صدرت، اليوم الاثنين، قرارات جديدة من حكومة تصريف الأعمال في لبنان تتعلق بملف اللجوء السوري الحديث. أبرز هذه القرارات تشكيل وفد وزاري برئاسة وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بوحبيب، لزيارة سورية والتحقق من الأوضاع هناك. ومن المقرر أن تُقدَّم نتائج هذه الزيارة لمجلس الوزراء في نهاية سبتمبر/أيلول الحالي لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
وأعلن مجلس الوزراء، عقب جلسة عقدها في السرايا الحكومية، عن القرارات التي اتخذها في ملف "النزوح المستجدّ لمئات السوريين عبر نقاط عبور غير شرعية"، تُخشى منها زيادة خطاب الكراهية والعنصرية ضد اللاجئين، وتعريض حياتهم للخطر، ولا سيما في حال ترحيلهم قسراً إلى سورية التي لا تزال غير آمنة لهم، خصوصاً المعارضين منهم للنظام السوري.
وطلب مجلس الوزراء اللبناني من الأجهزة الأمنية والعسكرية "تعزيز نقاط التفتيش على المسالك التي يستخدمها المتسلّلون، وتنفيذ عمليات مشتركة شاملة ومُنسَّقة تستهدف شبكات التهريب وإحالتهم إلى القضاء المختص".
كما طلب "إغلاق نقاط العبور غير الشرعية ومصادرة الوسائل والأموال المستخدمة من قبل المهربين وفقاً للأصول، وتكثيف الجهد الاستعلامي والأمني لضبط الحدود البرية والبحرية، ومنع دخول السوريين بطرق غير شرعية واتخاذ الإجراءات الفورية بحقهم لجهة إعادتهم إلى بلدهم".
ودعا مجلس الوزراء وزارة الداخلية إلى "التعميم على البلديات بوجوب الإفادة الفورية عن أي تحركات وتجمعات مشبوهة تتعلّق بالنازحين السوريين، ولا سيما لناحية تهريبهم ضمن نطاقها، وإجراء مسح فوري للاجئين السوريين القاطنين في النطاق البلدي وتكوين قاعدة بيانات عنهم".
وطلب المجلس أيضاً من وزارة الداخلية "إزالة التعديات والمخالفات كافة على البُنى التحتية الموجودة في أماكن إقامة اللاجئين، والتشدد في تطبيق قانون السير، والتشدد في قمع المخالفات المتعلقة بالمحال التي تستثمر ضمن النطاق البلدي من قبل سوريين من دون حيازة التراخيص اللازمة والعمل على إقفالها فوراً وإحالة المخالفين إلى القضاء المختص".
إلى جانب ذلك، الطلب من "الجمعيات كافة، ولا سيما الأجنبية منها، وجوب التنسيق مع الوزارات والإدارات والأجهزة العسكرية والأمنية تحت طائلة سحب العلم والخبر منها".
في سياقٍ متصل، طلب مجلس الوزراء من وزارة العمل "التشدد في اتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة بحق المؤسسات والشركات العاملة على الأراضي اللبنانية والمخالفة لقانون العمل والأنظمة مرعية الإجراء، ولا سيما في الجانب المتعلق بالعمالة الأجنبية". كما "إعداد التعديلات القانونية اللازمة، وبالتنسيق مع المديرية العامة للأمن العام، لرفع قيمة الرسوم على العمالة الأجنبية تمهيداً لإدراجها في موازنة العام 2024 الجاري بحثها".
على صعيد وزارتي الصناعة والاقتصاد والتجارة، طلب مجلس الوزراء منهما "التشدد في ترتيب النتائج القانونية والمالية بحق المحال التجارية المخالفة والمؤسسات والمصانع التي تستخدم عمال سوريين لا يحوزون أوراق وتراخيص قانونية، وذلك تحت طائلة إقفال تلك المحال ووقف عمل المصانع وسحب تراخيصها".
وكلّف مجلس الوزراء وزارة العدل "الطلب من النيابات العامة التشدد في الإجراءات القانونية المتعلقة بالضالعين في تهريب الأشخاص والداخلين إلى لبنان بطرق غير مشروعة"، كما "الطلب من السلطات القضائية الإسراع في المحاكمات التي تخفف من مشكلة الاكتظاظ في السجون واتخاذ الإجراءات المناسبة التي من شأنها ترحيل المحكومين السوريين وإبعادهم مع مراعاة الاتفاقات الدولية والقوانين ذات الصلة".
