أحد أقدم السجون السياسية في مصر: قلق حقوقي بالغ من انتهاكات سجن الوادي الجديد

07 اغسطس 2024
أبراج حراسة في سجن طرة ضواحي القاهرة، 11 فبراير 2020 (فرانس برس)
+ الخط -

بعد وفاة السجين السياسي محمد زكي (40 عامًا) داخل محبسه في سجن الوادي الجديد "نتيجة التعذيب والمعاملة غير الإنسانية"، حسب تأكيدات حقوقية، سلط تقرير صادر عن "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان" الضوء على ما وصفه بـ"الانتهاكات التي تتم في مصفحات -عنابر الإيراد- في سجن الوادي الجديد" والتي تعد "منافذ للموت فيه".

واعتبر تقرير الشبكة الصادر اليوم الأربعاء، أن وفاة السجين السياسي محمد زكي، داخل محبسه في عنبر الإيراد 2، المعروف بين السياسيين بـ"المصفحة"، جاءت لتسلط الضوء على الانتهاكات الخطيرة التي تحدث فيه. وحسب الشبكة، فقد توفي زكي، بعد أقل من شهر من إعادة تغريبه (نقله إلى سجن بعيد) من سجن المنيا شديد الحراسة إلى سجن الوادي الجديد حيث ترك يعاني من آثار التعذيب والانتهاكات الجسيمة التي أصيب بها، مما أدى إلى وفاته دون أن يتلقى أي نوع من العلاج أو الرعاية الطبية على الرغم من استغاثات زملائه".

"تشير وفاة محمد زكي إلى الانتهاكات الصارخة التي يتعرض لها الوافدون الجدد في عنبر 2، حيث يتم تسكين المعتقلين الجدد الذين يتم ترحيلهم من سجون مختلفة كنوع من العقاب القاسي لهم ولأسرهم. تبدأ المعاناة منذ لحظة وصولهم، حيث يتعرضون لحفلات تعذيب تُعرف بـ(تشريفة الاستقبال) والتي تختلف درجات قسوتها وفقاً للفئات العمرية، وتشتد قسوتها على الشباب وتكون أقل حدة لكبار السن والمرضى، وإن كانوا يتعرضون أيضاً لانتهاكات جسيمة"، حسب التقرير.

داخل "المصفحة" في سجن الوادي الجديد

ووفقاً لشهادات حصلت عليها "الشبكة المصرية"، فإن "المصفحة هي زنازين يُسكن فيها الوافدون الجدد بعد تجريدهم من جميع ممتلكاتهم الشخصية وملابسهم، ويسمح لهم فقط بالبقاء بالبوكسر الداخلي. يقضون فترات انتظار طويلة ومجهولة المصير تتراوح بين ثلاثة أشهر إلى سنة، خصوصاً للمعتقلين الذين يتم معاقبتهم أو التوصية عليهم من قبل ضباط الأمن الوطني، حيث يتم حبسهم في زنازين انفرادية".

تتكون تلك الزنازين من غرف سوداء مميتة، مكتظة بأربعة أو خمسة سجناء جدد، لا توجد بها دورات مياه، حيث يقضي الوافدون حاجاتهم في جرادل حتى يتم تفريغها في صباح اليوم التالي. وتفتقر الزنازين إلى أدنى مقومات الحياة أو النظافة، ولا يتم صرف أي أدوات نظافة كنوع من العقاب، طبقًا للتقرير. "ضربونا لما عرفوا إننا جبنا صابونة"، هذا ما قاله سجين سياسي سابق، لـ"الشبكة المصرية"، عن جزء بسيط مما يحدث داخل "المصفحة"، حيث عُوقبوا بالضرب بعد أن عثر أفراد الأمن أثناء التفتيش على قطعة صابون للنظافة الشخصية.

"خلال فترة تواجد الوافدين الجدد في المصفحة، لا يسمح لهم بالتريض أو التعرض لأشعة الشمس أو الهواء النقي، أو بالزيارات أو أي نوع من أنواع التواصل بالعالم الخارجي. يُحرمون من الأطعمة أو الشراء من كانتين السجن، ويتم صرف التعين الميري الذي يوصف بأنه غير كافٍ وغير نظيف، حيث يشبهه بعض المعتقلين بالطعام الذي لا ترضى الحيوانات بتناوله، لكنهم مضطرون لتناوله من أجل البقاء. أما المياه فغير نظيفة، مليئة بالشوائب وتؤدي إلى الإصابة بالأمراض العضوية والجلدية" حسب التقرير.

