في اليوم العالمي للمياه.. غزة تعاني نقصاً حاداً ومحاولات للتغلب على الأزمة

22 مارس 2023
في محطة تحلية مياه البحر شمالي قطاع غزة (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -

يحلّ اليوم العالمي للمياه على قِطاع غزة، والذي يصادف 22 مارس/آذار من كل عام، في ظل واقع مائي مُتردٍ وأزمات مُتلاحقة لا تُمكّن الفلسطينيين سوى من الحصول على 35% من احتياجاتهم الحقيقية للمياه، والتي تُعتبر عصب الحياة اليومية، ويؤثر نقصها أيضاً على المشاريع الاقتصادية.

ويُعاني أهالي قِطاع غزة من جنوبه حتى شماله من القطع المتواصل للمياه، إلى جانب العديد من الأزمات المائية جراء تواصل الحصار الإسرائيلي، وأبرزها استمرار أزمة الكهرباء، وعدم توافق جداول وصول وقطع المياه والكهرباء عن منازل المواطنين.

وتعتمد غزة للحصول على المياه بشكل أساسي على ثلاث محطات تحلية مركزية، إلى جانب "مياه الماكاروت" التي تدخل إلى القِطاع عن طريق الاحتلال الإسرائيلي، والتي ترفد بمجموعها الفلسطينيين بنحو 35% من احتياجهم، فيما يتم قطع الماء بفعل النقص الذي يصل إلى ثُلثي الكمية المطلوبة.

واقع مائي مُتردٍ وأزمات مُتلاحقة لا تُمكّن الفلسطينيين سوى من الحصول على 35% من احتياجاتهم الحقيقية للمياه

ويعتبر قطاع المياه والمياه العادمة من أهم عناصر البيئة، والتي تتم دراستها وتحليلها في إطار تقييم الوضع البيئي في قطاع غزة بشكل مستمر. كما يرتبط هذا العنوان بالعديد من النقاط الهامة، مثل أزمة المياه في القطاع من حيث كمية ونوعية المياه المتوفرة، وآليات تطوير العمل المائي في القطاع.

ويوضح الخبير البيئي أحمد حلس أن مياه الاستخدام المنزلي تعتبر من أهم مكونات قطاع المياه في غزة، وهي التي يتم تزويد السكان بها لأغراض الاستخدامات المنزلية، ولأغراض الزراعة والصناعة، لافتا إلى أن الواقع المائي يُعاني من تدهور شديد في كمية المياه، حيث يحتاج القطاع إلى أكثر من 210 ملايين متر مكعب من المياه العذبة سنويا لكافة الأغراض المنزلية والزراعية والصناعية، وقد تحدثت العديد من التقارير الفنية عن وجود هبوط حاد وواسع لمستوى مياه الخزان الجوفي.

ويُبين حلس، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الخزان الجوفي يعتبر المصدر شبه الوحيد والذي تعتمد عليه غالبية سكان القطاع في الحصول على ما يقارب 94% من احتياجهم الكلي للمياه، والذي تتم تغذيته بمياه الأمطار، فيما تصل إلى القِطاع قرابة 12 مليون متر عبر خط ناقِل من شركة المياه الإسرائيلية.

ويوضح الخبير البيئي أن السُكان يعانون أيضاً على مستوى الأسرة في ما يتعلق بكمية المياه الواصلة إلى منازلهم لأغراض الاستهلاك اليومي، وتُقدّر الدراسات الفنية الحديثة كمية المياه التي تصل إلى المواطنين في غزة بـ60 – 70 لترا للفرد في اليوم، وقد تكون أقل بكثير من ذلك لدى الكثير من الأسر، وتحديدا في المناطق الريفية والمهمشة، في الوقت الذي توصي فيه منظمة الصحة العالمية بضرورة وصول ما يقدر بـ100 – 120 لترا للفرد يوميا حتى يتحقق مستوى الأمن المائي المطلوب، بما يضمن المياه الخاصة بالشرب، والنظافة الشخصية، وقضاء الاحتياجات المائية الأساسية.

وتتفاقم مشكلات تزويد السُكان بالمياه اللازمة للأنشطة اليومية المنزلية في غزة، وفق منظور حلس، بسبب غياب التيار الكهربائي، وعدم توافق وصول الكهرباء مع وقت الإمداد بالمياه للمنازل عبر موفري الخدمات كالبلديات وخصوصا في المناطق الريفية أو أطراف المدن والتي أصبحت تكتظ بالسكان ويزداد فيها الطلب على المياه، مُبينًا أن عدم توافق موعد وصول المياه مع وقت وصول التيار الكهربائي للأسرة يحرم الكثير من السكان من فرصة تشغيل المضخات اللازمة لرفع المياه إلى الخزانات الموجودة فوق أسطح منازلهم.

