استمع إلى الملخص
- **الهيكل المعماري والتصميم العسكري:** تتكون من جزئين رئيسيين، "العدينة" و"المغربة"، وتتميز بأسوار شاهقة بارتفاع 120 متراً وسمك أربعة أمتار، متصلة بسور مدينة تعز القديمة، وتحتوي على قصور، سجون، مخازن، أنفاق، وحدائق.
- **التحديات الحديثة والترميم:** تعرضت للقصف والتدمير خلال الحرب التي بدأت في 2015، وأعيد فتحها للزوار في 2018 لكنها أغلقت مجدداً بسبب تساقط الأحجار. تمت عملية ترميم بين 2002 و2012 لكنها قضت على الكثير من الملامح الحقيقية للطابع المعماري القديم.
تمتلك قلعة القاهرة إطلالة ساحرة على مدينة تعز، وهي متنفس رائع للسكان والزوار بما توفره من حدائق وساحات، لكنها تضررت بسبب سنوات الحرب والصراع مثل غيرها من المعالم اليمنية.
تتميز مدينة تعز اليمنية بقلعتها الشامخة التي تحتضنها، وكانت حارستها في مختلف مراحل التاريخ، حتى أصبحت أيقونة ترمز إلى المدينة، فلا تذكر تعز إلا وذكرت "قلعة القاهرة" التي تعد واحدة من أهم المعالم الأثرية والسياحية في المحافظة.
تقع قلعة القاهرة على ارتفاع 1500 متر عن سطح البحر، وهي مبنية على جبل أحمر اللون يقع في جنوب المدينة القديمة، وأسفل "جبل صبر" من الجهة الشمالية، ما يجعل القلعة تمثل حلقة وصل بين المدينة والجبل.
ولا يعرف تاريخ بناء القلعة على وجه الدقة، لكن المصادر التاريخية تقول إنه تم تأسيسها قبل ظهور الإسلام، وتشير إلى أن الأمير عبد الله بن محمد الصليحي، اتخذها حصناً له في عهد الدولة الصليحية في القرن الخامس الهجري، وحين وصل الأيوبيون إلى اليمن في 569 هجرية الموافق 1173 ميلادية، استولوا عليها، وجعلوها مقراً لحكمهم، ثم صارت في عهد الدولة الرسولية حامية لمقر الملك المظفر يوسف بن عمر بن رسول، ثم آلت بعدها إلى دولة الطاهريين في سنة 924 هجرية، 1518 ميلادية، كما استخدمت سجناً في عهد أسرة آل حميد الدين الذين حكموا البلاد من 1918 حتى قيام الثورة اليمنية في 26 سبتمبر/أيلول 1962.
وتتميز القلعة بكونها ذات أسوار شاهقة، حيث كان لبنائها هدف سياسي وعسكري، ومن هنا جاء تسميتها "قلعة القاهرة"، كونها تقهر الأعداء، وتستعصي عليهم. وهي تتكون من حصون عدة مشيدة بإبداع هندسي يكشف عن فن العمارة الذي يمتاز به اليمن القديم، ومصممة بشكل عسكري يساعد في جعلها حصناً منيعاً يستعصي على الأعداء اقتحامه، كما يمنحها المقومات اللازمة لتكون مقراً للحكم، إذ تحوي قصوراً وسجوناً ومخازن وأنفاقاً وحدائق وأحواض مياه.
تتكون القلعة من جزئين رئيسيين، الأول يسمى "العدينة"، ويضم حدائق معلقة على هيئة مدرجات شيدت في المنحدر الجبلي، إضافة إلى سد مائي، وأحواض منحوتة في إحدى واجهات الجبل، إضافة إلى عدة قصور محاطة بأبراج حراسة ومتنزهات، وهذه القصور هي دار الأدب، ودار العدل، ودار الشجرة، ودار الإمارة الخاص بالملك، كما يضم هذا الجزء ممرات وأنفاقاً سرية ذات مهام عسكرية.
ويسمى الجزء الثاني "المغربة"، ويضم عدداً من القصور، وأبراج حراسة، ومخازن الحبوب. وللقلعة سور شاهق بارتفاع 120 متراً، وسمك أربعة أمتار، ويتصل بسور مدينة تعز القديمة، والذي كان له أربعة أبواب رئيسة، وهي الباب الكبير، وباب الشيخ موسى، وباب المداجر، وباب النصر، وفوق كل باب برج مخصص للحراسة.