كذلك، كلف مجلس الوزراء وزارتي الخارجية والمغتربين والشؤون الاجتماعية "الطلب من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تكثيف التعاون مع الوزارات والأجهزة الأمنية والعسكرية، في سبيل توفير الظروف الملائمة والفورية للعودة الآمنة للنازحين السوريين".
كذلك، "تكثيف الجهد الدبلوماسي لشرح خطورة هذا الموضوع على لبنان والأمن الإقليمي والأوروبي، ولا سيما في ضوء ضعف وتراجع الإمكانيات التي تسمح بضبط عمليات التهريب من خلال الأراضي والمياه الاقليمية اللبنانية".
في الإطار أيضاً، كلف مجلس الوزراء وزارة الاعلام "إطلاق حملات توعية من مخاطر النزوح على المجتمعين السوري واللبناني، وحث المواطنين على التعاون مع الأجهزة الأمنية والعسكرية للقبض على عصابات التهريب على الحدود".
وجهات النظر الوزارية
وعقد مجلس الوزراء اللبناني، بعد ظهر اليوم، جلسة خصصت لاستكمال البحث في مشروع قانون موازنة العام 2024، واتخذت فيها مقررات مرتبطة بالملف الذي تطلق عليه السلطات اللبنانية اسم "النزوح السوري المستجد"، علماً أن الجلسة التي كانت مخصصة في هذا الشأن، لم تعقد صباحاً بفعل عدم اكتمال النصاب القانوني، مع تغيّب عددٍ من الوزراء، أبرزهم، وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار، بعدما "تبيّن له من خلال الاتصالات والمشاورات أن الجلسة بحاجة للمزيد من التحضير لتكون مجدية وفعّالة، فأتت النتيجة بحسب توقعاته"، وذلك وفق ما أفاد في بيانٍ له.
وتختلف وجهات النظر الوزارية بشأن مقاربة ملف اللجوء السوري وسط صراع بين عددٍ من الوزراء على كيفية توزيع الأدوار، ويرى حجار أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لا يبت بأمر ملف اللجوء السوري بل يحاول الاستفادة من التناقضات السياسية.
وقرّر ميقاتي بدلاً من الجلسة الصباحية عقد لقاء تشاوري مع الوزراء الحاضرين وقائد الجيش العماد جوزيف عون والمدير العام للأمن العام إلياس البيسري، وشدد خلاله على أن "المطلوب هو اتخاذ موقف وطني جامع وموّحد بشأن كيفية مقاربة هذا الملف، ولا سيما النزوح المستجد لمئات السوريين عبر نقاط عبور غير شرعية".
في السياق، توقف المحامي أيمن رعد، في حديث مع "العربي الجديد"، عند نقاط لافتة للنظر في القرارات المتخذة، أبرزها المرتبط باتخاذ إجراءات قانونية رادعة بحق المؤسسات التي تستخدم عمالاً سوريين لا يحوزون على أوراق وتراخيص قانونية، وفي الوقت نفسه، طلب رفع قيمة الرسوم على العمالة الأجنبية، إذ إن "رفع الرسم بحد ذاته من شأنه أن يزيد التهرب من دفعها، ويزيد العمل غير الشرعي، باعتبار أن الذين يأتون إلى لبنان بهدف العمل لا يملكون المال الكافي لدفع الرسوم، خصوصاً في حال زادت، عدا عن أن من يحمل صفة لاجئ من الأمم المتحدة لا يدفع الرسوم".
من جهة ثانية، توقف رعد عند "الطلب من الجمعيات كافة، ولا سيما الأجنبية منها، وجوب التنسيق تحت طائلة سحب العلم والخبر منها"، معتبراً أن "هذا القرار مخالف للقانون، وهناك قوانين واضحة وصريحة، ترتبط بسحب العلم والخبر من الجمعيات، وعدم التعاون مع الأجهزة الأمنية ليس واحداً منها".
كذلك، توقف رعد عند الطلب من وزارة الإعلام إطلاق حملات توعية من مخاطر اللجوء، مشدداً على أن "ذلك خطر جداً، وسيترجم بحملة عنصرية وكراهية ضد اللاجئين الذين يعانون أصلاً من هذه الحملات التي تشتدّ في الفترة الأخيرة، خصوصاً على مستوى الخطاب السياسي السائد في البلد".