ويضطر السكان بفعل حِرمانهم من المياه لفترات قد تصل إلى أسابيع في بعض الأحيان إلى شراء المياه من الباعة والمتجولين (غير المأمونة من حيث الجودة)، بأسعار باهظة أو العمل على حفر بئر مياه غير قانوني لسد احتياج الأسرة أو العيش ضمن ظروف الفقر المائي التي تؤثر سلبا على حياة الأسرة. ويوضح حلس أن ذلك يدفع إلى وجود حالة من غياب العدالة في توزيع المياه في الكثير من المناطق.

في هذه الأثناء، يوضح مدير عام مصلحة مياه بلديات الساحل منذر شبلاق أنه وعلى الرغم من الواقع المائي الصعب، بحسب تقرير الأمم المتحدة، الصادر عام 2011، والذي تحدث أن قطاع غزة لن يصبح قابلا للحياة مع حلول 2020، والذي استقى معلوماته من الفلسطينيين، إلا أن المحاولات ما زالت مُستمرة لتحسين ذلك الواقع.

ويبين شُبلاق في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المحاولات الفلسطينية بإنشاء ثلاث محطات تحلية رئيسية في شمال ووسط وجنوب قطاع غزة، بمُساعدة المؤسسات الدولية، والمياه الواردة من الجانب الإسرائيلي بمقابل مادي (بنسبة أقل من التي تنتجها المحطات) وفرت نحو 35% من الاحتياج العام للمياه.

ويشير شبلاق إلى وجود مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي لإضافة محطات تحلية كبيرة الحجم لتوسعة دائرة الاستفادة، وإقناع الجانب الإسرائيلي بزيادة نسبة "مياه الماكاروت"، خاصة في ظل الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية التي يعاني منها قطاع غزة، ونقص مياه الخزان الجوفي والتي تقدر بـ55 مليون متر مكعب، ما يتطلب إيجاد مصادر بديلة عن الخزان الجوفي، وخاصة أن الاحتياج السنوي يفوق 200 مليون متر مكعب.

ويوضح شبلاق أن العمل جارٍ لتجميع مياه المطر لضمان توفير آبار مياه حلوة للأجيال القادمة، إلى جانب إنشاء ثلاث محطات رئيسية لمعالجة مياه الصرف الصحي في غزة والبريج وخان يونس، والمياه التي يتم توجيهها نحو البحر، ما سيساهم بزيادة نسبة نظافة الشاطئ، وانخفاض معدلات تلوث البحر بشكل ملحوظ.

ويترافق العمل بمحطات التحلية بمُطالبات محلية متواصلة للمجتمع الدولي بضرورة تحقيق الحلم الفلسطيني بإنشاء محطة تحلية مركزية ومحطة معالجة ضخمة، للتغلب على نقص مياه الخزان الجوفي، وتزايد أعداد السكان، وزحف مياه البحر وارتفاع نسبة الملوحة، على الرغم من المعيقات الإسرائيلية التي تمنع دخول المعدات.

ودفعت ملوحة المياه السُكان لشراء الماء من محطات التحلية، والتي يتم بيعها عبر صهاريج تصل للمنازل من قرابة 150 محطة، وتبيع الماء بأسعار أغلى من 10 – 30 مرة عن أسعار المياه المنقولة، فيما تم الانتهاء من إنشاء وحدات تحلية مياه البحر بالتناضح العكسي بقدرة 2000 متر يوميا، وتحويلها إلى مياه صالحة للشرب، ومحطة تحلية بطاقة 6000 متر يوميا لخدمة حوالي 75000 نسمة من سكان خان يونس ورفح الغربية، جنوبي قطاع غزة، ومحطة تحلية نحو 10000 متر يوميا من مياه البحر في مدينة غزة، ومحطة بالقدرة الإنتاجية ذاتها لسكان الجزء الغربي من المدينة.

ويعتبر القطاع، والذي يسكنه نحو 2.2 مليون نسمة، وتبلغ مساحته 365 كيلومترا مربعا، أحد أكثر الأماكن اكتظاظا بالسكان على وجه الأرض، حيث يبلغ متوسط الكثافة لأكثر من 5.800 نسمة في كل كيلومتر مربع، ويرتفع إلى 20.000 نسمة في كل كيلومتر مربع في المناطق الحضرية.

المساهمون