وفي أسفل القلعة من الجهة الجنوبية تقع "قبة الشبزي" التي تنسب إلى الشاعر اليهودي سالم الشبزي، واسمه الكامل "موري شالوم شابازي" (1619-1720) وهو رجل دين وشاعر وعالم، ولد في تعز وعاش في حي المغربة، وقد تعددت مهامه، إذ كان حاخاماً وقاضياً ومعلماً، ومشرفاً على عقد الزيجات، وإجراء الختان للأطفال، إلى جانب قيامه بمهام جمع الجزية من أعضاء الطائفة اليهودية ليقدمها إلى الحكام.
وفي التاريخ الحديث، استخدمت القلعة سجناً من الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين، حيث كان يقوم باحتجاز أبناء شيوخ المناطق، ويفرض عليهم الإقامة الجبرية داخل القلعة من أجل ضمان عدم تمرد المشايخ على حكمهم الذي امتد من 1918 حتى قيام الثورة.
وفي هذه الفترة الزمنية، تدور في قلعة القاهرة أحداث رائعة الأديب اليمني زيد مطيع دماج "رواية الرهينة"، والتي تتناول حكم الأئمة في اليمن، وتحكي قصة طفل "ابن عم الكاتب"، تم أخذه رهينة وهو في الثانية عشرة من عمره، وكان يطلق عليه اسم الدويدار، وبات يقوم على خدمة نساء القصر، ثم يقع في حب شقيقة الحاكم، الشريفة حفصة، والتي تطلب منه أن يهربا، لكنه في نهاية الرواية يهرب وحيداً إلى المجهول.
وخلال الفترة من 2002 إلى 2012، تم ترميم قلعة القاهرة وتأهيلها، وشملت عملية التأهيل إعادة بناء أسوار القلعة، ومدافن الغلال، ومساقي المياه، والطرق، والمرافق المختلفة، لكن الكثير من المتخصصين أخذوا على عملية التأهيل أنها قضت على الكثير من الملامح الحقيقية للطابع المعماري القديم للقلعة، وأدخلت تعديلات على كثير من تفاصيلها، ما جعلها تبدو كأنها بنيت حديثاً.
لكن ترميم وتأهيل القلعة جعلها من بين أهم المزارات والمتنزهات السياحية في مدينة تعز، نتيجة جمالها المعماري، ومساحتها الكبيرة، وتنوع تقسيماتها، إضافة إلى إطلالتها الساحرة على المدينة، ما جعلها قبلة للزوار، وخاصة الأسر التي تجد في القلعة ملاذاً لقضاء الوقت.
وخلال الحرب التي تشهدها البلاد منذ 2015، قام الحوثيون بتحويل القلعة إلى ثكنة عسكرية، ما تسبب بقصفها بخمسة صواريخ من قبل طيران التحالف العربي في مايو/أيار 2015، وهو القصف الذي خلف دماراً في أجزاء منها، إذ تدمر متحفها تماماً، وتعرض مدخل القلعة وبعض أبراج الحراسة لأضرار بالغة. كما تعرضت الأماكن المجاورة حرمَ القلعة للنهب من بعض الأهالي الذين قاموا بالبناء فيها مسببين تشوهات لمحيط القلعة في ظل تساهل السلطة المحلية التي تغض الطرف عن هذه التعديات.
وفي الفترة بين 2015 و2018، استُخدمت القلعة ثكنةً عسكرية من جماعة الحوثيين، وبعد تحريرها في نهاية 2015 تم استخدامها من الجيش التابع للحكومة الشرعية، وفي عام 2018 أصدر محافظ تعز حينها، أمين أحمد محمود، قراراً بخروج الجيش منها، وإعادة فتحها أمام الزوار، لتشهد عدة حفلات فنية ضمن مهرجان تعز العيدي.
غير أنه أعيد إغلاق القلعة أمام الزوار نتيجة تساقط بعض الأحجار من عدة جهات فيها، ولا تزال مغلقة حتى الآن في ظل مطالبات شعبية بإعادة ترميمها وتأهيلها، وإعادة فتحها للزيارة.