استمع إلى الملخص
- خلال الفيضانات في شمال أفغانستان، كانت القبائل من أوائل المستجيبين، حيث قاموا بعمليات الإنقاذ وتوفير المأوى، مع تسليط الضوء على جهودهم من خلال تصريحات زعماء قبليين.
- بعد مرحلة الإنقاذ، تواصل القبائل تقديم الدعم للمتضررين بتوفير الطعام والملابس والمساعدات الأساسية، مؤكدين على قيمة التضامن والتكافل في المجتمع الأفغاني خلال الأزمات.
تشتهر أفغانستان بنظامها القبلي المستقر منذ القدم، ورغم ما شهدته البلاد من تطورات وتغيرات اجتماعية خلال العقود الماضية، لكن ما زال النظام القبلي قوياً ومؤثراً، وبينما له بعض السلبيات كحرمان النساء التعليم والعمل، إلا أن إيجابياته كثيرة، ومن بينها التضامن والتكافل.
في أوقات الأزمات والكوارث الطبيعية يظهر دور القبائل الأفغانية واضحاً، إذ تكون أول من يهبّ لمساعدة المنكوبين والمتضررين، فتفتح أبواب المنازل والحدائق لهم، وتعمل على توفير الاحتياجات الأساسية من الغذاء والدواء والملابس، وتساعد المؤسسات الخيرية بالمال والمتطوعين، وينسّق رموز القبائل مع تلك المؤسسات في جميع أعمال الإغاثة.
حين ضربت الفيضانات الجارفة عدداً من ولايات شماليّ أفغانستان في الأسبوع الثاني من شهر مايو/ أيار الحالي، كان رجال القبائل أول من وصل إلى المناطق المنكوبة، وباشروا بعمليات الإنقاذ، خصوصاً في بغلان وغور وتخار وفارياب.
يقول الزعيم القبلي سيد مولى، من مدينة فيروز كوه عاصمة ولاية غور، لـ"العربي الجديد": "اجتاحت مياه الفيضانات المنازل، ودمرت كل شيء، وكان العشرات تحت الأنقاض، ووصول السلطات الحكومية يستغرق وقتاً بالطبع، حينها بادرت القبائل إلى مساعدة المنكوبين، وجاء الناس من الأحياء القريبة أفواجاً لإنقاذ المتضررين ودعمهم. نجت أعداد كبيرة من الناس من الموت بفضل مساهمة القبائل في عمليات الإنقاذ، ولولاهم لكانت أعداد القتلى أضعافاً مضاعفة، وكانوا يستخدمون كل الوسائل المتاحة، فرأينا أشخاصاً ينقلون المتضررين في سياراتهم الخاصة وعبر الحافلات من دون اعتبار لأيّ نوع من الربح، ودون تفكير في ما ينفقونه من أموالهم".
ويقول شرافت الله، وهو أحد سكان منطقة بوركه بولاية بغلان، لـ"العربي الجديد": "فقدنا الكثير من الأقارب والأصدقاء في الفيضانات، وعقلي كاد أن يتوقف حين وقعت الكارثة، ولم أكن أدري كيف أتصرف، فالسيل جاء فجأة، ودمر كل شيء. كان لدينا هم واحد هو أن ننقذ نساءنا وأطفالنا، وأن نعثر على من فقدناهم في المياه، ولولا وصول رجال القبائل من الأحياء القريبة التي لم تتضرر لكانت الكارثة أكبر، لقد وصل بعضهم خلال أقلّ من ساعة إلى المنطقة، وساعدونا بكل ما يملكونه، فأخرجوا العالقين، وساعدوا الناس في إنقاذ محتويات المنازل، ثم نقلوهم إلى مناطق غير متضررة. لا توجد لدينا أماكن عامة لإيواء النازحين، لكن القبائل فتحت أبواب المنازل والحدائق للجميع، ومعلوم أن لدى كل قبيلة غرفاً كبيرة خاصة بالضيوف، وتلك الغرف تكون بمثابة المنازل، وقد كانت مليئة بالمتضررين".
وبعد عمليات الإنقاذ والإيواء جاءت مرحلة الإغاثة، وبطبيعة الحال لا يتوافر للناس في تلك المناطق الكثير من المال، فأغلب الأفغان فقراء، لكن رغم ذلك كانت القبائل أول من دعم المتضررين عبر توفير كميات من الطعام والملابس وغيرها من أساسيات الحياة.
يقول الزعيم القبلي في ولاية غور، إحسان الله عادل، لـ"العربي الجديد": "القبائل لديها قوة بشرية كبيرة، وتستخدمها دائماً في مساعدة المتضررين والمحتاجين، والتدخل في أي أزمة، لكن عندما تأتي مرحلة توفير مواد الإغاثة تكون الأمور أصعب، لكن هذا لا يعني أننا لا نعمل، فالقبائل تقدم كل ما لديها، وقد رأينا الناس يؤوون المنكوبين في منازلهم، ويوفرون لهم الطعام والشراب والملابس بعد أن خسروا كل شيء، وهذا ليس جديداً على القبائل التي لها تاريخ طويل من العمل في هذا المضمار".
يضيف: "رجال القبائل الأفغانية قاموا بمساعدة المنكوبين من خلال العمل بشكل طوعي مع المؤسسات المحلية من دون أي نوع من الرواتب، وأحياناً مقابل رواتب زهيدة للغاية، وتوفر القبائل العنصر البشري لمعظم المؤسسات المحلية التي تعمل في مساعدة المنكوبين".
بدوره، يقول الناشط الأفغاني نور بادشاه، من ولاية خوست الجنوبية حيث النظام القبلي متجذر، لـ"العربي الجديد": "يمتلك النظام القبلي مزايا كثيرة في بلادنا، وشاهدنا ذلك على مدار التاريخ، سواء في أوقات الأزمات أو في الأوقات العادية. لدينا عادة قبلية تسمى (حشر)، وفيها تجتمع القبائل من أجل أي عمل عام، كتعبيد الطرق أو زرع الأشجار، وفي أوقات الأزمات تقف القبائل إلى جانب جميع المتضررين، وعندما تحدث أي أزمة لا يمكن لأي شخص قبلي أن يرفض المساعدة، وهذه أمور نفتخر بها، ونحرص على المحافظة عليها".