احتضنت باكستان طوال سنوات الحرب في أفغانستان مئات آلاف اللاجئين من هذا البلد. واليوم تتحضر لموجة لجوء جديدة مع تزايد مخاطر اندلاع حرب أهلية في البلد المجاور، إنّما مع اعتماد استراتيجية مختلفة.
في تصريح أدلى به الأسبوع الماضي، حذر مستشار رئيس الوزراء الباكستاني لشؤون الأمن القومي، معيد يوسف، من أنّه "في حال نشوب حرب أهلية في أفغانستان مع تزايد مساحات نفوذ حركة طالبان فيها إثر تنفيذ القوات الدولية عدة عمليات انسحاب في الأسابيع الأخيرة، يجب أن ينشئ المجتمع الدولي مخيمات للاجئين الأفغان داخل بلدهم تحديداً، من أجل تدارك احتمال توجههم إلى مناطق باكستان". وتابع: "تحملت إسلام أباد الكثير من تبعات استقبال مئات آلاف اللاجئين الأفغان خلال فترات الحرب الطويلة في البلد المجاور، وأعباء التأثيرات السلبية لهذا الأمر على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية".
وكان وزير الإعلام الباكستاني تشودري فؤاد صرح سابقاً بأنّ بلاده تستعد لاستقبال حوالى 700 ألف لاجئ إذا اندلعت حرب أهلية في أفغانستان، مشيراً إلى أنّ "إسلام أباد تعمل لوضع خطة كي يعيش اللاجئون الأفغان قرب الحدود مع بلدهم بدلاً من التوجه إلى المدن داخل باكستان".
من جهته، أبدى وزير الداخلية الباكستاني شيخ رشيد أحمد، نهاية يوليو/ تموز الماضي، قلق بلاده مما يجري في أفغانستان. وأكد أن "إسلام أباد ستفتح حدودها للاجئين الأفغان إذا زاد تأزم الوضع، لكن ليس كما حصل سابقاً حيث تنقلوا في مناطق باكستان بلا قيود". وأضاف: "نضع نصب أعيننا الآن تطبيق طريقة تعامل إيران مع اللاجئين الأفغان، وسنشيّد مخيمات لهم قرب الحدود، من دون ان نسمح لهم بالتجول في المدن الكبرى".
وأكد رشيد أحمد، أنّ المسؤولين الباكستانيين ناقشوا التدابير مع مسؤولين في إيران التي تؤوي حوالى 80 ألف لاجئ أفغاني جاء معظمهم إثر الغزو السوفييتي لأفغانستان في ثمانينيات القرن العشرين. وقد فرضت طهران منذ اليوم الأول لدخول هؤلاء اللاجئين الأفغان قيوداً مشددة عليهم، خصوصاً على صعيد منع تنقلهم في المدن، والحصول على تعليم وعمل، وذلك بخلاف باكستان التي تؤوي حوالي 3 ملايين لاجئ أفغاني أعطتهم الحرية في مجالات كثيرة بينها التحرك والعيش في كل مدنها بلا قيود أو استثناءات.
يقول اللاجئ الأفغاني محمد جليل الذي يسكن منذ ثلاثة عقود في مدينة بشاور، شمال غربي باكستان، لـ"العربي الجديد": "يعيش الأفغان براحة واطمئنان بفضل حسن معاملة السلطات الباكستانية لهم وإستراتيجيتها الخالية من إجراءات التضييق عليهم والتي تطبقها دول أخرى، ما شكل السبب الرئيس لبقاء عدد كبير منهم في مدن باكستانية مختلفة، وبينهم رجال أعمال وتجار ومهندسون وأطباء ومتخصصون في مجالات متنوعة".
لكن الناشط الاجتماعي الأفغاني عبيد الله خان يقول لـ"العربي الجديد" أنّه "رغم تطبيق باكستان سياسة واسعة الأفق مع اللاجئين الأفغان فهي استخدمت قضيتهم ورقة قوية لممارسة ضغوط في مجالات متعددة، ففعلياً يعيش عناصر كُثر من حركة طالبان في باكستان التي تربط وجودهم باللاجئين الأفغان" وهذا ما قاله رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، في 29 يوليو/ تموز الماضي، ولمّح إليه وزير الداخلية الباكستاني شيخ رشيد أحمد، في حوار أجراه مع قناة "جيو" المحلية. وكان خان قال في بيان إنّ "3 ملايين لاجئ أفغاني يعيشون في باكستان التي لا تستطيع سلطاتها التفريق بينهم وبين مسلحي طالبان، خصوصاً أنّ غالبيتهم يتعاطفون مع الحركة".
وسبق أن أكدت إسلام أباد مرات استعدادها للعب دور في عودة هؤلاء اللاجئين الأفغان "لكنّ المجتمع الدولي وأفغانستان يتخلفان عن تنفيذ واجباتهما في هذه المسألة، رغم أنّ قضية اللاجئين الأفغان باتت عبئاً ثقيلاً علينا". وفي حواره مع قناة "جيو" اعترف رشيد أحمد بأن أسراً لعناصر من "طالبان" تسكن في باكستان، وأن هؤلاء العناصر يدخلون البلاد أحياناً لتنفيذ زيارات، وبأن جثامين قتلاهم تنقل لدفنها في أراضينا".
ورغم أنّ مسؤولين وناشطين باكستانيين يعتبرون اللاجئين الأفغان عبئاً ثقيلاً على بلادهم، كون بعضهم ضالعين في أعمال فساد ونشاطات غير قانونية، يتحدث عمدة اللاجئين الأفغان في باكستان، سليم خان، عن أن اللاجئين يعيشون في شكل طبيعي، وأن أية مشكلات لم تحدث بينهم وبين الباكستانيين على مرّ التاريخ، مشيداً بتقديم الحكومات الباكستانية المتعاقبة خلال العقود الماضية كل التسهيلات التي جعلت اللاجئين الأفغان يتساوون مع الباكستانيين في مجالي التعليم والصحة".
لكنّ ذلك لم يمنع حكومة إقليم جلجت بلتستان من مطالبة إسلام أباد أخيراً بعدم السماح بدخول اللاجئين الأفغان إلى مناطقها، مبدية خشيتها من احتمال اندلاع حرب طائفية في الإقليم الذي تقول إنّه "يشهد تصاعداً في وتيرة الهجمات الطائفية لدى دخول هؤلاء إلى مناطقه، وهو ما لا نرغب به".
ويرى عبيد الله، وهو ناشط، أنّ إسلام أباد تنظر إلى قضية اللاجئين الأفغان باعتبارها تخدم مصالحها بالدرجة الأولى، وليس للاستجابة لمتطلبات واجباتها الإنسانية تجاه الشعب الأفغاني، مكرراً مقولة استخدام القضية ورقة للضغط على جهات مختلفة من أجل الحفاظ على عمقها الإستراتيجي في أفغانستان.