضحايا بسبب استخدام ألواح "سندويج بانل" في بناء الردهات. فهل اتخذت إجراءات رسمية لمعالجة هذه المخالفات تحديداً، وتجنب تكرار حصول حوادث كارثية؟
- نعم، طبقت وزارة الصحة إجراءات صارمة، وحوّلت الأماكن التي تضم مخالفات إلى مراكز صحية أو عيادات فقط، ولم تعد تستخدم كردهات لمكوث المرضى. وقدمنا توصيات بالحلول المناسبة صادقت الحكومة عليها، ما مهّد للاستعانة بأصباغ منتجة بإشراف وزارة الصناعة، وأثبتت التجارب التي خضعت لها نجاحها في منع الحرائق. ما يمكن أن يوفر حلاً ناجعاً للحفاظ على المنشآت.
*رغم منع استخدامه والكوارث التي أحدثها، ما زال "السندويج بانل" يستورد ويدخل العراق على نطاق واسع. من المسؤول عن ذلك؟
ـ يسود الاعتقاد في العراق بأن استخدام "السندويج بانل" يسرّع عمليات البناء، ما يشجع على مواصلة استيراده رغم قرار الأمانة العامة لمجلس الوزراء بمنع استخدامه، لذا يجب تفعيل تنفيذ القانون، ومنع إدخال المادة.
* هل ترتبط الحرائق بمخاطر أخرى؟
- نعاني من المخاطر المرتبطة بمنح تراخيص في أماكن غير مؤهلة لتشييد مبانٍ، وأيضاً من عدم المحاسبة على استخدام مواد سريعة الاشتعال في البناء. ورغم عدد الحرائق الهائل يومياً، تشيّد آلاف طوابق المباني باستخدام مواد سريعة الاشتعال، وكذلك آلاف المخازن بلا رقابة أو اعتراض، في حين أن إدارات البلديات وأمانة بغداد يجب أن تتصدر التجاوزات وتوقف المخالف. وعلى سبيل المثال، خالف مشروع مطعم ليلى وسط العاصمة بغداد الذي شهد كارثة حريق في مايو/ أيار الماضي، شروط السلامة، إذ أغلق وأعيد فتحه بعد شهر ونصف الشهر من تاريخ حصول الانفجار داخله. والسؤال المطروح، من سمح بإعادة فتحه؟ علماً أنه يمكن إحصاء عشرات المخازن المخالفة أيضاً وسط مدن وداخل مناطق سكنية تحوّلت إلى مخازن، وهذا خطر كبير تعيشه بغداد والمحافظات، وينذر بكوارث، ونحن نقدّر عدد المخالفات في مناطق بغداد الجديدة والمنصور في بغداد نفسها وكل مناطق العاصمة بعشرة آلاف مخزن على الأقل.
* اشتكى أصحاب مشاريع من أن تقصيرهم مرده عدم وجود مرجعية موحدة في تحديد المعايير. لماذا تتعدد المدونات الخاصة بشروط السلامة؟
- صدر الدليل الإرشادي المرجعي المعمول به حالياً والذي يشكل المرجعية الأساس في المشاريع المشيّدة عام 1996، ونقرّ بأننا تأخرنا كثيراً في تحديثه، لكننا نفعل ذلك الآن للتصدي للتطور الذي طرأ على أنواع المواد وبالتالي المخالفات. ورغم ذلك نشدد على أنه لو طبقت بنود القانون نفسه لكان الوضع أفضل على صعيد الحوادث.
*تتحجج الدوائر الحكومية بأن قلة المخصصات المالية المرصودة لمتابعة مسألة عدم الالتزام بشروط السلامة تحدث حرائق متكررة، ماذا تعلقون على ذلك؟
ـ تفرض المادة 26 من قانون الدفاع المدني رقم 44 الصادر عام 2013 توفير مخصصات مالية لدوائر الدولة من أجل تأمين الوسائل الاحترازية الخاصة بالدفاع المدني، لكن الميزانية العامة للحكومة تضحي غالباً بهذه المخصصات المهمة لشروط السلامة في سبيل تعويض أقسام أخرى ترى أنها أكثر حاجة لأموال. ونحن غير راضين أبداً عن هذا الأمر، ونعتبر أن المخصصات مُخجلة ومحبطة جداً قياساً بحجم التحديات، علماً أن تمويلنا يحصل من موازنة وزارة الداخلية باعتبارنا إحدى مديرياتها، والوزارة مثقلة بالتشكيلات القتالية وواجباتها، وبصراحة ما يصل إلينا هو فُتات الفتات، ففي عام 2021، حددنا احتياجاتنا المالية بـ 152 مليار دينار (103 ملايين دولار)، وجرى منحنا 5 مليارات فقط (3.4 ملايين دولار).
* هل يعني ذلك أنكم أمام مشكلة كبيرة بسبب قلة الأموال؟
ـ نعم، تجاوزت كل معدات وأجهزة وسيارات إطفاء أسطول مديرية الدفاع المدني 3 أضعاف العمر الافتراضي لخدمتها. وعلى سبيل المثال، يملك الدفاع المدني في الأردن الأقل مساحة من العراق ويضم عدد سكان أقل بأضعاف، 52 ألف سيارة إطفاء، في حين نملك 13.400 فقط، والعمر الأدنى لهذه الآلات هو 42 عاماً.
* هل يكفي عدد الكوادر البشرية، وهل يجري تجديدها سنوياً؟
ـ لا يحصل ذلك، ونحن نعاني من كارثة النقص في الأعداد وتقدم بعض المنتسبين في السن. ولم يعيّن أي عنصر جديد منذ عام 2007، ولا يقل معدل عمر الحاليين عن 45 عاماً، علماً أننا نحتاج إلى 4 آلاف عنصر جديد على الأقل، ولا نزال ننتظر الموافقة على التعيينات.
*ما ردكم على اتهام عناصر الدفاع المدني العراقي بالتأخر في الوصول إلى أماكن الحرائق؟
- لا يراعي هذا الاتهام الواقع. تشهد شوارع بغداد زحمة كبيرة غالبية فترات النهار، ويتطلب قطع مسافة قصيرة ساعة أحياناً، لكننا لم نقف مكتوفي الأيدي، ونشرنا سيارات في الأسواق والمناطق التجارية وقرب الطرقات لتسريع الوصول إلى مواقع الحوادث. أيضاً، نواجه مشكلة التأخر في الإخبار عن الحرائق التي يصورها أشخاص وينشرون لقطاتها على مواقع التواصل، ويتهموننا بالتأخر من دون أن يكلفون أنفسهم عناء الاتصال للإبلاغ عن الحريق. وهناك مشكلة أخرى تتمثل في عدم وجود مداخل طوارئ في الأسواق الكبيرة، ومنها سوق أبو دشير جنوبي بغداد الذي اندلع حريق كبير فيه دفعنا إلى إرسال 50 عربة إطفاء لم تستطع الوصول إلى قلب السوق، كما لا وجود لممرات طوارئ في الشوارع من أجل تسريع الوصول إلى أماكن الحوادث.