وفي "مصفحات سجن الوادي الجديد، لا يوجد أي نوع من الرعاية الطبية والصحية. يتم ترك المرضى لمصيرهم دون تدخل، بل تزداد معاناتهم بطول فترة تواجدهم بداخل تلك الزنازين المميتة"، هذا ما أكدته الشبكة، معتبرة بأن "ما يحدث داخل زنازين عنبر الإيراد 2 أو المصفحة هو انتهاك خطير لحقوق الإنسان ومخالف لكل الأعراف والمواثيق الدولية ولمواد الدستور والقانون".

وطالبت الشبكة النائب العام المصري المستشار محمد شوقي بالتدخل الفوري للكشف عن هذه الانتهاكات وإيقافها، والتفتيش الدوري على أماكن الاحتجاز داخل سجن الوادي الجديد ومحاسبة المتورطين فيها. "الشبكة المصرية"، لم تكن هي المنظمة الوحيدة التي سردت الانتهاكات التي تحدث في سجن الوادي الجديد فقد سبقها العديد من المنظمات الحقوقية على مدار الأشهر والسنين الأخيرة الماضية.

سجن الموت

"سجن الوادي الجديد هو سجن الموت كما يُطلق عليه المحتجزون وأهاليهم نتيجة لقسوة الأوضاع المعيشية بداخله"، هذا ما أشارت له "لجنة العدالة" (كوميتي فور جستس) في تقرير في يناير/ كانون الثاني الماضي، وتحدث التقرير أيضًا عن تفشي الأمراض الجلدية بداخله نتيجة لمنع إدارة السجن إدخال أدوات النظافة الشخصية والعامة من الخارج أثناء الزيارات، إضافة إلى عدم كفاية ما يتم صرفه منها للنزلاء، وخاصة مع التكدس الشديد داخل الغرف والعنابر الاثني عشر الموجودة بالسجن، كذلك عدم نظافة مياه الشرب أو الاستحمام ونقائها؛ ما أدى لعدم توافر بيئة صحية مناسبة.

ولفت المحتجزون في سجن الوادي الجديد إلى أنّ إدارة السجن تتعمّد منع العلاج عن الأشخاص الذين تظهر عليهم أعراض أمراض جلدية معدية، الأمر الذي أدّى إلى انتشارها. وذكر عدد من المحتجزين في السجن، بحسب ما جاء في بيان "لجنة العدالة"، أنّ السبب وراء عدم سماح إدارة السجن بإدخال الأدوية أو أدوات النظافة العامة والشخصية هو تخوّفها من احتمال استخدامها في عمليات الانتحار التي قد يقدم عليها أفراد من المحتجزين، نتيجة الأوضاع المأساوية التي تجبر إدارة السجن المحتجزين على عيشها.

ويعد سجن الوادي الجديد أحد أقدم السجون السياسية في مصر. يقع بمدينة الخارجة بمحافظة الوادي الجديد في الصحراء الغربية جنوب شرقي مصر، على بعد 650 كيلو متر من القاهرة، حسب "الجبهة المصرية لحقوق الإنسان"، التي أشارت إلى أن السجن اشتهر منذ إنشائه عام 1956 بعدة أسماء، مثل سجن المحاريق أو سجن المنفى أو توكر. وفي عام 1995 تم تجديد السجن وأعيد افتتاحه، وقد كان إحدى الأماكن المخصصة لإيداع المعارضين السياسيين للنظام، وكثرت الأخبار عن التعذيب والقتل نتيجة التعذيب فيه، خاصة في ظل حكم الرئيسين جمال عبد الناصر وحسني مبارك، حسب الجبهة.

حسب المعلومات التي حصلت عليها الجبهة المصرية، فإن استقبال السجناء الجدد بسجن الوادي الجديد يصحبه انتهاكات وسوء معاملة ترقى لمستوى التعذيب، وقد تشمل تغمية الأعين والضرب وتعرية المحتجزين وإبقائهم بملابسهم الداخلية فقط، وتكبيلهم من الخلف وإجبارهم على الجلوس على الأرض "مثل أسرى الحرب"، وقد يجبرهم ضباط بالإدارة كذلك على تأدية تمارين رياضية قاسية لفترات طويلة دون مراعاة للحالة الصحية التي وصلوا عليها إلى السجن، وضرب من يمتنع عن أدائها بالشوم والعصيّ.

المساهمون