ويرى رعد أن هذه القرارات ليست سوى "هوبرة" لن تؤدي إلى نتيجة، لأن الدولة لا تملك أجهزة تنفيذية كافية لتنفيذ القرارات، فوزارة الاقتصاد مثلاً لا يتخطى عدد المراقبين فيها العشرين، وستكلف الأجهزة الأمنية القيام بهذا الدور الرقابي المحاسبي، ما من شأنه أن يزيد الرشاوى والزبائنية والخدماتية.
اللاجئون الجدد
وأبرز هذه المواقف أتى من وزير الثقافة محمد المرتضى، (ينتمي إلى حزب الله)، الذي حذّر في منشور على موقع "إكس"، وتحت وسم "تثبيت النازحين خطر وجودي، وطفح الكيل"، اللبنانيين من "أننا لسنا أمام مجرد عبء ناتج عن استضافة نازحين، لقد دخلنا في مرحلة الخطر الوجودي".
وحمل السبب الأول بالوصول إلى هذا الخطر "المجتمع الدولي وأدواته المتمثلة بالمنظمات غير الحكومية، الذي يسعى من الأصل إلى تثبيت النازحين"، مطالباً اللبنانيين بالوعي ومواجهة هذا الخطر متحدين.
ايها اللبنانيون خذوا علماً اننا لسنا أمام مجرد عبء ناتج عن استضافة نازحين...لقد دخلنا في مرحلة الخطر الوجودي( وهذا التعبير استعمله اليوم قائد الجيش واستعمله ايضاً مدير عام الامن العام)....السبب الأوّل لوصولنا الى مرحلة هذا الخطر يعود الى ان ما يسمّى ب"المجتمع الدولي"( وادواته… pic.twitter.com/fJ0oqgw0Iv
— القاضي محمد وسام المرتضى وزير الثقافة (@JugeMMourtada) September 11, 2023
وكان وزير المهجرين عصام شرف الدين قال في وقتٍ سابقٍ، لـ"العربي الجديد"، إن "النازحين الجُدد هم الذين يدخلون المعابر غير الشرعية، عبر جانين، العريضة، وادي خالد، وسواها".
وأضاف أنه "ممنوع إيواء أي نازح جديد يدخل من معابر غير شرعية من قبل السكان المحليين تحت طائلة العقوبات، ولا سيما أن هناك شبكات تهريب على جانبي الحدود تعمل بشكل منتظم".
وكان وديع الأسمر، رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان، قال لـ"العربي الجديد" إن "أغلب عمليات التهريب لا تحصل إلّا بغطاء أمني لبناني – سوري، أو لبناني وبمقابل رشوة وغيره".
واعتبر أنه "في حال أرادت الدولة اللبنانية وأجهزتها فعلاً مكافحة التهريب، فعليها أن تداهم كبار المهربين، وبعضهم نواب في المجلس النيابي، لا أن تلاحق الضحايا والمجتمعات الضعيفة".
كذلك، يرى الأسمر أن "ما يحصل في سورية، ولا سيما في السويداء واللاذقية، قد يدفع بسوريين للجوء إلى لبنان بكل الوسائل المتاحة، للحفاظ على حياتهم، ومن واجب الدولة اللبنانية حالياً أن تضع آلية واضحة تحدّد من هو اللاجئ، وأسباب اللجوء، لتحمي بذلك اللاجئين المعرضة حياتهم للخطر".
تجار البشر
وكان مركز "وصول" لحقوق الإنسان (ACHR) أشار إلى أن الحملة الأمنية الأخيرة التي استهدفت اللاجئين السوريين في لبنان، وتسببت في ترحيلهم قسراً، ساهمت في تصاعد حالات الابتزاز المالي عبر الحدود من قبل تجار البشر.
وقال المركز في بيان له إن "عدد ضحايا الترحيل القسري منذ بداية الحملة الأمنية في إبريل/نيسان الماضي، إلى يونيو/حزيران الماضي، بلغ 365، في حين بلغ عدد ضحايا الاعتقال التعسفي 841".
وأشار المركز إلى أن "اللاجئين يعانون من نقص الحقوق الإنسانية الأساسية بسبب عدم وجود حلّ جدّي لوضعهم القانوني، ما يؤدي إلى تعرّضهم للاستغلال الاقتصادي والابتزاز وإضعاف موقفهم أمام القانون".